العدد 1550 - الأحد 03 ديسمبر 2006م الموافق 12 ذي القعدة 1427هـ

المبادرات التوفيقية بديلاً عن المجهول

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

سأبدأ مقالي بحديث مختصر عن لبنان. حديث بعيد عن السياسية ودهاليزها وبعيد عن الاصطفاف وتأثيره على الكاتب وعلى مقاله، حديث لكاتب كان يلحظ في الأيام السابقة حراكاً ايجابياً يعمل على تبديد الاحتقان السياسي في تلك الدولة الصغيرة، محاولاً مغالبة التحديات والانتصار عليها. ففي ذلك البلد تتزاحم القوى، وفيه يتباين الطرح، وتختلف التصورات لما يجب أن تكون عليه حكومة لبنان داخلياً وإقليمياً ودولياً، وعلى وقع هذا التباين، تتمسك القوى بمواقفها، ويحتقن الشارع بكل أطيافه وأطرافه في لحظات خطرة لم يشهد لبنان لها مثيلاً من قبل. مع كل ذلك لاتزال هناك مبادرات تحاول التوفيق والوصول إلى حلول مقبولة، ومازالت مقار القادة خلايا نحل يصلها الساعون بمبادراتهم سواء قبلت أم رفضت، لازالت إرادة الحل الأهلي والسلمي التوافقي تعمل بقوة وعنفوان فائقين ورائعين. لقد تحرك السفير السعودي عبدالعزيز الخوجة ببعض مرئياته لحل الأزمة، وسعى وراء لقاءات عدة وتحرك رؤساء مجلس الوزراء الخمسة السابقين بمبادرة لنزع فتيل التوتر، وبادر زعيم الكتائب أمين الجميل ببعض الحلول والتصورات التي قال إنها مبادرة شخصية له، ثم عاد رئيس الوزراء السابق رشيد كرامي ليدلي بدلوه في اللحظات الأخيرة والحاسمة في مسعى منه لمنع الشارع من أخذ زمام الحراك والمبادرة، وسبق الجميع رئيس مجلس النواب نبيه برى، بدعوته لطاولة الحوار. أكتب عن حراك المبادرات هذا وأنا على ثقة أن أمثال هذه المبادرات في تجدد وتسابق على رغم ما آلت إليه الأمور، متمنياً للبنان ولشعبه الخير والصلاح، وأبدأ الحديث عن بعض الاحتقانات والتشنجات التي ساءتنا أخبارها طوال الأسبوع الماضي، فقد شهدت ندوة «أزمة الثقافة العربية» التي نظمت مساء السادس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ضمن فعاليات أسبوع اليمامة الثقافي، في قاعة المحاضرات الكبرى بالرياض، مواجهات وصراعاً حوارياً مثيراً، وقرأ الحضور بوادر هذه المواجهات منذ وقت باكر.

وأشارت صحيفة «الحياة» في عدد السابع والعشرين من نوفمبر أن الكاتب عبد الله الغذامي تحدث في ورقته «حول أزمة العقل العربي»، وقال إن الأزمة أثيرت قبل سنوات عدة في الجنادرية. وتطرق الغذامي إلى أن الغرب لا يعيش أزمة ثقافة ولا أزمة عقل، «في حين أننا نعيش العكس». وذكر أن أصل الثقافة العربية التعدد، «إذ لم تكن تعيش أزمة في أوقاتها الباكرة». وأشار إلى أن التعدد ينتهي بثقافتنا إلى صيغة مفردات، لأن النسق - بحسب الغذامي - يحارب الثقافة، «لأن الثقافة متعددة والسلوك مفرد».

وأثناء تفصيل الغذامي ورقته قاطعه الحضور أكثر من مرّة، عندما ضرب أمثلة من البيت العراقي، الذي تتكون أسرته من تعددية دينية ومذهبية وطائفية. ودافع الغذامي عن نفسه بأن المقاطعة عيب في الدين وفي المروءة، الأمر الذي جعل الجمهور يصفّق له، ما حوّل الحدث إلى جلبة وضوضاء، دفعت صاحب «النقد الثقافي» إلى الإعلان عن فرحته بهذا التصفيق، وهو ما عابه عليه بعض الحضور من المتشدّدين في ختام الجلسة. وعقب الجلسة حصلت مشادات كلامية بين الغذامي وبعض الشباب المتشددين، انتهت إلى محاصرتهم إياه أمام بوابة المركز الإعلامي.

