العدد 1552 - الثلثاء 05 ديسمبر 2006م الموافق 14 ذي القعدة 1427هـ

بوش عندما يلجأ إلى قوى الشر!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

بالأمس القريب كان الرئيس الأميركي بوش في العاصمة الأردنية (عمّان) وقد جاء ليتلقي رئيس الوزراء العراقي المالكي ليبحث معه الشأن العراقي، كما يقول. اللافت للنظر أن هذه المقابلة كانت في عمّان وحقها أن تكون في بغداد، ولكن يظهر أن السيد الرئيس لم يكن آمناً على حياته في بلد الديمقراطية فآثر أن يجعل هذه المقابلة في بلد آخر أكثر آمناً. الرئيس تحدث عن التقدم الذي تحقق في العراق وعن الديمقراطية التي ليس لها مثيل في الشرق الأوسط والتي أراد لها أن تكون قدوة لبقية دول المنطقة، وعن النجاحات التي حققها المالكي وحكومته المنتخبة ديمقراطياً.

كلام الرئيس يذكرني بكلام عدد من الساسة العرب الذين يكذبون على شعوبهم كثيراً وكأن هذه الشعوب لا تفهم ولا تعقل... كنت في زمن مضى أعتقد أن هذه الخاصية لا توجد إلا عند ساستنا حتى بدأت استمع إلى بوش فأدركت أنه أصبح أسوأ منهم بكثير..

سياسة الرئيس في العراق أوصلت هذا البلد إلى حال من الفوضى والتمزق المذهبي يصعب كثيراً إصلاحها في وقت قصير مهما بذل في سبيل ذلك من إصلاحات. القتلى في العراق اقتربوا من المليون ومثلهم الذين هجروا من أماكنهم قسراً وفي كل يوم نسمع عن عشرات القتلى وعن الجثث مجهولة الهوية التي قتل أصحابها بعد أن عذبوا بصورة مرعبة. ومع هذا كله لايزال هناك من يتحدث عن التقدم الحضاري الذي تحقق في العراق.

وزير الدفاع رامسفيلد الذي ارتكب كثيراً من الجرائم في العراق والذي كان من اكبر المدافعين عن سياسة رئيسه في العراق كتب وثيقة قبل استقالته بأيام حصلت عليها صحيفة «نيويورك تايمز» وأكدتها «البنتاغون» تضمنت اعترافاً منه بأن القوات الأميركية في العراق لا تسير بشكل جيد. وقد أوصت هذه الوثيقة بجملة أشياء لإصلاح الوضع في العراق.

هذا الاعتراف جاء متأخراً وبعد موت آلاف الجنود الأميركان وموت مئات الآلاف من العراقيين. ولست ادري كيف سيتعامل بوش مع هذه الوثيقة التي تعترف بفشل حكومته في إدارة العراق؟ الشيء المثير في المسألة العراقية أن بوش طلب من دول كان يصنفها بأنها ضمن محور الشر أن تتدخل لفعل شيء في العراق يهدئ الوضع المتوتر هناك. على إيران وسورية أن تفعلا شيئاً من أجل العراق، هكذا يريد بوش من هذه الدول الشريرة، أما ما هو هذا الشيء فلم يتحدث عنه ولعله لا يعرفه، بل لعله يريد أي شيء ينقذه من ورطته التي أطاحت بحزبه الجمهوري بل وأطاحت بمكانته بين مواطنيه. لست اشك أن وضعه السيئ في العراق كان وراء لجوئه إلى دول طالما هددها وقاطعها، ولكنه اليوم لم يجد بُداً من الحديث معها والتوسل لها أن تفعل شيئاً من أجله حتى وإن كان هو لا يعرف ما هو هذا الشيء.

ومثلما تحدث الرئيس قبل سنوات عن دول محور الشر ثم عاد يبحث عنها لكي تنجده، نجده يتحدث قبل سنوات عن إرهابيين - بحسب وصفه - ثم ها هو الآن يستقبلهم في قصره الأبيض متحدثاً معهم عن مصير العراق ومصير قواته هناك! أليس من العجيب أن يفعل هذا كله ولا يشعر بالخزي والعار مما يصنع؟ بل أليس من العيب أن يتحدث عن جهوده في تحقيق الديمقراطية في العراق؟ كنت أتمنى أن يقرأ الرئيس بعض ما يكتبه مواطنوه عن الوضع العراقي أو ما يكتبه بعض حلفائه البريطانيين ليدرك حجم الكارثة في العراق الديمقراطي! ليته يقرأ ما كتبته الصحافية البريطانية ديبورا دافييس تحت عنوان: «فرق الموت العراقية» الذي تحدثت فيه عن قيام هذه الفرق بجرائم يندى لها الجبين وبصورة بشعة. وقد جاء في المقال في معرض حديثها عن تلك الجرائم: «كل هذا يحدث تحت أعين القادة العسكريين الاميركان الذين فيما يبدو غير راغبين أو غير قادرين على التدخل. هذه هي الحقائق البارزة لنتائج تحقيق خاص تم تصويره لصالح القناة الرابعة الوثائقية البريطانية. فرق الموت تكشف بوضوح كيف أن احد كبار الوزراء في الحكومة العراقية الجديدة يترأس حملة للتعذيب وجدع الأنوف وبتر الأطراف قبل إعدام أعدائه. لقد فجر هذا الملف الوثائقي خرافة أن السلام والديمقراطية الليبرالية تزدهر في العراق الحر الجديد».

قوى الشر هي الأمل الذي يراه الرئيس أمامه الآن، واعترافات كبار وزرائه الذين أجرموا في حق العراق جاءت متأخرة مثل إدراكه فشله الذريع الذي جاء هو الآخر متأخراً بعد أن اهلك العراق ومزقه وبعث فيه فتنة طائفية لا تبقي ولا تذر. المشكلة في رأيي ليست في بوش فهو عدو لنا أعلن عداءه منذ أول يوم حينما قال إنه يخوض حرباً صليبية، لكن المشكلة في الحكام العرب الذين كانوا شهودا على سقوط أفغانستان والعراق، كما هم شهود أيضاً على الجرائم الصهيو أميركية في فلسطين ولبنان والصومال ودارفور وهم سكوت لا يحركون ساكناً وكأنهم بانتظار السكين التي ستصل إلى أعناقهم إن لم يقفوا بقوة أمام الغطرسة الأميركية والهيمنة الصهيونية وهم قادرون على ذلك إن عملوا بإخلاص واتحاد. فهل يفعلون؟

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1552 - الثلثاء 05 ديسمبر 2006م الموافق 14 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً