لعب التيار الوطني الديمقراطي البحريني ممثلاً في قواه السياسية وجماهيره دوراً نضالياً كبيراً من أجل التحرر من الاستعمار البريطاني منذ ما قبل منتصف القرن الماضي، حتى بداية سبعيناته. ثم خاض التيار نضالاً طويلاً من أجل المشاركة السياسية للشعب من خلال إرساء الخطى الديمقراطية وبناء دولة الحق والقانون، وعلى مدى مسيرة نضاله قدم التيار تضحيات لا تحصى. وهو يمر اليوم بأزمةٍ مظاهرها قد تكون هي ذاتها التي يعانيها التيار في عموم المجتمعات العربية. أما الأسباب فقد يختلف بعضها وفقاً لخصوصية كل مجتمع. أزمة التيار الراهنة تتمثل في المظاهر الآتية:
1. تراجع دور التيار الوطني الديمقراطي وتأثيره في الحياة السياسية ومتغيراتها. فلم يعد التيار يشكل القوة السياسية الكبرى في جهة تأثيرها في العملية السياسية بالمجتمع بشكل يكسب تفاعل السلطة السياسية وتجاوبها مع طروحات التيار. السلطة السياسية تقيم وزناً اليوم لقوى سياسية أخرى وتحسب حساباً لها ولدورها المؤثر في المجتمع. والسلطة غير ملامة في هذه الجزئية أمام عدم قدرة التيار على التأثير الملموس الكفيل باستقطاب الناس.
2. التيار الوطني الديمقراطي يعبر بخطه وطروحاته عن مصالح ومطامح فئات مجتمعية واسعة. وعلى رغم ذلك لم يعد بإمكان هذا التيار تحقيق النجاح المطلوب في جمع فئات المجتمع وحشدها والتفافها حول برنامج وطني ديمقراطي موحد أو حتى شبه موحد. الحاصل أن كل فصيل أو طرف استقل منكفئاً على ذاته ليضع برنامجه السياسي الخاص به ويقتصر في طرحه وتسويقه على أعضائه ومريديه من دون تعدي النطاق النخبوي لهذا النوع من الجمهور. أما النتيجة فكانت إما زيادة في الانكفاء على الذات أو استجداء سند تحالفي لا يضمن تحقق مكتسبات أو مصالح عادلة.
3. يفتقر التيار إلى الحد المفترض من وحدة الفكر والرؤى، وينعكس ذلك على ما تعيشه فصائله وأفراده من ارتجاج فكري أفضى بالبعض - الأفراد خصوصاً - إلى التمسك بالانتماء إلى التيار من المنطلق العاطفي فحسب على حساب الرؤى والقناعات والممارسات الحياتية. وذلك في العموم أوصل التيار إلى مستوى من التخبط وعدم الثبات على هوية فكرية وسياسية محددة، وأفرز حالاً من التوهان تعيشها فصائله وتنعكس واقعياً على ماهية فاعليتها المجتمعية وطبيعة تحالفاتها وتأثيرها في الحدث السياسي الجاري.
4. لم يتمكن التيار الوطني الديمقراطي من تحقيق أي نجاح في العملية الانتخابية الأخيرة لتوصيل ممثليه إلى البرلمان. وهذه غدت شبه ظاهرة لا تقتصر على البحرين فحسب، بل تشمل عدداً من المجتمعات العربية كالكويت ومصر والأردن الخ...
5. يعاني التيار من نقص في كادره البشري المؤهل من الشباب ويعتمد اعتماداً شبه كلي على ما يرسمه قادته التاريخيون. ليس ذلك فحسب بل لايزال يعتمد على تلك الأسماء اللامعة المتعبة وينتظر منها الجهد والعطاء، معتبراً إياها الأيدي الأمينة التي لا يطمئن على مصيره ودوره إلاّ بفعلها ورأيها ووجودها.
لم ينجح التيار في تجديد دمائه بتوفير كادر قيادي كفء من الشباب يجمع بين المقدرتين الفكرية والسياسية لقيادة التيار وتوجيه دفته باقتدار ليكون فاعلاً في مختلف جوانب العملية السياسية الجارية في المجتمع.
6. ظل التيار الوطني الديمقراطي طوال عقود عمله النضالي فقيراً محدود الإمكانات المالية معتمداً بشكل أساسي على التبرعات والاشتراكات الزهيدة التي يقدمها أعضاؤه. وإذا كان التيار فيما انقضى من عقود نضاله يتلقى بعض المساعدات من المعسكر الاشتراكي أو من بعض الدول العربية، فقد اقتصرت تلك المساعدات على بعض التسهيلات في الإقامة أو البعثات الدراسية أو الدورات التدريبية والتأهيلية.
مظاهر أزمة التيار الوطني الديمقراطي لها مسبباتها التي سنحاول الوقوف عليها في حديث آخر?
إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"العدد 1565 - الإثنين 18 ديسمبر 2006م الموافق 27 ذي القعدة 1427هـ