العدد 1565 - الإثنين 18 ديسمبر 2006م الموافق 27 ذي القعدة 1427هـ

معركة شركة دبي العالمية للموانئ تتجدد 2/2

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هذا النجاح يعود بنا مرة أخرى لمواصلة الحديث عن الشركة المالكة والمشغّلة لميناء جبل علي (دبي العالمية للموانئ)، فإن النجاح الذي حققه ميناء جبل هو الذي قدم لها المدخلات الأساسية لنجاحات أضخم وذات مردود أفضل. ومنذ تأسيسها أواخر العام الماضي عقب إدماج العمليات الوطنية والعالمية التي تتكفل بها إدارة الموانئ، سطرت الشركة لنفسها هدفاً بعيداً ولكنه بالغ الوضوح ويتمثل في أن تصبح مشغّل الموانئ الأول في العالم بلا منازع. يعكس هذا الطموح إمكانات بلا حدود ما ورد في تصريحات جمال ماجد بن ثنيّة، الرئيس التنفيذي للموانئ والمناطق الحرة، حين قال «لو نظرت إلى المساحة التي تغطيها نشاطاتنا اليوم، ووفقاً لطاقاتنا وإمكاناتنا فيمكنك أن تصنفنا في المرتبة الثالثة عالمياً؛ إلا أنك لو أخذت في الحسبان مساحة النشاطات التي نغطيها على المستوى العالمي لوجدتنا في المرتبة الأولى. ونحن نعمل وفق استراتيجية محسوبة ومرسومة بعناية فائقــــة؛ وأصبحنــا الآن في الوضع المناسب لمنافسة الاثنين الكبار). والآن وبعد خمس سنوات فحسب، أصبحت موانئ دبي العالمية ثالث أكبر مشغل للموانئ في العالم من خلال الاستحواذ المكثف على الشركات العالمية الأخرى العاملة في هذا الاختصاص بالإضافة إلى مشروعات التعاون المشترك مع الكثير من المؤسسات العالمية بهدف زيادة مساحة الانتشار عبر العالم.

ومن نافلة القول هنا أن القليل منا يعرف ماذا يدل عليه الحرفان «P&O» اللذان يختصران اسم الشركة البريطانية التي اشترتها شركة دبي العالمية للموانئ. إنهما يمثلان الاسم المختزل لواحد من الأسماء الأسطورية في تاريخ المشروع الغربي، وتاريخ الاستعمار في الشرق.

فهما يشيران إلى الشركة المعروفة باسم «بينينسولار آند أورينتال ستيم نافيجيشن كومباني» (Peninsular and Oriental Steam Navigation Company) والتي يمكن ترجمتها كالآتي: «شركة شبه الجزيرة والشرق البخارية الملاحية»، التي قامت خلال القرن التاسع عشر، بتسيير خدمات نقل منتظمة بين بريطانيا ودول البحر الأبيض المتوسط بدءاً من شبه الجزيرة - المقصود هنا ليس شبه الجزيرة العربية وإنما شبه الجزيرة الإيبيرية أي أسبانيا والبرتغال- ومنها إلى مصر والخليج والهند وسنغافورة وما وراءها (الشرق).

ولكي ندرك أهمية الشركة في أذهان من يعرف تاريخها من أهل الغرب وخصوصا البريطانيين، ينبغي أن نعرف أنه لم يكن هناك في ذلك الوقت ما هو أفخم من قيام الأرستقراطيين، والموظفين والضباط العسكريين، ورجال الأعمال البريطانيين وخدمهم بالسفر في سفن بخارية مريحة إلى، ومن، عالم آسيا. (المحظوظ منهم كان يحصل على كابينة تقع في ميسرة السفينة وهو مسافر من بريطانيا إلى آسيا، وتقع في ميمنتها عند عودته إلى الوطن كي يتجنب رمال الصحراء).

كان هذا في القرن التاسع عشر، أما الآن فقد تغير العالم. فالدول الواقعة في منطقة الخليج العربي، التي كانت بريطانيا تتفاوض معها في الماضي من أجل التوقيع على معاهدات حماية وامتيازات، أصبحت الآن دولاً طموحة معتزة بذاتها ولديها وفرة من عائدات النفط.

المهم هو أن الدول التي كانت تمثل أجزاء من الإمبراطورية البريطانية في منطقة «شرق السويس» تقوم الآن بشراء أصول الإمبراطورية المادية والرمزية بأعداد كبيرة.

تطرح قضية الشركة الكثير من التساؤلات حول مصداقية وشفافية النظام الاقتصادي الأميركي ومستوى الحرية التي يتمتع بها بعيدا عن الصراعات السياسية التي تخوضها الولايات المتحدة، وهي الدولة التي تحمل راية معاهدة حرية التبادل التجاري معايير تفعيلها في الجانب الاقتصادي.

لكننا دائما نكتشف أن لدى الولايات المتحدة معيارين تقيس بهما الأمر في منطقة الشرق الأوسط. ويكفي هنا اقتطاع نص من خطاب نائب وزيرة الخارجية روبرت زاليك في منتدى الاقتصاد العالمي في شرم الشيخ في مايو/ أيار الماضي حينما كان يحث البلدان العربية على استمرار التزامها بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية. قال زاليك «إن القرارات والأفعال التي تتخذها شعوب المنطقة يكون لها تأثير على المفاهيم التي ستنشأ عند الغير عن الشرق الأوسط. ففي الوقت الذي استنكر فيه انهيار صفقة تولي مؤسسة دبي العالمية للموانئ إدارة عدد من الموانئ الأميركية قال: إن ذلك يدل على كيفية عدم فهم الشعب الأميركي للكثير مما يراه في المنطقة.»

مرة أخرى لا تجد واشنطن من تلقي اللوم عليه سوى العرب، الذين نجدهم بالمقابل لا يدخرون جهداً لإرضاء واشنطن. والعجلة لا تتوقف عن الدوران?

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1565 - الإثنين 18 ديسمبر 2006م الموافق 27 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً