الرغبة في سماع صوت التجار السياسي تلح عليَّ أمام كل انعطافة يمر بها الوطن. واليوم تقف البلاد أمام منعطف خطير مصدره نتائج انتخابات المجلس النيابي، وتعيينات مجلس الشورى، والتشكيلة الوزارية التي تمت في إعقابهما.
ليس هنا مجال تناول نتائج الانتخابات من حيث نزاهتها أو عدم نزاهتها، ولا المقصود تقويم التحالفات السياسية التي نسجت ومدى صدقية كل طرف فيها، وحسن نواياه، وشفافية تمسكه بكل ما ادعاه إزاء تلك التحالفات. والأمر كذلك بالنسبة إلى الشكل النهائي الذي أخذه مجلس الشورى، وأخيراً وليس آخراً الصورة النهائية التي رست عليها الوزارة الأخيرة.
العنصر المشترك في الهيئات الثلاث هو: غياب حضور ملموس متبلور يعبر عن مجتمع رجال الأعمال ويعكس تطلعاتهم. والحديث هنا ليس المقصود منه اعتبار نجاح نائب هنا أو هناك ينحدر من عائلة تجارية، ولا الانتقاص من إخلاص شوري ينتمي إلى بيوتات الأسر التجارية، ولا الطعن في كفاءة وزير أو آخر شاءت الصدف وحدها أن تكون له صلة قرابة - بغض النظر عن قدمها وتأصلها - بالمجتمع التجاري.
المقصود هنا وجود كتلة سياسية واضحة المعالم تتحدث عن التجار البحرينيين، وتدافع عن مصالحهم - التي نختلف مع الكثير ممن يحاول أن يضعها في خانة تصادمية متناقضة مع المصالح الوطنية العليا - وتنسق مع الكتل الأخرى المعبرة عن مصالح وهموم الطبقات الأخرى من المجتمع.
كأن هناك اتفاقاً ضمنياً غير مصرح به، أوجدته تقاطعات مصلحية ينبغي التفتيش عنها وتسليط الضوء عليها بين القوى الفاعلة سياسياً في الساحة البحرينية، على تهميش التاجر البحريني سياسياً وتقليص دوره في الحياة السياسية البحرينية، إلا في حالات اضطرارية تفرضها ظروف قسرية على من أصبح لهم قول في تلك الساحة.
قد ينبري من يقول - وتردد ذلك كثيراً - أن المسئولية تقع على كاهل التجار، وهم الذين أوصلوا أنفسهم إلى ما هم عليه الآن. ولو افترضنا جدلاً صحة هذه المقولة - على رغم تحفظي على ذلك - فليس من العدالة ولا بعد النظر أن تتفق جميع القوى السياسية التي كانت لها مشاركتها في صنع نتائج التشكيلات الثلاث، بوعي أو من دون وعي، وباتفاق أو بتقاطع المصالح الآنية ضيقة الأفق، أن يشل صوت التاجر البحريني أو أن تهمش مساهماته.
ومن الطبيعي والمنطقي أن تولد هذه الحال غير الصحية أمراضاً سياسية مدمرة على مسار وتطور الحياة السياسية البحرينية المقبلة، تنعكس بدورها على الواقع الاقتصادي تتولد عنها احتقانات اجتماعية تنفجر دورياً في تعبيرات معارضة يتدهور من جرائها تطور البلاد ونموه.
وتتفاعل هذه الظواهر وتداعياتها بشكل سلبي مطرد يقود إلى حال من الشلل الشامل الذي تفرض نفسها على مختلف جوانب الحياة وفي مقدمتها قنوات العمل والإبداع والإنتاج. مثل هذه التداعيات، عرفتها البحرين دورياً على امتداد العقود الستة الماضية: حوادث هيئة الاتحاد الوطني 1956، انتفاضة 1965، أزمة المجلس الوطني 1975 ومرحلة قانون أمن الدولة، موجة الاعتقالات التي سادت النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي، ثم حوادث التسعينات التي لم ينتشل البلاد منها سوى المشروع الإصلاحي.
ليس الوقت متأخراً بالنسبة إلى الأطراف كافة: فأمام النواب - إن هم أرادوا - فرصة تاريخية لمد يد التحالف مع التاجر البحريني من أجل بلورة قناة فاعلة من خارج البرلمان تساعد على عمل جاد وفعال داخل أروقته. والشوريون بوسعهم مد جسور تفاعلية منتجة وبناءة مع الجسم التجاري البحريني لإعطائه المزيد من الحضور في ردهات المجلس وفعالياته. والدولة قادرة على تفعيل هذا الدور من خلال لجانها المتخصصة المشتركة. وفوق هذه وذاك نرى دوراً لا يمكن أن يستهان به لديواني صاحب الجلالة الملك وولي عهده الأمين، لكي تكتمل الدائرة وتشمل أنشطة الحياة كافة.
هذا، طبعاً لا يعفي التجار أنفسهم من المسئولية، فهم أكثر القوى مطالبة برفع صوتها وإسماعه للآخرين بمن فيهم من يصر على أن يوغر أذنه كي لا يستمع لذلك الصوت?
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1566 - الثلثاء 19 ديسمبر 2006م الموافق 28 ذي القعدة 1427هـ