العدد 156 - السبت 08 فبراير 2003م الموافق 06 ذي الحجة 1423هـ

مؤسسة القمة العربية... وطموحات الشارع العربي

حسين دعسه comments [at] alwasatnews.com

هل وصلت خيارات مؤسسة القمة العربية - جامعة الدول العربية الى مواكبة ما يراه المواطن العربي الذي تقطعت به السبل في الداخل والخارج ولم يعد آمنا. فهو موضع شك واتهام. والمئات من المواطنين العرب الذين تتوزعهم جنسيات أكثر من عشرين بلدا تطاردهم الاتهامات في عواصم العالم وحتى من كانت صديقة ذات يوم. وهم في كثير من الاحيان برسم الاتهام بمجرد انهم يرطنون العربية أو يعكسون ملامح شرق أوسطية أو يشاهدون وهم يدخلون المساجد أو يغادرونها.

أم ان الكتلة البشرية العربية الجالسة بين المحيط والخليج تحس برعب اللحظة وبالخوف من المستقبل الغامض الذي يكتنف اكثر من بقعة من بقاعها لدرجة ان المواطن العادي اصبح يشعر بالخوف وانه برسم الطلب لتهمة بعد ان أصبحت تهمة الارهاب جاهزة للصق على الأفراد والجماعات والأحزاب والمنظمات والجمعيات وحتى الدول والأنظمة.

وحتى القمة العربية التي كانت مهربا وملجأ لمطالبة العربي حين يشعر بعجز «القطريات» عن رد التحديات فيستأنس بالأمة ونظامها. هذه القمة تحولت بالنسبة إلى المواطن العربي كالمستجير من الرمضاء بالنار. فحين تنعقد- ان انعقدت بعد نشاف ريق - لا تستجيب لنداءات المحاصرين والمشردين والمدمرين والمعتدى عليهم والواقعين تحت الاحتلال او برسم الضرب أو من اجل دفع الخطر أو الحرب أو كسر الحصار. وانما تنعقد استحقاقا لمطلب دولي وكأنها تمثل المجتمع الدولي لدى العرب ولا تمثل العرب لدى المجتمع الدولي. يفزع العربي الآن الى القمة العربية ولكنه يخافها فقد لدغ منها في قمة القاهرة العام 1990 حين قبلت التفويض بضرب العراق، وراحت قراراتها تخدم ضربه وحصاره ومعاقبته. امام هذه الصورة التي لم تمح يخشى العربي تكرار الحال نفسها اذا ما انعقدت قمة عربية جديدة رشحت القاهرة مكانا لانعقادها بدلا من البحرين وتكون لمهمة تسويغ ضرب العراق او قبول الضربة او المطالب الاميركية.

فقمة القاهرة التي تنعقد في ربع الساعة الأخير -ان انعقدت - لن تكون قادرة على منع الحرب او درء آثارها .. ولن تكون برسم الدفاع عن العراق لان ذلك يحتاج الى سياق آخر مختلف. وانما ستكون شاهدا على اللحظات الاخيرة وواضعة النظام العربي في خدمة المواءمة والتكيف مع السياسة الاميركية حتى لا يتهم هذا النظام العربي بالوقوف في وجه السياسة الاميركية او معاداتها، وهي التهمة التي يحرص كل قطر عربي ألا تلتصق به.

وطالما ان القمة العربية المقبلة المرشح انعقادها العادي في البحرين - بحسب الحروف الابجدية - لا تقدم ولا تؤخر في القرار الاميركي المبيت لضرب العراق لانها لا تقوم لترجمة رغبة وموقف الشارع العربي الذي يشعر بالحصار والاحباط والتهميش ومصادرة الارادة. فمعنى ذلك انها لن تصيب أية اضافة ايجابية ومن هنا تأتي المخاوف على مستوى الشارع من انعقادها.

لم تعد القمم العربية بكل تراث مؤسستها العريقة قادرة على انقاذ الواقع العربي أو تطويره أو تغييره. وحتى حين تنعقد فإنها تأتي استجابة لمواقف دولية اكثر منها لترجمة المصلحة العربية التي لم يعد تعريفها ممكنا أو دقيقا لاختلاط حابل الخاص القطري بنابل العام العربي. ولذلك فإن المواطن العادي بات يعتقد ان حضورها هو للإشهاد وللمساهمة في وضع القفلة المناسبة والإخراج الذي يبرئ النظام العربي من دم العراق أو للتخلص من الشعور بالاثم ازاء التقصير في انقاذه ويبقى الفراغ في تمثيل الشعوب العربية واحساسها المفجوع بما يدور، وفي خوفها من مستقبلها ومستقبل أجيالها.

