العدد 1555 - الجمعة 08 ديسمبر 2006م الموافق 17 ذي القعدة 1427هـ

داعية السوق الحرة ميلتون فريدمان... استرح بسلام

مصباح الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع مصباح الحرية

توفي ميلتون فريدمان عن عمر يناهز الـ 94 عاماً، الذي يعتبر ربما أعظم علماء الاقتصاد في القرن العشرين. وعلى امتداد عمره الطويل حظي برؤية العالم يتجه نحو أفكاره. ولد فريدمان في نيويورك العام 1912، في نهاية فترة طويلة من السلام والرخاء. فقد شهد النصف الأول من حياته سلسلة من التراجعات الكارثية بالنسبة لتلك الأفكار: الحرب العالمية الأولى، الانقلاب البلشفي في روسيا، قيام الفاشية والاشتراكية الوطنية، اندلاع الحرب العالمية الثانية، والسيطرة الشيوعية على نصف العالم. ولكن لحسن الحظ كان والدا فريدمان قد هاجرا من أوروبا الشرقية، وبالتالي تجنبا الأحوال الكارثية التي حلت هناك. بيد أن فريدمان ظل يواجه التحدي في وطنه الجديد أيضاً. فقد بدأ تطبيق ضريبة الدخل الفيدرالية في العام 1913. وأدخلت الحرب العالمية الأولى التخطيط الحكومي على نطاق لم يسبق له مثيل. ثم جاء منع المشروبات الروحية، و«الصفقة الجديدة»، واقتصادات العالِم كينز، والاعتقاد الذي أصبح سائداً بأن الحكومة الفيدرالية تستطيع حل أية مشكلة. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، ومع عقلية الحكومة الكبيرة سائدة بلا تحدٍ أو منازع في الولايات المتحدة، بدأ ميلتون فريدمان كتاباته. كتب أولاً عن القضايا الاقتصادية من النواحي التقنية، بحيث وضع الأسس لتحول لاحق في سياسة الولايات المتحدة النقدية. ومن ثم في العام 1962، وفي خضم الحماس لطرح جون إف. كينيدي عن «الحدود الجديدة»، نشر كتابه بعنوان «الرأسمالية والحرية»، الذي اقترح بموجبه إعطاء قسائم مدرسية من أجل جلب منافع المنافسة إلى التعليم، وفرض ضريبة محددة بحيث تصبح ضريبة الدخل أقل عبئاً، ثم تعويم نسب تبادل العملات من أجل تحسين الأوضاع المالية الدولية. وعلى امتداد الـ 40 سنة اللاحقة، بقي فريدمان أحد أهم دعاة الحرية الشخصية في أميركا. كان يكتب عموداً في مجلة «نيوزويك»، كما كان يلقي محاضرات في مختلف أنحاء العالم، وكان يظهر على التلفاز، ويدعو بشكل دائم إلى مزايا السوق الحرة والمجتمعات الحرة. وقد تم ضمه كمستشار للرؤساء والمرشحين من الحزب الجمهوري، بيد أنه كان يرفض تلقيبه بـ «المحافظ» مصراً على أنه ليبرالي، مثل ليبرالية ثوماس جيفرسون وجون ستيوارت ميل، أو ليبرتاري في التعبير المعاصر. وكانت آراء ونصائح فريدمان تُطلب من مختلف أرجاء العالم. وأكثر تلك النصائح كان في عقد السبعينات، عندما قدم نصيحته إلى حكومة تشيلي العسكرية (والتي لقي مقابلها سنوات من الإدانة) وحكومة الصين الشيوعية (ولا يبدو أن أحداً اعترض على ذلك). ولحسن الحظ فإن الحكومتين أخذتا بنصائحه، وكلتاهما حققتا ما سمي بـ»المعجزة الاقتصادية». فتشيلي الآن تتمتع بأنجح اقتصاد في أميركا اللاتينية، كما أن مسيرة الصين على الطريق الرأس مالي قد جعلها أكثر رخاءً مما كان يتخيله أي إنسان في العام 1976، وهي السنة التي توفي فيها ماوتسي تونغ، والسنة التي نال فيها فريدمان جائزة نوبل.

