ينتصر «كمال الدين عيد» إلى وجود تلازمية مهمة بين «معارض الفنون التشكيلية» و «الثقافة»، وخصوصا بعد انبثاق مصطلح الثقافة الوظيفية (العملية) في نهايات القرن العشرين، إذ «قام جسر جديد بين الثقافة والفنون التشكيلية لتحقيق المذهب العملي الانتفاعي FUNCTIONALISM بين فنان يبدع ومشاهد». أما الأهم من هذا التلازم - الطبيعي - فهو تلك القيمة الاتصالية الجديدة التي ابتكرتها الفنون التشكيلية في جسم الثقافة. نقول قولنا هذا في البدء لنعبر عن اهتمامنا بهذا الجزء من الثقافة عموماً، ومن الثقافة البحرينية خصوصاً، والتي تزخر بأسماء نكن لها كل تقدير واحترام ومحبة.
أما موضوعتنا الرئيسية، فهي الصورة التي أخشى أن نكون - كأجهزة إعلامية - قد اختزلنا بها الثقافة البحرينية ككل خلال الشهرين الماضيين في صورة واحدية للثقافة باعتبارها «معارض فنون تشكيلية». حاولت التأكد من عدد المعارض الفنية التي شهدتها البلاد خلال الشهرين الماضيين فكان لي أن أرصد سيطرة تزيد على 70 في المئة من مجمل النشاط الثقافي البحريني للمعارض الفنية التشكيلية وما دار في فلكها من منتوج.
هذا الاختزال للنشاط الثقافي قد يبرر أننا في «ذروة الموسم الثقافي». لكن، أين بقية النشاطات الثقافية إن نحن سلمنا بذلك؟ أين الشعر/ النقد/ المسرح/ الموسيقى؟ هل ثمة موسم ثقافي آخر غاب عن ذاكرتي يجب أن تظهر فيه تلك النشاطات التي لا نرى لها أي وجود يذكر؟ أزعم أن الأمر لا يزيد في حقيقته على أن مجمل النشاطات الثقافية في البلاد هي وليدة تخطيط منفرد، فلكل جهة من جهات الثقافة تحليق مختلف، على سماء مختلفة، لجمهور وأسماء مختلفة.
تعيسة هذه الثقافة المجزأة، الملفقة، المُمْتَلكَةُ بالأسماء والكاريزمات التاريخية في الشعر والنقد خصوصاً. تعيسة هذه الفعاليات التي تسير على ما شاء الرب لها أن تسير، تعيسة هذه النشاطات التي لا تتكامل في جزيرة صغيرة يعرفها الآخرون كمنبر ثقافي أصيل، شع منذ القدم في الثقافة بشتى فروعها ومجالات اهتمامها. لابد أن يحاول المثقفون البحرينيون إيجاد منطقة آمنة للثقافة تتسع للجميع، لن يكون لمؤسسة ثقافية أن تمتنع عن تنسيق برامجها الثقافية مع باقي المؤسسات، وخصوصاً أن مثل هذا التنسيق سيسهل على الصحافة أن تعطي كل فعالية حقها من التغطية والاهتمام. أما الاستمرار في هذا التخبط الإداري على مستوى التخطيط والفاعلية في البرامج فهو ما سيعجِّل من زيادة جرعات «التعاسة» لحراكنا الثقافي الذي بالكاد هو قادر على الحياة والظهور.
عديد الأسماء البحرينية في الفنون التشكيلية كان لها أن تتأثر سلباً في ظل هذه الأجندة المزدحمة بالمعارض المقارنة، وهو ما كان سلبياً على هذا الإنتاج الثقافي الذي نفتخر به، وعلى القائمين على هذه النشاطات ألا يكرروا هذه الأخطاء في العام المقبل، والذي سنتطلع جميعاً منه أن يكون عاماً ثقافياً مميزاً ومتنوعاً?
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1567 - الأربعاء 20 ديسمبر 2006م الموافق 29 ذي القعدة 1427هـ