اشعل التنافس - خلال ما مضى من ايام - في بعض أوجهه اليومية النار بين المترشحين والمترشحات، وبين الفرق الانتخابية من جهة أخرى، وبين الناخبين أنفسهم... حتى أن من أسوأ تلك الصور، حال الصراع والتنافر والتشاجر التي تبلغ الى حد القطيعة بين الأشقاء في منزل واحد... لكن لم يتبق الا القليل عن موعد تجميع الحظوظ في الصناديق... بعد غد السبت.
وعلى منوال «ديموقراطيا الغضب»، التي تفرز في البلاد لوناً طائفياً بغيضاً أولاً، وصداماً حزبياً ثانياً، وتناحراً فكرياً وفلسفياً ودينياً من ناحية ثالثة بين فرقاء وأصدقاء... لكن وراء الكواليس يجري الكثير مما لا يحمد عقباه، إذ بلغت الأمور في الأيام القليلة الماضية مبلغاً وصل إلى حد اعتراض مترشحين ومترشحات مستقلين على صدور مطبوعات ومنشورات وملصقات و»مقولات» مختلفة المصدر تدعو صراحة إلى ترشيح فلان المحدد اسماً، وإن لم يكن اسماً، فالأوصاف تكفي، إلى الحد الذي وجد البعض نفسه أمام تحرك ظاهري وباطني لانتخاب أناس قد يصلون إلى مرتبة «عليا» من ناحية الصلاح والتقوى والعمل الصالح، لذلك، فهم أولى من غيرهم بكرسي البرلمان ومقاعد المجلس البلدي وما لذ وطاب من مغريات.
السؤال الأول الذي طرحه الكثيرون :«ما الذي يدفع بالتيارات الدينية لأن تواجه الشارع... شارعها، دونما اكتراث إلى منظومة من القيم هي ذاتها التي تؤكد عليها من قبيل الانتخاب الديمقراطي الحر النزيه المتكافئ؟ وكيف لم تضع اعتباراً لخروج مترشحين ومترشحات من دائرة الدين لأن هناك من زاد كيل ذوي التقوى والإيمان والعمل الصالح ممن يدفعون بدعمهم، متناسين الصورة السلبية التي ستنعكس على بقية المترشحين؟
تساؤلات اخرى أكثر حساسية تقطعت، لأن الطريق لم يكن سالكاً، ولم يكن أحد ليرغب في المشاركة في هذا الإستطلاع، إلا القليل من دون ذكر أسماء، وبإجابات خجولة في معظمها... وجريئة جداً جداً في بعضها القليل الذي... (ليس للنشر لو سمحتم).
في انتظار ساعة الصفر
هنا، استعراض سريع لمواقف سرية للغاية، لكنها حقيقية وقائمة على حقيقة الوضع المتأزم بين الكثير من المترشحين والمترشحات... المستقلين من جهة، والذين وجدوا أنفسهم أمام لون خاص او «مأزق» اخرجهم من الدين والملة، وبين المدعومين من جهة أخرى، ممن اطمأنوا فارتاحوا وقروا عيناً وهم ينتظرون ساعة الصفر، بعد يوم واكثر قليلاً من الآن، لكي يفوزوا بالظفر... فأحد الناشطين ممن يعملون في فريق انتخابي لأحد المترشحين المستقلين، وضع اليد على مجموعة من المنشورات المكتوبة على لسان «...» وكأنها بمثابة صك لانتخاب المترشح المنافس، بل والتأكيد على أن علامات الإيمان والفضل والجود والتقوى، لن تبارح ذلك المدعوم، وأن من دونه لا يعدو سوى شخص قاصر أمام ملكات المترشح المنافس...
هذا الأمر، كما يقول الناشط، دفع إلى الحديث مع «...» مباشرة، تعبيراً عن الامتعاض والرفض واعتبار أن ذلك صورة من صور إضعاف الطرف الآخر، وإلغاء مبدأ تكافؤ الفرص والمنافسة الشريفة.
لذلك، يعلق الكثيرون في رقاب رموز دينية وسياسية ما يحدث من اضطراب ونزاع، لأن مواقف البعض منهم ليست واضحة وعادة ما تكون مبنية على انفعالات.
وبعيداً عن الأسماء الصريحة للمتحدثين معنا في العينة، رغبةً في عدم الدخول في مواجهات لا تحمد عقباها بسبب حساسية الموضوع، تبرز إلى السطح مشاهدات أخرى، ففي بضع دوائر، كان من السهل مشاهدة صورة اثنين من المترشحين تتوسطهما صورة وعبارة تأييد ودعم ... حتى وإن كانت تلك العبارة لا تقصد»هما» بالاسم، إلا أن وجودها يوحي بالدعم... هذا إذا وضعنا في الإعتبار أن هذين الإثنين أو من يعمل معهما في الفريق هما من وضعا تلك الصورة وتلك العبارة متوسطة إعلانهما الترويجي... فكيف للعالم وأتباعه ومن يوصل إليه كل صغيرة وكبيرة أن يصمت.
وهنا، يقول ناشط آخر:» إن العلماء يعرفون... ولديهم فكرة عن كل ما يدور، ولكنهم راضون عما يجري، وإذا كانوا جاءوا بقرار المشاركة دفعة واحدة، قفزاً على الكثير من المعوقات التي أضعفت المقاطعة ودفعت إلى مشاركة ستكون ضعيفة النتائج، فهم أيضاً سيزيحون القانون جانباً، وسيقفزون على بنوده التي تمنع تقديم الدعم للمترشح من خلال وسائل مختلفة، ودعوا وسيدعون الناس صراحة أو خفية بانتخاب «فلان» التابع للجمعية (....) أو للتيار (....)، لكنني - والحديث مع الناشط - لو كنت مكانهم... لفعلت ما فعلوا! هذه انتخابات يا سيدي، ولعبتها خطيرة».