وفي حدث آخر كتبت صحيفة «الحياة» في الثامن والعشرين من نوفمبر «أوقف متشددون عرض مسرحية (وسطي بلا وسطية)، التي كان مقرراً لها أن تُعرض ضمن فعاليات مساء أمس في كلية اليمامة. فما أن علت المؤثرات الموسيقية معلنة بدء المسرحية، حتى اقتحم متشددون كواليس مسرح كلية اليمامة، وأوقفوا العرض بالقوة، الأمر الذي أدى إلى تدخل رجال الأمن، وحدوث اشتباكات. وتطور الوضع إلى تبادل الضرب بالكراسي والعصي، عندما رفض المتشددون الخروج من المسرح، بعد أن ألغت الجهة المنظمة عرض المسرحية. واضطر رجال الأمن إلى إطلاق أعيرة نارية في الهواء، لفض الاشتباك بين المتشددين والجمهور المتحمس للمسرحية. ولم يكتف المتشددون بإثارة الشغب، بل واصلوا اعتداءاتهم على المنظّمين، وشمل الاعتداء صحافيين ومصورين حاولوا التقاط صور لما يحدث».

يمكننا أن نمر على ما حدث مرور الكرام، ويمكننا تبسيطه وتسريحه من عقول الناس، كما يمكن أن ننحاز إلى هذا أو ذاك من الأطراف، ويمكننا كذلك أن نشنج الوضع برمته، لكن ما يجب علينا فعله بمسئولية وإخلاص هو حماية بلادنا من التمزق الاجتماعي الداخلي بين أطيافها وتياراتها ومدارسها المتعددة، لتنصهر في هم واحد وبؤرة واحدة هي الوطن وحب المواطن. إن بعض الحلول التي عرضت في صحفنا المحلية، في الأسبوع الماضي، من شأنها أن تأخذ البلد إلى المجهول، حيث مزيد من الاحتقانات والتشنجات والمصادمات البينية، وهنا ينعدم الأمن الفكري والثقافي، وما يتبع ذلك من تطرف في مختلف الشئون، وتتحوّل البرامج الثقافية إلى حلبات مصارعة لا تليق بسمعة بلادنا الحبيبة.

أعتذر هنا من الأخ الأستاذ عبدالله ناصر لاختلافي معه على ما نشره في صحيفة «الحياة» 29نوفمبر الماضي تحت عنوان «هز الرؤوس بديلاً عن التصفيق»، والذي انتهى فيه بقوله: «كل ما يجب علينا فعله بدءاً من اليوم هو مقارعة الحجة بالحجة، وسل الرأي في مقابل الرأي، والحضور بأعداد كبيرة إلى منتدياتهم، وتنبيههم إلى أخطائهم في الفهم وأخطائهم الاجتماعية وإعلامهم بطريقة لا تجرح مشاعرهم بأنهم ليسوا شعب الله المختار، وإن فهم الدين الإسلامي العظيم ليس حكراً على فئة معينة ومذهب وحيد. ويجب أن نتأدب في طريقة حوارنا معهم، فلعلهم إن رأوا الفرق الكبير بين طرقنا الحضارية في فن الحوار وبين طرقهم الهمجية والإقصائية، لعلهم إن رأوا ذلك تلين قلوبهم ويصبحون أكثر استعداداً للعودة إلى طريق الصواب. يجب أن نجهر بأصواتنا لنتبيّن حقيقة عددنا، وبالتالي نقود المجتمع إلى الحالة الوسطى التي لا إفراط فيها ولا تفريط». نحن بحاجة إلى التشبث بالوحدة والألفة الداخلية، وعلينا أن لا ننطلق وكأن كل الحلول والوسائل قد استنفذت، إننا بحاجة إلى مبادرات جادة من العقلاء والحكماء والحريصين على مصالح الناس لنصلح ما وصلنا إليه من نتائج هي أبعد ما تكون عن روح المحبة والتسامح والألفة، وفي اعتقادي أن هذه المبادرات الصادقة هي الطريق الأمثل الذي يؤسس لتفاهم وعيش كريم بين ألوان المجتمع المختلفة

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1550 - الأحد 03 ديسمبر 2006م الموافق 12 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً