اثنتان وعشرون جهة ... سماءً... مكاناً... لهجةً... مزاجاً... رؤيةً، لا يمكن حسم أو ارتجال انها ضالعة في الصميم من فتنة التجسيد/التشكيل/اللون. اثنتان وعشرون جهة تظل ضالعة في مساحة جبلت عليها: الإصغاء. حاسة السمع حاضرة بشكل بليغ ومؤثر، وربما استثنائي. حاسة السمع عربياً ولاثنتين وعشرين جهة هي العلامة المسجّلة منذ أول شاعر عربي اعتلى تلّة... تكية... حاجة، ليجأر بصوته.
لم تتغير الوقائع لأن جينات الجغرافيا والتاريخ ليست بتلك السهولة من الانقياد بحيث يصار ذات يوم... شهر ... عام إلى تغيير مزاج وحاسة أمة بأسرها، فتقفز من حاسة الإصغاء، إلى حاسة المشاهدة/النظر، وما يتبع تلك المشاهدة والنظر من متطلبات وشروط وتراكم ونضج.
يمكن القول إنه خلال الستة الشهور الماضية، شهدت البحرين حراكاً ثقافياً وفنياً احتلت فيه الأنشطة الفنية، وخصوصاً معارض التشكيل ما نسبته 46 في المئة من مجمل الحراك! وعلينا أن نسأل وبشيء من التهكم: هل بتنا ننافس العواصم الكبرى في هذا الصدد؟ على رغم تواضع التراكم والتجربة وحتى الإعداد؟.
وبات علينا أن نكون أكثر تواضعاً لكي لا نكشف عورات لن يسر كثيراً كشفها. التراكم والوعي والانحياز إلى الفن التشكيلي لم يصل إلى الدرجة التي تدفع الدُور والمحترفات الفنية إلى التهافت عليه. نعلم وتعلم تلك الدور والمحترفات الفنية أن نسبة ذلك الوعي وحتى الاقتراب المباشر من المساحة البصرية التي يتيحها الفن التشكيلي على اختلاف مدارسه ومذاهبه وأشكاله، لا تتعدّى - هنا - الـ 20 في المئة بين المثقفين! والتسمّر والتأمل المصطنع الذي تحرص بعض كاميرات التلفزة على التركيز عليه، لا يتجاوز كونه «انتهازاً» لفرصة الرصد، وما يتبع ذلك الانتهاز من «هز» الرأس أمام لوحة هنا ومنحوتة هناك لزوم وجاهة وهيبة المكان، وما يتبعهما من تحشيد وتفاصيل!.
ضمن الإحصاء نفسه، لم تتجاوز نسبة الأمسيات الشعرية 24 في المئة، على رغم انها في الصميم من الانتباه والجذب، فيما الندوات والمحاضرات وتوقيع الإصدارات تشترك في النسبة المتبقية: 30 في المئة.
علينا أن نقر بإمكاناتنا، وليس في ذلك أدنى عيب أوعار. نسبة كبيرة من مثقفينا - عدا عن الذين لا علاقة لهم بتلك الشريحة - لا تولي اهتماماً بالمعارض التشكيلية التي باتت تنبت كالفطر، وعلى رغم تواضع ارتيادها، والحضور فيها إلا انه مكتوب علينا أن ننقاد إلى ذلك الإرغام السمج، سواء كصحافة أو وجوه إعلامية وأدبية.
يمكن لنسبة الـ 20 في المئة التي شملت من يبدون اهتماماً بتلك المعارض أن تتقلّص إذا ما وضعنا في الاعتبار أن 10 في المئة منها مدمنة حضور، وأصبح حضورها تلك المعارض ضرباً من أداء الواجب، بل ويمكن القول: تقمّصاً لدور رابطة المشجّعين في الألعاب الفردية والجماعية، ولكنها في النهاية لا تعي موضوع تحمسها الكاذب، وتعلم - كما نعلم - أنها تماماً: «كمثل الحمار يحمل أسفاراً».
بالعربي الفصيح: جمهوركم فقير نظر، ليس بمعناه المباشر، بل بمعناه الصانع لاقتحامه وهتكه وابتكار تفسيره ومعناه الخاص، وما دمتم قررتم الخروج على حقائق ووقائع الجينات والحواس فتحمّلوا حضور نوعيات من «الحمير» التي تحمل أسفاراً، أو من محترفي «هز الرؤوس» أمام لوحات تعلمون جيداً أنها - النوعيات - نسخة مصغّرة من يونس شلبي في مسرحية «العيال كبرت».
عربياً، تحتاج الثقافة البصرية إلى أكثر من 5 عقود أو تزيد كي تنتصر على حاسّة مزمنة ودافعة إلى الخنوع... الخنوع والاستسلام لكل شيء، بدءاً بشاعر بحجم محمود درويش، وليس انتهاء بصوت اللبنانية الأصل شاكيرا?
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 1567 - الأربعاء 20 ديسمبر 2006م الموافق 29 ذي القعدة 1427هـ