بات موضوع نقل التكنولوجيا يمثل قضية عالمية وتاريخية تعكس تفاعل المجتمعات والحضارات منذ آلاف السنين. والدول العربية الخليجية التي تسعى اليوم إلى اكتساب ومواكبة المعارف التكنولوجية الحديثة كانت تمثل إلى جانب أقطار إسلامية أخرى مهداً لبروز وتبلور معارف حضارية قيمة أحدثت تحولات نوعية في مسيرة التقدم البشري في جميع أنحاء العالم.
إلا أن قضية المعارف التكنولوجية تبقى قضية نسبية لا يمكن حصرها واحتكارها في قفص بمعزل عن التفاعل الإنساني والحضاري. بل إن هذا التفاعل هو الكفيل بإغناء تلك المعارف وتطويرها ونقلها نحو الأحسن باستمرار، وتحويلها من مجرد معارف ذات فوائد تقنية إلى وسائل لتحسين الحياة البشرية جمعاء.
ومثلما كان نقل أفكار وابتكارات ابن رشد وابن سيناء وغيرهما إلى الدول الأوروبية إسهاماً في إعطاء تلك الأفكار والابتكارات أبعادها الإنسانية التنويرية الشاملة، فإن النظرة نفسها يجب أن تسود موضوع نقل التكنولوجيا الغربية إلى الدول العربية والخليجية، وبطبيعة الحال لن نغفل - مع ذلك - عامل الربح والخسارة هنا فالربح من دون شك سيفوق بشكل كبير الخسارة أيّاً كان المقصود بالربح والخسارة هنا سواء في معناه النقدي المباشر أو في معناه الاقتصادي عموماً، أو في معناه البشري والحضاري بشكل أعم.
لذلك يصبح من الضروري وجود تعاون بين دول المجلس كتجمع إقليمي والتجمعات الإقليمية الأخرى في موضوع نقل التكنولوجيا، والأهم من ذلك السعي إلى توطينها والذي يشمل بدوره عدة مجالات حيوية مثل إقامة المعاهد التقنية المتخصصة في توطين التكنولوجيا، علاوة على التدريب الفني والمهني. كذلك النقل المباشر للتكنولوجيا من خلال إقامة المشروعات المشتركة التي تحقق هذه الفكرة، وكذلك التعاون التكنولوجي في مجال البيئة وبراءات الاختراع وحقوق النسخ.
إن التعاون الإقليمي في مجال نقل التكنولوجيا على المستوى الدولي يبرز في الوقت الحاضر من خلال عدة تجمعات مثل ASEAN وهو التجمع الذي يربط الولايات المتحدة مع الدول الآسيوية والتي تسهل قيام شراكات اقتصادية في جميع المجالات التجارية والصناعية والتكنولوجيا وغيرها.
إن دول مجلس التعاون الخليجي كتجمع إقليمي بإمكانه أن يقيم شراكة مماثلة مع الولايات المتحدة حيث تتوافر عناصر النجاح لهذه الشراكة مثل وجود أسواق الاستهلاك الخليجية للبضائع الأميركية وانفتاح الأسواق التجارية والمالية الخليجية والاستقرار السياسي والاجتماعي في دول المنطقة وارتباط العملات الخليجية بالعملة الأميركية إلى جانب توافر المواد الخام الأولية مثل النفط والغاز والبتروكيماويات والالمنيوم.
والمطلوب إذاً نقل فكرة الشراكة الاستراتيجية المتوازنة من مستوى قرار المؤسسات الفردية إلى مستوى قرار السياسات الاقتصادية العامة لدول المجلس بما يحقق مصالح أطراف الشراكة جميعها
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 1538 - الثلثاء 21 نوفمبر 2006م الموافق 29 شوال 1427هـ