وفي العام 1980 وسّع فريدمان من جمهور مستمعيه بنشره لكتاب بعنوان «أنت حر الاختيار»، كما صاحب ذلك سلسلة من الحلقات التلفزيونية أُلقيت من تلفزيون الـ (بي. بي. إس). ملايين الناس شاهدوا ذلك البرنامج وأصبحوا يتفهمون كيف يعمل نظام السوق. وقد قال أحد مشاهدي البرنامج وكان ممثلاً صغير السن أصبح فيما بعد حاكماً لولاية كاليفورنيا اسمه آرنولد شوارزنغر في العام 1994: «في النمسا لاحظت بأن الناس يقلقون هناك حول متى سيحصلون على تقاعدهم. في أميركا فإن الناس يقلقون إذا كانوا سوف يحققون قدراتهم. أما كتب فريدمان فقد أوضحت لي كيف أن نظاماً رأس مالياً ديناميكياً يتيح للناس تحقيق أحلامهم». ظهر ذلك البرنامج بعد أن أصبحت مارغريت ثاتشر رئيسة وزراء بريطانيا، وقُبيل انتخاب رونالد ريغان رئيساً للولايات المتحدة. وكلاهما (ثاتشر وريغان) مثّلا ثورة كان ميلتون فريدمان ساعد في خلقها، وقد تجسّدت في الابتعاد عن التخطيط المركزي ودولة الرفاه باتجاه تقدير متجدد للمبادرة والأسواق الحرة والحكومة المحدودة. ليس فقط في إنجلترا والولايات المتحدة، فقد أثر نجاح السوق الحر في تشيلي على بلدان أميركا اللاتينية الأخرى وحفزها على الابتعاد عن تقاليدها القديمة في التدخل في الشئون الاقتصادية. وبعد عقد من انتخاب ريغان انهارت الإمبراطورية السوفياتية، وتبين أن الكثير من قادة شرق وأواسط أوروبا الجدد كانوا من قرّاء ميلتون فريدمان! لقد أصبحت إستونيا بسرعة قصة نجاح في عهد ما بعد الاتحاد السوفياتي. وعندما زار رئيس وزرائها الشاب مارت لار واشنطن، سُئل من أين جاءت له فكرة الإصلاحات المبنية على نظام السوق، فكان جوابه: «لقد قرأنا ميلتون فريدمان وإف. إيه. هايك». وقد وصف مُصلِح اقتصادي ناجح آخر هو رئيس وزراء التشيك فاسلاف كلاوس، بأنه «فريدماني مع مستشارين من أتباع هايك». لقد كافح فريدمان ضد الإكراه في جميع أشكاله. وكان الأب الفكري لإنشاء جيش جميعه من المتطوعين، حين أقنع عضو كونغرس صغير السن آنذاك، دونالد رامسفيلد، بأن يصبح قائداً في الجهود الرامية إلى إنهاء التجنيد الإجباري. وقد كان خصماً عنيداً وصريحاً في الحرب ضد المخدرات والتي قال إنها اعتداء على حقوق الفرد، كما أنها تساعد على ارتكاب الجرائم والفساد. وقد أعلن فريدمان في إحدى المناسبات قائلاً «إن العنصر الجوهري في دعوتي العامة كانت تنمية الحرية الإنسانية». اليوم، لن نعود نستمع إلى صوته. ولكن في خضم برامج الخيارات المدرسية المتنامية في أوهايو وأريزونا وما بعدهما، وانتشار الليبرالية الاقتصادية على امتداد العالم، فإن من الصعب أن لا تُرى أعماله.

* مؤلف كتاب «الليبرتارية: تمهيد»، والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية

إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"

العدد 1555 - الجمعة 08 ديسمبر 2006م الموافق 17 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً