الآن وقد أفرغ جميع المترشحين للمجلس النيابي مافي جعبتهم من وعود وشعارات أثناء حملاتهم الانتخابية، المعقول منها واللا معقول، إذ بدأ العد التنازلي لتوجه الناخب الى صندوق الاقتراع ، فإن الكثير من الناخبين في حيرة من أمرين: ما المردود الإيجابي للمشاركة؟، ومن المترشح المناسب للاختيار؟. وهاجس المشاركة من عدمها، والحيرة لدى الناس في اختيار المترشح المناسب، يعود أيضاً في مجمله إلى أسباب عدة، منها ما يتعلق بـ (الأداء النيابي) المتواضع للفصل التشريعي الماضي، ومدى ما حققه النواب السابقون من وعود وآمال علقت عليهم من قبل المواطنين، ومنها مايتعلق بجدية العملية النيابية، ككل، ومدى صدقية دور البرلمان الحقيقي في أداء وظيفته الرئيسية التي هي الرقابية والتشريعية.
فبالنسبة للمشاركة في العملية الانتخابية، اعتقد أن المشاركة هي أولاً واجب ديني، تحتمه علينا مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء في طاعة أولي الأمر منا، ومشاركة الجماعة. وهي ثانياً واجب وطني، يعنى بالوحدة الوطنية ولم الشمل وتوحيد الصف، كما أنها تلبية لنداء الوطن، واحترامها ثم مؤازرة للمشروع الاصلاحي لجلالة الملك/ الذي نثق في صدقيته كل الثقة، ونعول عليه كل الآمال لتحقيق الأيام الأجمل التي وعدنا جلالته بها.
ثم ان المشاركة الانتخابية ثالثاً، هي ذكاء اجتماعي وسياسي ادركته حديثاً الجمعيات السياسية المقاطعة. فمن تحت قبة البرلمان يستطيع النواب تحقيق مالا يستطيعون تحقيقه خارج البرلمان، من تشريع ورقابة ومساءلة، وصولاً الى الاستجوابات وطرح الثقة، وغيرها من الأدوات النيابية المتاحة للممارسة الديمقراطية والحضارية الحقة.
رابعاً: المشاركة دعم قوي للتجربة الديمقراطية الوليدة، فلا يجوز بأي حال أن تحكم على تجربتنا الديمقراطية بالفشل من خلال تجربة فصل تشريعي واحد أو اثنين، والديمقراطيات العريقة لم تأت جاهزة، خالصة خالية من العيوب والشوائب لمواطنيها دفعة واحدة، وإنما احتاجت الى عشرات السنين، كي تختمر وتنمو وتزدهر وتثمر. لكننا في البحرين نريد أن نغرس الشجرة اليوم ونجني ثمارها غداً! وهو مايشكل عبئاً حقيقياً على السلطة التشريعية والتنفيذية على حد سواء فلا النواب يستطيعون تحقيق ما تصبوا اليه الجماهير بين يوم وليلة، ولا الحكومة بقادرة على مجاملة النواب وإغفال المصلحة العامة التي قد لايدركها البعض منا. ولهذا نجد خلطاً واسعاً يدعو للعجب بين مايدركه وما لايدركه المترشح لمجلس النواب، من وعود وبرامج انتخابية حافلة بالخدمات البلدية، وهو في الحقيقة مترشح للحياة النيابية!. فهو يعدهم ببناء المستشفيات، والمدن، والمتنزهات، ورصف الطرق وغيرها... وكلها أمور من اختصاص المجالس البلدية وليس من اختصاص المجلس النيابي! وعندما تسأله عن برنامجه النيابي، أو لماذا رشح نفسه، فيقول لك انه جاء لخدمة المواطن!. وهو لايعلم أصلاً أن وظيفته كنائب تتلخص في تشريع القوانين، ومراقبة الاداء الحكومي.
ولكنه كيف يصل الى كسب ود المواطنيين، سوى بتقديم الخدمات البلدية لهم؟ إنه تماماً مثل الممثل الذي يقدم أعمالاً هابطة المستوى الفني، ويبرر ذلك بقوله: «الجمهور عاوز كده!». والنتيجة المنطقية إذا كان يدري فتلك مصيبة... وإن كان لايدري فالمصيبة أعظم!.
ولكي نكون أكثر انصافاً وواقعية لتبيان الدور الحقيقي للبرلمان يجب أن نتطرق الى المادة (70) الفصل الثالث من الدستور، التي تنص:(لايصدر قانون إلا إذا اقره كل من مجلسي الشورى والنواب أو المجلس الوطني بحسب الأحوال، وصدق عليه الملك).
وهي المادة التي توقفت عندها المعارضة ملياً، ونادى بها المطالبون بالتعديل الدستوري، وهاج وماج الشارع عليها. ولو تأملنا مشاركة مجلس الشورى في عملية التشريع هذ لوجدناها منطقية وتتسم بالواقعية ووتتواءم جيدا مع تجربتنا الوليدة، وماتحتاجه من نضج وإدراك لما يتناسب والمصلحة العامة للوطن.
و السؤال: من ننتخب؟ يجب أن يعلم الناخب أنه أمام مسئولية وطنية خطيرة قد تمتد آثارها الى اجيال لاحقة. لهذا كان لابد أن يكون اختيارنا لمن سيمثلنا في المجلس النيابي اختياراً صائباً يتسم بالحكمة والرؤية السليمة، بحسب توافر الاعتبارات الآتية:
- يجب أولاً ان تتوافر لدينا الإرادة الحرة لاختيار مترشحنا، من دون ضغط أو إملاء من أحد وإلا كان اختيارنا خيانة للوطن وللمواطن.
- يجب أن تتوافر بعض الشروط الشخصية المطلوبة للمترشح للمجلس النيابي، وأهمها - بحسب أعتقادي - وطنيته، وولاؤه التام لهذا الوطن ثم محبته الخالصة لابناء وطنه وسعيه الدائم الى عمل الخير كما يجب ان يكون ، متواضعاً، ملتصقاً بالناس، ومطلعاً على مشكلاتهم وهمومهم، وأن يتمتع بكفاءة علمية - ولو كانت متواضعة - في التشريع والقانون، ومدركاً لسياسة الدولة الداخلية والخارجية، وأن يكون ملماً ومطلعاً على مختلف القوانين المعمول بها في البلاد كما يجب ان تتوافر للمترشح رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية وان يكون دبلوماسياً لبقاً، ومثقفاً واعياً، عالي الأخلاق متحضراً، متقناً للجدال والمناقشة المثمرة، من دون تجريح او مساس بأحد وان يبتعد عن التعصب، والتحزب، والمهادنة، والرياء والمماحكة وان يكون حراً، تقياً نزيهاً، واثقاً من ثقافته وحسن اطلاعه.
وإذا ما اخترنا مرشحنا، وفاز بدأت مرحلة أخرى من العمل الوطني التشريعي ومسئولية تقع على عاتقنا جميعاً نحن الناخبين تجاه الوطن، وتجاه هذا النائب من حيث التوجيه، والمتابعة، والمساءلة. الله أسئل أن يوفق المخلصين، ويحفظ البحرين وأهلها
العدد 1540 - الخميس 23 نوفمبر 2006م الموافق 02 ذي القعدة 1427هـ