العدد 1541 - الجمعة 24 نوفمبر 2006م الموافق 03 ذي القعدة 1427هـ

كيف نفهم ثنائية الإعلام والديمقراطية في فترة الانتخابات؟

جمال الزرن comments [at] alwasatnews.com

-

في البدء وجب التأكيد أن في فترة الانتخابات لا مكان للتنظير والتفلسف في أسس الديمقراطية وحرية وسائل الإعلام وإنما تدخل الممارسة الديمقراطية والميديا في حال من التجربة لا تختلف عن التجربة المخبرية التي يمكن اختزالها في مقولة: أخطأ أو أصاب. تعتبر فترة الانتخابات في أية دولة وفي أي نظام ديمقراطي فرصة لتقييم ديمقراطية السلطة وديمقراطية وسائل الإعلام معا، فيمكن أن تكون الحكومة - السلطة التنفيذية - ديمقراطية في تصورها وممارستها للديمقراطية لكن يمكن أن نجد وسائل الإعلام غير منصفة في عرضها لأفكار المرشحين. فالانتخابات مرحلة انتقالية حرجة تحدث كل أربع أو خمس سنوات، لا يمكن عزلها عن ما تثيره من انتقادات وردود أفعال مختلفة من كل الأطراف التي لها صلة بالشأن العام والممارسة الديمقراطية.

نريد أن نقول من وراء هذا أن الجدل الذي ستثيره فعاليات المجتمع أثناء وبعد الانتخابات سيكون جدلا فنيا وتقنيا عن كيف طبقت وترجمت الشعارات والمفاهيم الديمقراطية التي طالما اعترضت الجميع في المجتمع المدني والبرلمان والحكومة. إذن فعلاقة الانتخابات بالممارسة الديمقراطية أثناء أداء الواجب الانتخابي هي تطبيق لمجموعة من القوانين وتنزيل لثقافة الديمقراطية وحكم صندوق الاقتراع. لا يمكن في هذا السياق أن نستثني الإعلام كأحد مفاصل العملية الديمقراطية أثناء فترة الانتخابات، إذ لا يصح الحديث عن الحريات أثناء الانتخابات بل الأهم هو مدى تطبيق والتزام الجميع بالقانون وباللعبة الديمقراطية. وهنا يثار سؤال كيف يمكننا التأكد من شفافية الديمقراطية أثناء الانتخابات، وكيف يمكننا بيان حياد ونزاهة وموضوعية تفاعل وسائل الإعلام الحكومية مع إشكالية الانتخابات؟

عود على بدء

كانت وسائل الإعلام ومدى تحرريتها في التاريخ المعاصر إحدى أهم وأنجع وسائل النضال ضد الأنظمة غير الديمقراطية بكل تلويناتها وإحدى أفضل السبل في تحول تلك الأنظمة إلى أنظمة ديمقراطية حرة ومعتدلة. حدث هذا أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية وخصوصاً في الدكتاتوريات الأوروبية : ألمانيا (هتلر)، إسبانيا (فرنكو) أو اليونان (الجنرالات). لكن وفي ذات السياق ومع نهاية الحرب الباردة أصبح التحول باتجاه الديمقراطية يحدث خصوصاً وبشكل متزامن مع رغبة في حرية التعبير عن الرأي من جهة وتحرير الأسواق (العولمة) من جهة أخرى، وقد كانت جمهوريات الإتحاد السوفياتي مسرحا لهذا النوع من التحول. وقد عبر عن ذلك المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه في أطروحته المثيرة القائلة بأن الفيديولوجيا - فيديو - قد انتصرت على الأيديولوجية (الشيوعية) وساهمت في انتصار الليبرالية عبر تسويقها لمبدأ حرية التعبير وحرية وسائل الإعلام وخصوصاً دور التلفزيون والصورة التي يسوقها عن الغرب المتحرر. أما المنطقة العربية وبحكم عدة خصوصيات تاريخية وثقافية وسياسية فإنها كانت وبشكل من الأشكال مستثناة أو في قائمة الانتظار لدخول عهد ثنائية الإعلام والديمقراطية التي لا مناص لأية نهضة سياسية من توافرها. فبناء وسيلة إعلامية مستقلة ومسئولة من خلال عملية تطور داخلية تحتاج إلى عقود من الزمن خاصة في دول لم تكن لها تقاليد في التفاعل الحر والسليم مع الرأي والرأي الآخر والديمقراطية.