ويسأل العربي العادي - بحسب ما تقوله صحيفة «الرأي» الاردنية - كيف يجمد موقع الشارع العربي والنظام العربي عن فعل لانقاذ المنطقة، وانقاذ شعب عربي، وبلد عربي من عدوان محتم في وقت تتدافع فيه دول من العالم تبحث عن مصالحها السريعة والآنية لدى الولايات المتحدة في عقد تحالف معها تمثله الدول الثمان التي يحاول بعضها ان يملأ الفراغ الذي أسسه الموقف الفرنسي- الألماني. ومن اجل دعم الادارة الاميركية ومنع عزلتها على نحو موقف دول رومانيا وبولندا والمجر، مما تريد ان تكرم من الحالة العراقية لصالح قبولها في نادي الاغنياء الأوروبي بموافقة اميركية.

«نعم تتداعى عليكم الامم تداعي الأكلة على قصعتها، قيل أمن قلة يومئذ يا رسول الله؟ قال لا ولكنكم غثاء كغثاء السيل». كيف يمكن ان يحسب العالم وخصوصا الدول المخططة للعدوان وهي اميركا وبريطانيا حساب الرأي العام في تلك البلدان وهو المراهن عليه ولا يحسب حساب الرأي العام العربي المغيب بقرار والمهمش بحيث لا يستطيع ان يفعل شيئا. وكيف يمكن ان يمر ضرب العراق وتدميره ولا يتحرك العرب حركة تمنع ذلك أو تدافع عن شعب وبلد ومقدرات أمة ويكتفون بالصمت المريب او هزّ الرأس الذي لم يعد يقرأ بسهولة ان كان موافقة او رفضا في حين يكون المستهدف شعبا عربيا مثلنا.

كيف يمكن النظر الى هذه الجيوش الممتدة التي تقذف بها الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما عبر بحار العالم ويابسته علينا؟ هل يمكن القول انها جاءت للنزهة ام للمناورة ام للاحتلال والذبح. ألسنا نرى السكين على العنق العراقية مقدمة لسكاكين ستسحب على اعناق عربية كثيرة وعندها لا ينفع الندم؟ وهل يصدق عاقل ان كل هذه الحشود تأتي لنزع أسلحة اثبت التفتيش الدولي انها غير موجودة ولكن الأميركيين وحلفاءهم يقولون (عنزة ولو طارت). أي ضحك على الذقون هذا الذي يجري بحجة إسقاط نظام صدام حسين الذي يجري اتخاذه ذريعة لاحتلال العراق وما حوله لاحقا. أليس ذلك طعما يريدون به صيد الجميع وإقفال هذا الوطن العربي على احتلال جديد وتبعية جديدة. فالمصفقون لإسقاط النظام والداعون إلى ضرب العراق لا يعلمون انهم كحامل صحيفة المتلمس في التراث العربي والتي فيها (ان وصلك حاملها فاقتله) حين يعلمون ان النظام البديل سيكون سوطا اميركيا لترويض كل دول الجوار وإذلالها والتحكم فيها وانه سيكون كما كان قرضاي في أفغانستان يفرض على العرب ويفرشون له السجاد الاحمر ويدفعون له الخاوة ويمثل النموذج المطلوب فيهم.

لا رهان على القمة العربية المقبلة شعبيا. فالقمة التي لم تستطع ان تضع حدا لاعتداءات شارون المستمرة على الشعب الفلسطيني وتوقف ارهابه ومجازره بكل ما تملك من مقدرات الأمة ولن تستطيع ان توقف ذبح العراق من خلال العدوان الأميركي عليه. ولذا فالمكتوب يقرأ من عنوانه. والعنوان لا يفضي في هذه الحال الى بعث ارادة الامة وانما الى مزيد من الاستجابة بحثا عن سلامة لا تجلب الا مزيدا من التبعية والاحتلال. أليس معيبا ألا تجد هذه الامة - اذا جاز التعبير - مكانا لاقامة موقف لها سوى اسطنبول وكأن العواصم العربية قد ضاقت. وكانت النتيجة لوم العراق وليس الادارة الاميركية. ومطالبة العراق بمزيد من المطالب وليس الادارة الاميركية وقد انتهى الامر الى ما يعرف الجميع. في حين لم تصاحب الدعوات إلى العراق بنزع أسلحته أية دعوات لوقف العدوان الاسرائيلي او نزع اسلحته التي تعمل ليل نهار في قتل العرب وتهديدهم وهي قائمة وظاهرة للعيان وليست بحاجة الى تفتيش او اثبات.

