واضح أن المجتمع يعاني نقصاً في الوعي بأهمية الدور المجتمعي للمرأة وبمشاركتها السياسية بشكل خاص. وواضح أيضاً أن الجهود التوعوية المبذولة في هذا المجال قليلة ولا تغطي الحاجة المجتمعية للحجم المطلوب منها.
المجلس الأعلى للمرأة قام بدور كبير في التأسيس الرسمي للتمكين السياسي للمرأة من خلال برامج تمكين العازمات من النساء على الترشح بتنظيم دورات تدريبية وورش عمل متخصصة ومحاضرات وغيرها. هذا إلى جانب الدعم المالي والمعنوي للمترشحات، وكذلك جهود المجلس إبان الحملات الانتخابية في مجال التوعية الإعلامية من خلال برامج التلفزيون والإذاعة. ونحن إذ نقدر جهود المجلس الأعلى للمرأة في هذا المجال، نتطلع أن تتواصل وتنتظم تلك الجهود في برامج مستمرة تتطلبها حاجة المجتمع الكبيرة للتوعية المستدامة في مجال تمكين المرأة. أما جهود مؤسسات المجتمع المدني فلا بد من الاعتراف أنها جهود متواضعة لا تتلاءم لا مع حجم الحاجة المجتمعية ولا مع حجم وعدد تلك المؤسسات، وهي معنية جميعاً بالنهوض بالمرأة وتمكينها. خلال فترة الحملات الانتخابية وما رافقها من حراك سياسي عام وحيوية مجتمعية شملت جميع فئات المواطنين، ندرت أو غابت جهود المؤسسات الأهلية في مجال التمكين السياسي للمرأة. غابت معظم الجمعيات النسائية والسياسية والمهنية والنقابات وغيرها من المؤسسات الأهلية على أنواعها. غاب بشكل أساسي دور الجمعيات النسائية عدا بعض البرامج هنا وهناك، وحتى هذه البرامج طالت المعوقات الرسمية أجزاءً منها فأُجهضت قبل أن تبدأ.
أما أسباب تواضع الجهود المبذولة من المؤسسات الأهلية خلال فترة الحراك الانتخابي فمتعددة، وتأتي على رأسها قلة بل ندرة الطاقم البشري المتطوع لبذل جهود التوعية. الجمعيات الأهلية على أنواعها تعاني وضعاً مزرياً في جهة العدد المتوافر للتصدي لمهام التوعية. كما أن ناشطي هذه المؤسسات تنوء أكتافهم بحمل شتى المسئوليات التي يتطلبها العمل في مؤسساتهم. هناك نقص فادح في عدد المستعدين للقيام بعمليات التوعية، وهو أمر تعانيه كل المؤسسات الأهلية بما فيها الجمعيات النسائية. أضف إلى ذلك أن الطاقم البشري النشط في المؤسسات الأهلية تحول في فترة الانتخابات إلى عضوية الحملات الانتخابية لمرشحي القوى والجمعيات السياسية وكذلك للمستقلين من المترشحين والمترشحات. وكان ذلك سبباً إضافياً لتراجع برامج التوعية في مجال التمكين السياسي للمرأة خلال فترة الحملات الانتخابية. وهناك أسباب أخرى أسهمت في إعاقة جهود تنظيم حملات التوعية وأضافت عبئاًَ آخر على عبء الإمكانات البشرية المتواضعة. والأسباب هي القيود الرسمية المستوحاة مما ينص عليه قانون الجمعيات الأهلية الذي لا يجيز للجمعيات العاملة تحت مظلته ممارسة أي نشاط سياسي. إن ما ينص عليه القانون بات متخلفاً لا يتناسب مع ما بلغه التطور السياسي في البحرين. لقد ظل سيف القانون مسلطاً على رقاب الجمعيات الأهلية حتى في حدث سياسي مهم هو حدث الانتخابات البلدية والنيابية فأربك بشكل مباشر نشاط التوعية. وعلى رغم أن المؤسسات الرسمية المعنية (وزارة التنمية الاجتماعية والمؤسسة العامة للشباب والرياضة) تعرف أن الجمعيات الأهلية لا تمارس عملاً سياسياً ولا تدعم أياً من المترشحين، وأن نشاطها يقتصر على التوعية في مجال تمكين المرأة، إلاّ أن الأوامر صدرت بالمنع.
أروي في هذا الصدد تجربة عايشتُ ظروفها بجمعية أوال النسائية التي بادرت قبل وقتٍ كافٍ من الانتخابات بوضع خطة لتنفيذ حملة توعية مجتمعية بشأن التمكين السياسي للمرأة في نطاق محافظة المحرق. وارتأت الجمعية أن تنفذ برنامجها في أماكن التجمعات النسائية والرجالية بالمحافظة كالمجالس والمراكز الاجتماعية والنوادي ومقار المترشحات وغيرها. وقد عمل فريق من أعضاء الجمعية على إعداد كتيب توعوي استرشادي بشأن مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية والنيابية. ثم نُظمت حلقة حوارية لأعضاء الجمعية عن محتوى الكتيب وأساليب التوعية. وبعد أن تم اختيار فريق التوعية باشرت الجمعية مخاطبة الجهات المزمع تنفيذ البرنامج معها، كما قامت بتوزيع نسخ من الكتيب على الكثير من المؤسسات الرسمية والأهلية. وقد حصلت الجمعية -بداية - على موافقة المراكز الاجتماعية والنوادي والكثير من المجالس النسائية. لكنها فوجئت بعد حين باعتذار كل من المراكز الاجتماعية والنوادي عن تنفيذ البرنامج في مقارها حيث جاءها أمر من الجهات الرسمية بعدم الموافقة، وذلك على رغم أن المراكز الاجتماعية قد خاطبت وزارة التنمية الاجتماعية وحصلت مسبقاً على موافقتها، ثم عادت الوزارة وأصدرت منعها. لقد أربك الرفض الرسمي برنامج الجمعية، ما أدى إلى اقتصار تنفيذه على المجالس النسائية ومقار بعض المترشحات في محافظة المحرق. عدم الموافقة الرسمية على تنفيذ نشاط توعوي لجمهور النساء خصوصاً لا يُفسر إلاّ بأحد احتمالين أو بكليهما معاً. الأول أن الجهة الرسمية المعنية تنظر إلى جهود التوعية المجتمعية بحقوق المرأة وتمكينها السياسي على أنه نشاط سياسي يمنع القانون ممارسته. والثاني أن لدى الجهات الرسمية شك وعدم ثقة في المؤسسات الأهلية وتوجس تجاه تواصلها مع الناس من خلال برامج توعية اعتيادية تقوم الجهات الرسمية ذاتها بتنفيذها?
إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"العدد 1544 - الإثنين 27 نوفمبر 2006م الموافق 06 ذي القعدة 1427هـ