في المنطقة العربية جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحرب على الإرهاب والعراق ومشروع إصلاح الشرق الأوسط الكبير معلنة بضرورة الإصلاح وتحريك الأنظمة العربية من الداخل. غير أن دور وسائل الإعلام في دفع المسار الديمقراطي في الدول النامية ومنها العربية أو حتى في الدول المتقدمة يبدو غير كاف، فهو في حاجة إلى ثقافة سياسية جديدة ومرجعية إعلامية تقطع مع موروث إعلام الدولة القطرية الشمولي. في الواقع يصعب التنبؤ بنتائج مزج العملية الإعلامية بقضية الديمقراطية في المجتمعات التي تفتقد إلى أرضية ومرجعية صلبة في العمل السياسي والديمقراطي، حيث تظهر وبأشكال مختلفة أثناء وبعد المرور إلى الديمقراطية وفي صور جديدة قوى رجعية مجسدة في فكر حزبي وشبكات محلية أو دولية مثل قضية الطائفية والفقر والعنصرية والإرهاب والجريمة المنظمة في مختلف أشكالها وهي كلها علامات قد تؤثر في أداء الديمقراطية ومعها وسائل الإعلام (العراق/ أفغانستان/ لبنان...). إذن فلا يمكن للإعلام الحر أن يكتفي بترسيخ ركائز التحول إلى حكم ديمقراطي بل الأهم من ذلك هو حمايته والدفاع عنه. ويمكن في هذا الإطار الاستدلال بالنموذج العراقي بعد الغزو، فرغم وجود انتخابات فإن الإعلام لم يكن عاملا في تثبيت عناصر التحول السياسي الذي تريد الوصول إليه نخب المجتمع العراقي، إذ يوجد بالعراق عشرات الفضائيات والإذاعات وأكثر من180 صحيفة يومية وأسبوعية لكن لم يستطع هذا التنوع والتعدد الإعلامي أن يحمي الديمقراطية ولم تتمكن الديمقراطية من توفير شروط الإعلام الحر والنزيه والمستقل.

ثنائية الإعلام والديمقراطية

إن حرية الإعلام إذن لا يمكن أن تفهم بعيدا عن قاعدة الديمقراطية ولذلك يعطى الغرب لجوهر العلاقة بين الإعلام والديمقراطية مصطلح : ثنائية الإعلام والديمقراطية، فهما زوجان لا ينفصلان. ولا نريد أن نخوض في سجال سفسطائي عن مقولات شائعة مثل لا ديمقراطية بدون حرية صحافة أو لا وجود لحرية الصحافة بدون ديمقراطية وهي كلها مقولات تعجيزية سياسوية مشروطة لا تأخذ بعين الاعتبار عنصر الفعل الاجتماعي واستقلاليته وعامل الحراك البطيء للثقافة السياسية. إن مبدأ ثنائية الإعلام والديمقراطية لا يحتمل تقديم الديمقراطية على الإعلام أو العكس، بل إن الثنائية هي التي ستكون العنصر الحاسم في كيف ستتعامل كل من وسائل الإعلام والديمقراطية كمبادئ سياسية في إدارة الصالح العام مع العملية الانتخابية في أي بلد يعيش حالة من التحول الديمقراطي. إن قاعدة ثنائية الإعلام والديمقراطية هي حالة من تفريغ وتنزيل ليس فقط الإعلام أو الديمقراطية وبشكل ميكانيكي منفصل إلى أرض الواقع بل من خلال إدراك قوة ثنائيتهما في إنجاح مبدأ حق الاقتراع الذي تقوم عليه العملية الانتخابية. يمكن أن تكون الانتخابات نزيهة على المستوى العملي أي في حدود صندوق الاقتراع، لكن إذا لم يكن الإعلام منصفا في التغطية فبإمكانه أن ينسف مكسب صندوق الاقتراع والديمقراطية أدراج الرياح والعكس صحيح.

