يتفق الكثير من الخبراء والمهتمين بأن المخرجات التعليمية في الكثير من البلدان الخليجية ليست منسجمة ومتوافقة كماً وكيفاً مع الاحتياجات الفعلية من الموارد البشرية في أسواق العمل ما أدى ويؤدي إلى بروز بطالة هيكلية (المعروض من العمالة المحلية الباحثة عن العمل لا يتناسب مع العمالة المطلوبة نوعاً وكماً وكلفة) وهو يؤدي بدوره الى ارتفاع الضغوط على الجهات الرسمية من أجل فتح باب هجرة العمالة الأجنبية إلى الخليج والى احتدام الجدل حول ضرورة معادلة قطاع التعليم والتدريب مع احتياجات سوق العمل والى بروز بعض الآثار والضغوط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على الحكومات بسبب النسبة المرتفعة من العمالة الوافدة، وبروز مشكلة البطالة كمشكلة وتحد سياسي جديد في بعض بلدان الخليج .
أضف لذلك أن العمالة الخليجية مازالت تتردد وتعزف عن الدخول الى عالم الصناعة بسبب النظرة الاجتماعية العامة السائدة تجاه العمل الصناعي وبسبب تأخر ظهور التعليم الصناعي والتثقيف الصناعي في كثير من بلدان الخليج وعدم إلزامية التعليم بشكل عام. علاوة على الآثار السلبية لطفرة السبعينات التي بدأت نتائجها السلبية تظهر في الثمانينات إذ لم تستثمر بلدان الخليج النسبة الأكبر من الدخول الهائلة التي حققتها في السبعينات لتنمية الاقتصادات الوطنية وتنويع مصادر الدخل القومي وتقويم الهياكل الانتاجية والاقتصادية وسد الفجوات ما بين الفقراء والاغنياء ما أدى إلى مزيد من التحديات السياسية والاقتصادية على كاهل القيادات السياسية.
كما يلاحظ بصورة بارزة أيضا ظاهرة ازدواجية التصنيع بين بلدان الخليج. ففي ظل غياب التنسيق المطلوب بتنا نشهد تكرار إنتاج ذات الصناعات بدول المجلس ما أدى إلى فشل جهود تسويق التجارة البينية الخليجية في بعض الحالات، والى التنافس بين المستوردين والمصنعين الخليجيين في حرب الأسعار بهدف احتواء الاسواق. وأدى كل ذلك الى سلسلة طويلة من النتائج والأهداف المتضاربة الأخرى منها على سبيل المثال: ارتفاع كلفة التشغيل والى كساد البضائع وارتفاع كلفة التخزين وتوجه الصناعات الخليجية للأسواق الأجنبية لتسويق منتجاتها بدلاً من تسويقها - وبكلفة نقل أقل - في الأسواق الخليجية المجاورة. ولهذا بدلاً من أن يكون هدف التصنيع في الخليج تكامل الصناعات الخليجية الواحدة منها تكمل الأخرى وتسد احتياجاتها صارت - على العكس - تستهدف بالدرجة الأولى منافستها وتقليدها وغزو أسواقها قبل أن تغزو الأسواق غير الخليجية.
وأخيراً، فان تفاوت درجات وسياسات الدعم والحماية الصناعية بين البلدان الخليجية انعكس بدوره على السياسات الجمركية وتفاوت درجات القدرة التنافسية على تقديم أفضل الأسعار للمنتجات النهائية للسلع الخليجية. فالصناعات التي تُقام في بلدان خليجية مرتفعة الدعم في شكل اعانات حكومية من مال أو أرض أو خدمات حكومية مجانية أو مدعومة من خلال مثلاً أسعار مخفضة للكهرباء والماء والأراضي وغيرها أو معفية من الرسوم العامة بمختلف أشكالها استطاعت أن تنافس بشكل أفضل نظيراتها من الصناعات الخليجية الأخرى التي تحصل على دعم أقل من حكوماتها. ما أدى الى تفاوت في كلفة التشغيل وبالتالي في الأسعار النهائية وإلى زيادة درجة المنافسة التجارية بين هذه الصناعات?
العدد 1566 - الثلثاء 19 ديسمبر 2006م الموافق 28 ذي القعدة 1427هـ