ديمقراطيا الغضب... ثم الغضب!
تقل عن توتر المترشحين والمترشحات وتوتر السلطة وتوتر الشعب بأكمله وتوتر الأجهزة أيضاً، غير أن تلك الدفعة من القلق تعطي صفة « الفوبيا» الأولى والأخيرة والدائمة في حياة الممارسة اليومية في المجتمع، على أن هناك الكثير من الناخبين والناخبات يرون أنهم عاشوا لوناً جديداً من النشاط في المجتمع يتنوع من الشد والجذب والفكاهة والجد، غير أن الصورة السائدة هذين اليومين هي صورة التنافس غير الشريف في الشارع البحريني ينطلق من الطائفية ويصعد رويداً رويداً ليمزق الكثير من أوصال المجتمع، بسنته وشيعته وبهولته ومتجنسيه...مستحقين وغير مستحقين.
ويطلق الناخبون صفارة الإنذار من أن أمراً خطيراً انكشف، وهو أننا مجتمع طائفي (وهذا أمر طبيعي) لكن الأخطر، أن الشعور الطائفي بدأ يتحول إلى اتجاهين: الاتجاه الأول هو ترسيخ التفرقة بين الطائفتين الرئيسيتين، وللسلطة دور في هذا الشأن، أما الإتجاه الآخر، فهو الطائفية في الطائفة ذاتها.
أما حال الغضب تلك، فيشعر بها الكثيرون، فمن مؤيد لتيار إلى مؤيد لمترشح أو مترشحة إلى مجاميع تنظر إلى أجندة كلها تتمتع بالسرية وتقرأ أسرار الحكومة والحكومة تقرأ أسرارها لتندفع تلك المجاميع إلى صناديق الانتخابات، بعيداً عن الديمقراطية والحق الدستوري، لأن الدوافع تنوعت، فلم تعد المشاركة السياسية هي الدافع الأول... طبقاً لما تقوله إحدى المتخصصات في الشأن الإجتماعي.
لم أقدم سوى النصح
أحد المشايخ المعروفين والمؤثرين من أهل السنة والجماعة، في محافظة المحرق، أنكر سعيه ونعيه...أنكر سعيه للدفع في اتجاه انتخاب مترشحي «تياره السلفي» الأخيار الأطهار المؤتمنين على حقوق الناس، وأنكر نعيه لأولئك الذين ماتوا لأن المجتمع رفضهم وسيرفض التصويت لهم... فعلق على ما نشر عنه في أحد المواقع الإلكترونية بالقول :»للناخب حرية اختيار من يشاء... لم اذكر يوماً أنني دعوت في خطبة جمعة أم في غيرها لمثل هذه الأمور فأنت تعلم كما أنا أعلم أن القانون يمنع استخدام دور العبادة للترويج للمترشحين... لكن من يتقولون علي كثر... كثر يصعب علي عدهم... لم أقدم للناس سوى النصح». المشكلة الرئيسية التي يمكن أن تكتشفها في بعض المشايخ الفضلاء هي أنهم لا يقولون «الصدق» في كثير من الأحيان... حاشاهم الكذب طبعاً، لكنهم ما صدقوا في الرد والأدلة أمامهم تدينهم...
وهنا، وقفة مع أحد مشايخ الشيعة الذي انكر على أولئك الذين استخدموا خيار «الجنة والنار» في الترويج لبعض المترشحين، وأن من قمن به نساء وكأن هذه الفئة من المجتمع هم من الجهلة الأغبياء الواجب خداعهم وترغيبهم وترهيبهم بثنائية النار والجنة.
إذاً، يا شيخ فلان، أنت تنكر بأنك دفعت في اتجاه مترشح الـ»......» يجيب :»قطعاً، بل دعوت إلى اختيار المترشحين والمترشحات الذين يقدمون برامج انتخابية تدل على مدى وعيهم واستعدادهم لخوض التجربة... صحيح، قد ندفع في اتجاه مترشح معين، لكن لا نفرضه على الناس...
- إذاً أنت تقبل بالترويج للمترشح وانت شيخ دين؟ يجيب :»التقي الورع الذي سيخدم وطنه وأهل وطنه نزكيه اجتماعياً... أي نعرف الناس به وفي الغالب هم يعرفونه، لكن لا اقبل إصدار الكتيبات والمطبوعات (الخفية) للترويج لمترشح بعينه».
في كثير من الدوائر، انتقلت الصور السيئة وتكررت... من تمزيق للصور واللافتات الخاصة بالمترشحين والمترشحات وكذلك استخدام الخطاب الطائفي المقصود لإثارة النعرات، وقد طالب بعض المحافظين وبعض الخطباء بضرورة التحلي بالروح الوطنية السليمة تجاه هذه الأمور والتصدي لمن يحاول الإضرار بالعملية الإنتخابية، وخصوصاً في المنافسة بين المترشحين أنفسهم وذلك من خلال لجنة الإنتخابات وإجراءاتها التي تطبقها لجنة الإشراف على سلامة الإنتخابات.
النتيجة الكبرى، ولدينا من الوقت القليل جداً... هي أن على العلماء من الطائفتين الكريمتين وعلى الرموز السياسية تقع مسئولية كبيرة، وينتظر منهم عامة الناس أن يكونوا حاضرين للتصدي لأي ممارسة من شأنها أن تؤثر على السلم الإجتماعي.. لكي يمر يوم السبت المصيري على خير
العدد 1539 - الأربعاء 22 نوفمبر 2006م الموافق 01 ذي القعدة 1427هـ