لذلك ومن أجل ضمان ديمقراطية الانتخابات على المستوى الإعلامي سعت أغلب الدول إلى تشكيل اللجنة الإعلامية للانتخابات وهي لجنة فنية مستقلة ولها علاقة هيكلية عضوية باللجنة العليا للانتخابات، وذلك من أجل مراقبة ومسايرة أداء وإنصاف وحيادية وسائل الإعلام أثناء فترة الانتخابات. ويتساءل المرء لماذا هذه اللجنة؟ إن هذه اللجنة وإن بدت ظاهريا لجنة فنية تقنية تقبل الشكاوى وتراقب حضور كل الأطراف في وسائل الإعلام فهي توفر الأرضية الفكرية والفرصة العملية لكل جهة لها قائمة انتخابية من الوصول إلى ناخبيها، وهو حق يكفله الدستور وخصوصاً في وسائل الإعلام الحكومية. فهذه الأخيرة ليست ملكا للحكومة بل موازنتها مقتطعة من موازنة الدولة والضرائب، وهي بذلك ملك عام يجب أن تساهم في إنارة الرأي العام أثناء الانتخابات وأن توفر له فرصة الإطلاع على كل الاتجاهات والآراء والتصورات التي يثيرها المرشحون أثناء الحملة الانتخابية ليستطيع كل فرد أن يحسم وبشكل حر اختيار برنامج مرشحه.

تكون هذه اللجنة عادة برئاسة شخصية مستقلة وممثلي المجتمع المدني ووزارة الإعلام وأكاديميين، وهي التي تحدد قواعد الحملات الإعلامية ومواثيق الشرف والقوانين وتحدد أيضا الفترة الزمنية لما يمكن أن نطلق عليها بالحملة الدعائية للانتخابات. وأصل هذه الحملة هو عرض برامج المرشحين للرأي العام في فضاءات عامة، مثل الجمعيات والتجمعات الجماهيرية والمجالس، لكن ما تهتم به هذه اللجنة هي الدعاية على واجهة وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة والمعلقات على الجدران التي تكفلها الدولة. ويعترضنا إشكال أي صنف من وسائل إعلام؟ هل هي الحكومية فقط أم أيضا وسائل الإعلام الخاصة ووسائل الاتصال الإلكتروني؟ هل يحق لصحيفة يومية مستقلة أن تفرد صفحاها الأولى أكثر من مرة لقائمة معينة على حساب قائمة أخرى على خلفية أنها مؤسسة إعلامية خاصة؟ هل يحق لقائمة انتخابية أن تقوم بتصوير فلم على حسابها الخاص وبثه على واجهة التلفزيون؟ هل تستوي موازنة الإعلام لكل الأطراف المرشحة للانتخابات؟ ففي فرنسا مثلا وعندما لا يحقق حزب سياسي 1? من أصوات الناخبين أثناء الانتخابات الرئاسية لا يقع تعويضه تكاليف الحملة الإعلامية الدعائية التي تتكفل الدولة بسدادها، لأن الترشح لقيادة الناس ليس هواية بل مسؤولية وإقناع وحد أدنى من الجماهيرية. هل يجب فرض عقوبات مادية وقانونية على كل متجاوز للائحة القانونية والأخلاقية الخاصة باللجنة الإعلامية؟

في العلاقة بين الفكري والتقني

نعود إلى العلاقة بين الفكري والتقني في وسائل الإعلام أثناء الانتخابات وعلاقته بمبادئ الديمقراطية للقول إنه ومن خلال الإجابة على كل تلك الأسئلة وغيرها سيتضح لنا مدى نضج الديمقراطية واحترام الرأي الآخر وبشكل مواز سيتضح لنا أيضا مدى نضج الإعلام وإنصافه واستقلاليته. إن جوهر الديمقراطية هي الحكم العادل والحكم العادل يبدأ بالعدل في عرض الأفكار والتصورات وتوفير كل فرص شروط الاختيار الحر للمواطن وبشكل منفرد. والعدل ليس نوايا حسنة وخطابات رنانة وإنما هيكلة وبنية قانونية وإدارية تتمثل في اللجنة الإعلامية المشرفة على تغطية الانتخابات وهي لجنة لا تقل أهمية عن كل مرحلة من مراحل الممارسة الديمقراطية، لأن هدفها هو توفير تغطية منصفة أثناء الانتخابات أي حماية الديمقراطية من أية إمكانية للاحتكار. ومصطلح «التغطية المنصفة» لا يعني بأن يتاح لكل الجمعيات السياسية وقت متساو، فالجمعيات السياسية الكبرى يجب أن توفر لها منطقيا تغطية أكبر وأوسع. وفي تعريف مصطلح «التغطية المنصفة» نقول وبشكل عام على أنها تغطية منصفة تتناسب وأهمية الجمعية السياسية، وتأخذ بعين الاعتبار عوامل مثل عدد المرشحين للانتخابات، وتنظمها وهيكلتها وحضورها في المجتمع، والأهمية الثقافية والسياسية والتاريخية لمثل هذه الجمعية أو تلك.