في العقيدة الثابتة الآن امام العربي ان ضعف القمة انعقادا وقرارات وتأثيرا ناتج عن انها لا تمثل حال الأمة وتطلع شعوبها وانما الحالة القطرية الخائفة والتي لا تجتمع لمواجهة الاخطار، وانما لتسويغ ما سيحدث وتسديد الفواتير له. أليس ذلك ما يجعل من انعقاد القمة العربية ان انعقدت حالة تزيد الخوف بدل ان تبعده.

الى ذلك فان ما تتوارده الأنباء، أن اجتماعا طارئا سيعقد لمجلس وزراء خارجية الدول العربية في القاهرة منتصف الشهر الجاري، يكرس للبحث في الازمة العراقية من مختلف جوانبها وتحديدا في سبل تبديد شبح الحرب وتغليب الخيار السلمي التفاوضي على الخيار العسكري.

وفي الانباء ايضا، ان القادة العرب اخذوا يتوافقون على تقديم موعد القمة العربية الدورية المقررة في مارس/اذار المقبل، إذ من الممكن ان تعقد في وقت لاحق من الشهر الجاري، وسيطغى الملف العراقي على جدول اعمال «القمة المبكرة» فيما البحث سيتركز على العنوان ذاته: سبل درء الحرب.

والراهن ان هذه الانباء كما تقول تحليلات صحافية نشرت في «الدستور» الاردنية تصب في الاتجاه الصحيح فلا يعقل ان ينشغل وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي بالملف العراقي اكثر من نظرائهم العرب، كما لا يعقل ان تتحرك دول الجوار الاقليمي للأمة سياسيا ودبلوماسيا لدرء الكارثة قبل وقوعها فيما نحن مقيدون بالرزنامة الزمنية لاجتماعاتنا المقررة سابقا، وكأن لا شيء في الافق يدعو إلى تغييرها.

في الازمة العراقية الموضوعة على صفيح التصعيد الساخن جدا، يبدو الوقت كالسيف: إن لم تقطعه سيقطع اوصال الامة ويمزق حقوقها، وفي ضوء المعطيات عن سيناريوهات الحرب واسلحتها وعقابيلها المحتملة يبدو الوقت من دم ولا يجوز بحال ترك الامور تسير على ايقاعات الآخرين.

بيد ان الاجتماعات بحد ذاتها لم تكن يوما هدفا قائما بذاته فهي ضرورية ومطلوبة لتوحيد الرؤى وتنسيق المواقف العربية، وهي مطلوبة وضرورية لصوغ خطط واستراتيجيات للتحرك العربي المشترك، تخرج عن مألوف الخطابات والبيانات التقليدية، لتبلغ ضفاف العمل السياسي والدبلوماسي الجريء والمقتدر.

واذا كان هدف منع الحرب مطلبا عربيا جماعيا حقيقيا فانه يستحق المحاولة الجادة والمخلصة والجريئة التي تخرج عن مألوف الخطاب المجامل والبروتوكولي المعتاد لتعتمد خطابا جديا وجريئا موجها لمختلف الفرقاء من أصدقاء وأشقاء وأعداء ومتربصين فأسلوب تدوير الزوايا الذي لم يكن مجديا في ازمنة السلم والهدوء والرتابة، سيكون مدمرا في زمن احتداد المواقف وتصاعد حدة الازمات. نعم، التنسيق العربي مطلوب وضروري، ولكنه التنسيق الممتلك لاقدام يسير عليها، واذرع تمكنه من قطف ثمار الحراك والتحرك، لا التنسيق الذي اعتدنا ان نشهده في غالب الاحيان، لحظي وانفعالي، يتبدد مفعوله قبل ان تطأ اقدام الزعماء العرب اراضي دولهم عائدين من العاصمة المضيفة لقمتهم.

اننا نرى ان القمة مطلوبة، والموضوع العراقي في صلب ما يجب ان يتصدر أجندتها بيد ان فلسطين ايضا تواجه ومازالت تواجه ما تواجه من صلف العدوان وهمجيته، ومستقبلها بات رهنا بخيارات التطرف والغلو وهستيريا العنصرية التي تجتاح الدولة العبرية ولا يجوز بحال من الاحوال ان تترك ملفاتها الدامية، نهبا للتأجيل أو التسويف، أو موضوعا لوعود وتعهدات تقطع اليوم، لتذروها الرياح غدا

العدد 156 - السبت 08 فبراير 2003م الموافق 06 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً