عندما تطبع دمشق المتهمة بدعم «الإرهاب» في العراق وزعزعة الاستقرار في لبنان، علاقاتها مع بغداد «القاعدة» التي كان يفترض أن ينطلق منها مشروع «الشرق الأوسط الكبير»! في ظل تزايد «التوسلات» العراقية لإيران لان تساعدها في إعادة الأمن والاستقرار الغائبين عن بغداد، في الوقت نفسه الذي يقرر فيه الرئيس الأميركي أن يعالج «تعثره» الفاضح في العراق - إن لم نقل هزيمته - عبر بوابة الأردن المتواضعة جداً في قدراتها الإقليمية، يستطيع المراقب أن يستنتج بسهولة أن واشنطن خسرت الرهان على «الحصان» العراقي الحليف! والذي كان يفترض انه أوكل بمهمة «نشر الديمقراطية» والمساعدة في بلورة «شرق أوسط جديد»!
أكثر من ذلك فإن مجموعة الوقائع الانفة الذكر إذا ما وضعت في إطار «كشف الغطاء» عن التقرير المرتقب للجنة بيكر - هاملتون بشأن العراق، والذي يدعو صراحة إلى إشراك كل من سورية وإيران في التعديل الاستراتيجي المتوقع للأميركيين العالقين بـ «فخ» العراق،فإنك كمراقب محايد لكن فطن تستطيع الاستنتاج بقرب خسارة بوش لرهانه على حلفائه المفترضين في لبنات أيضاً!
بالمقابل فإن طهران مخطئة تماماً إذا ما بقيت على موقفها «التقليدي» المتبع تجاه بغداد منذ دخول قوات الاحتلال الأميركي للعراق داعمة قوى بعينها على حساب أخرى منتظرة استنزاف المحتل ظناً منها ان ذلك يكفيها «شر» دفع بلاء ولادة قيصرية لشرق أوسط جديد!
فالمعادلة في العراق قد تتغير في أية لحظة لغير صالح حلفاء إيران التقليديين في بغداد ولغير صالح استقرار حدودها الطويلة مع العراق إذا ما حانت فعلاً لحظة «الهروب» الأميركي الكبير من العراق!
كذلك يخطئ السوريون إذا ما ظنوا للحظة أن دخولهم «الفاتح» للعراق يمكن أن يوظف بسهولة في مسار إعادة تموضع جديد على الساحة اللبنانية حتى لو انقلبت موازين القوى في المعادلة اللبنانية الداخلية لغير صالح حلفاء واشنطن في بيروت!
ومهما حاولت ان تفعل لإسقاط تلك السياسات فإن دمشق بدورها حتى في تحالفها الاستراتيجي مع طهران لا تستطيع لوحدها أن تتحكم بتفاصيل العملية السياسية للبنان!
فلبنان كان ولايزال «المرآة العاكسة» لمعادلة موازين القوى العربية والإقليمية المحيطة به مجتمعة وفضلاً عن كونه «العامل المساعد» في تحسين قواعد التضامن العربي والإسلامي! وبالتالي لن يستطيع أحد الجنوح به بعيداً عن دوره المتوازن المعهود!
وعليه يمكن القول إن قطار أميركا المتغير بالعراق ولبنان وقبل ذلك وبعده في فلسطين بنبغي ان يكون الباعث القوي لبروز أو بلورة معادلة تضامن عربية إسلامية إذا ما قررت كل من طهران ودمشق أن تلتقطا الفرصة الذهبية الراهنةّ!
فلبنان قد يتطلب فعلاً «عملية جراحية» لابد منها وكذلك العراق وفلسطين المحتلة، في ظل إمعان القوى المحلية المستقوية بالأساطيل الأجنبية في تلك البلدان في تجاهل طبيعة مجتمعات بلدانها المناهضة للهيمنة والتبعية والاستعباد، لكن ذلك يجب أن لا يدفع البعض إلى الجنوح بعيداً في معالجة هذه الملفات الخطيرة والمتفجرة والمليئة بفتائل التفجير الطائفية والعرقية والمذهبية، كأن يعتبر اللحظة التاريخية هي الفرصة المؤاتية لإشعال كل التناقضات مرة واحدة وإحراق المراحل ومعالجة كل الملفات العالقة مرة واحدة والى الأبد!
إنها ليست اللحظة للثورة والعاطفة والإحساس فقط، بل هي أيضاً وأيضاً لحظة إعمال العقل والحكمة والتدبير للتجميع قدر ما هو مستطاع وقطع دابر الفتن قدر ما هو مستطاع وتحييد من يمكن تحييده قدرما هو مستطاع لغرض حشد أكبر اجتماع وطني وقومي وإسلامي وحضاري ضد أحادية المحتل الإمبراطوري المتراجع لكنه المستقر والمتحضر للانتقام وربما المقامرة كالذئب الجريح.
إن بغداد ليست «نهاية التاريخ» وبيروت ليست نهاية الجغرافيا، وأن فلسطين لاتزال هي القلب من كل ما يجري من حولها ومن حولنا على رغم كل الخداع والحيلة وتزييف الحقائق وحرف الأنظار المتعمد عنها بواسطة إشعال التناقضات الثانوية العديدة!
انها اللحظة التاريخية لأصحاب القامات المرتفعة الذين سيذكرهم التاريخ بأنهم أوقفوا خطر الحرب الأهلية والمذهبية في العراق وحافظوا على وحدته ولم يتركوه لحماً طرياً تنهشه ذئاب الميليشيات الطائفية الحاقدة والتكفيريون تحت أية ذريعة كانت! ذلك لأن الله لا يرضى بهذه الأعمال والمستعمر المحتل والمتحفز للانقضاض على مقدرات بلادنا هو المستفيد الوحيد أن لم يكن المحرك الأساسي وإن كان من وراء ستار! وأما لبنان وفلسطين فهما على موعد مع التغيير الايجابي والسلمي والحضاري الذي بات ضرورة في وجه أساليب الخداع والحيلة و»حروب الأفكار» والكلام المعسول الذي يقطر سموماً من أركان من نذر نفسه للأجنبي!
فالعنف «الداخلي» في بغداد يجب أن يتوقف بأي ثمن كان حتى لو جاء أو حصل على حساب «حصة» طهران العراقية! ذلك لأنه صار عنفاً قاتلاً للعمق الاستراتيجي في المشروع الإيراني ولم يعد مقبولاً السكوت عليه لأجل أية مصلحة تكتيكية مهما كان حجمها أو طابعها ولا حتى تبريره بحجة انه إفراز من إفرازات الاحتلال فحسب!
وأما حكاية «المحور السوري اللبناني» الداعم لحزب الله وحماس فإنه مطالب بإلحاح أن يستدعي المحور المصري - السعودي التقليدي الداعم للبنان أن لم يكن إلى خانة التضامن مع قضيتي إيران وسورية فالى خانة «الحياد» الايجابي لصالح العاصمتين العربية والإسلامية حتى يتم إنقاذ لبنان من مخاطر المجهول أو أية سيناريوهات تقسيمية او تفتيتية تعد له أو تطبخ في عواصم الائتلاف الغربي
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1550 - الأحد 03 ديسمبر 2006م الموافق 12 ذي القعدة 1427هـ