وعلى اللجنة الإعلامية أن تدرك أيضا بأن الجمعيات السياسية تختلف في مدى الشعبية والأهمية من منطقة إلى أخرى. ويجب تطبيق مبدأ التغطية المنصفة بالعودة أيضا إلى النشاطات، والتدخلات العلنية التي تبث في وسائل الإعلام الحكومية وتعرض لغرض التأثير واعتبارها جزءا من الحملات الانتخابية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وماذا عن الدعاية غير المباشرة؟ إن التصريحات والنشاطات التي يؤديها مسئولون يشغلون مناصب عامة-بحكم وظائفهم الرسمية - يجب أن لا تعد جزءا من الحملة الانتخابية، غير أن مثل هذه التصريحات أو التدخلات العلنية وحين تروج لإنجازات أو أعمال تم القيام بها، أو تستغل لأغراض انتخابية، وتستخدم دعما لمرشح انتخابي، فإن الوقت المخصص لمثل هذه النشاطات وفي جميع تلك الحالات يعتبر جزءا من الوقت المخصص لمرشح الحملة الانتخابية التي تدعمها تلك التصريحات أو النشاطات. و يجب أن تراعي جهات البث الإعلامي وتعمل على ضمان أنه حين تتم دعوة منظمي الحملات الانتخابية للمشاركة في برنامج ما، أو يتاح برنامج لتغطية حملاتهم الانتخابية، أن يتم ذلك تماشيا مع مبدأ المساواة، ولا يسمح بالتمييز ضد أو استبعاد أية جمعية أو أي مرشح أو أي شخص يمثلهما، سواء كان من قبل جهات البث (إذاعة، تلفزيون) ككل أو من مقدمي برامج معينة. ويجب أن تضمن التغطية المنصفة عدالة في توجيه الدعوات للمرشحين وإتاحة فرصة المشاركة في البرامج المخصصة للحملات الانتخابية ومعاملة الرجال والنساء بالتساوي. وأثناء التعليق على النشاطات والأحداث والتصريحات والبيانات الصحافية لمنظمي الحملات الانتخابية أو نشرها، يتعين على جهات البث ضمان عدم المساس أو تحريف أو تغيير مضمون التعليقات والمقتطفات المأخوذة من تصريحات بقية المرشحين.

في بعض الدول الغربية تذهب بعض الأحزاب إلى فرض احد عناصرها كمراقب لمدى حيادية وسائل الإعلام في عمليات التغطية وذلك من خلال حضوره وطيلة الحملة داخل إحدى المؤسسات الإعلامية مثل التلفزيون الحكومي.

وجب علينا بيان أن التغطية المنصفة مسألة على غاية من التعقيد الفكري والعملي فهي لا توحي بالعدل من ناحية الوقت المخصص للبث أو المساحة المخصصة للطباعة فحسب، بل أيضا العدل من ناحية نشر أو توقيت مثل هذه التغطية (مثلا، البث في وقت ذروة المشاهدة أو الاستماع مقابل البث في وقت متأخر من الليل، أو النشر في الصفحة الأولى مقابل النشر في الصفحة الداخلية). كل هذه العوامل الفنية محددة في نجاح التجربة الديمقراطية وترسيخها لأن أصل الجدل والحوار أثناء الانتخابات هو كيف سيكون عليه المجتمع غدا، وعليه فإنه من حق كل مواطن أن يفهم ماذا سيصنع الآخرون بمصيره ومصير أبنائه لكي يختار وبشكل حر ونزيه وواع من يمثله في أكبر وأهم مؤسسة تشريعية: البرلمان أو تنفيذية : الرئاسة.

يبدو أنه في فن السياسة لا يمكن أن نفصل بين المبدأ في بعده الفكري المجرد وتجسيداته وتمثلاته الإمبيريقية الميدانية في الواقع. فلا قيمة للحديث عن الديمقراطية في المجالس وتثمينها في الصالونات وتجاهلها في فترة الانتخابات. من جهة أخرى لا قيمة لوسائل الإعلام وحرية التعبير عن الرأي وحق الاختلاف إذا لم يبرز هذا المبدأ للرأي العام على واجهة وسائل الإعلام في زمن الانتخابات. ختاما أردنا ترجمة ثنائية الإعلام والديمقراطية وبكل بساطة في حق المواطن في الاقتراع بشكل حر وواع من خلال تغطية منصفة لأفكار من يريد أن يختاره نائبا له?

العدد 1541 - الجمعة 24 نوفمبر 2006م الموافق 03 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً