العدد 1537 - الإثنين 20 نوفمبر 2006م الموافق 28 شوال 1427هـ

هل ستستحوذ أوروبا على المبادئ الأخلاقية المشتركة؟

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

إذ أكتب هذا المقال في هذه المدينة التي كانت مُقسّمة في السابق، لا يسعني إلاّ الشعور بالأمل أنه لا بدّ للحواجز التي اُنشئت بين الشعوب أن تسقط أمام الاحتياجات المشتركة للناس مع مساواة في الحق بالعدالة والأمن.

في الأسبوع قبل الماضي، بدأت رحلتي إلى أوروبا التي قُسّمت أخيراً بزيارة إلى كوبنهاغن حيث سُررت للتصريح عن دعمي الكامل لأجندة التعايش الخاصة بمجلس شمال أوروبا. سواء أوروبيين أم آسيويين، جميعنا يملك مصلحة خاصة في نجاح أية مبادرة من شأنها الاعتراف بأهمية الحوار.

إنّ تعايش الحضارات هو مشروع دولي تم إنشاؤه نتيجة لقضية الكاريكاتور التي حدثت في الدنمارك أخيراً. عقب الأزمة، وضع التقرير الإخباري الاقتصادي والسياسي الرائد في البلد، «صباح الاثنين» (Monday Morning)، المبادرة لحث وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية على تعزيز التفاهم والتحاور والالتزام.

لقد شعرت بفخر لكوني تولّيت دعم حملة تفاهم أطلقتها المبادرة ولكوني أوّل شخص من خارج أوروبا يحضر جلسة مكتملة لمجلس دول شمالي أوروبا الإقليمي، هيئة استشارية تمثّل خمس دول من شمالي أوروبا وثلاث مناطق مستقلّة (البرلمان الدنماركي، كوبنهاغن، 1 ‏‏نوفمبر/ تشرين الثاني 2006). وافق رؤساء الوزارء في البلاد والوزراء والسياسيون بالإجماع تقريباً على تعزيز تنمية تعدّد الثقافات من خلال مشروع التعايش. لربما يجدر بنا التذكّر أنّ مفهوم التعايش قد تشكّل في حقبة الحرب الباردة المقسّمة بشكل خطير. وقد أشار إلى انطلاق عملية التقارب في أوروبا المجزّءة. كذلك تهدف مبادرة التعايش في دول شمالي أوروبا إلى تعدّي فكرة مجرّد التعايش لبلوغ شراكة حقيقية - بين الناس والمفاهيم والحكومات.

ويشاركني الكثير من الأوروبيين ثقتي الملحّة بأنه حان الوقت لإعادة تقييم المسئوليات في عالم سريع التبدّل وخاضع للعولمة. يجب على الأزمات المختلفة التي تواجهها شعوبنا أن تُذكّر الحكومات وصانعي السياسة على حدّ سواء بأنّ الحقوق لا تنبثق وتؤثر على الخلفيات الأميركية والأوروبية وحسب، وإنما على أسرة الثقافات بمجملها والتي تشتمل على حضارتنا الإنسانية. إنه لأمر أساسي جداً أن تتطلّع مهمتنا المؤدية للتعايش إلى ما وراء الضرورات التكنولوجية والموجّهة نحو الأسواق، ذلك للتوصّل إلى تسوية دائمة بين الحضارات والأفراد.

خلال مؤتمر صحافي في البرلمان الدنماركي، شدّدت على دور دول شمال أوروبا كوسيطة للسلام في العالم. أعتقد أنّه يمكن لتاريخ التعاون الاسكندينافي ودول شمال أوروبا والبلطيق أن يشكّل نموذجاً للتعاطي السلمي في منطقتنا. إنّ روابطنا الثقافية واللغوية والوجودية في الشرق الأدنى أو في بلاد ما بين النهرين تستحق التقدير أكثر ممّا تتلقّاه من العديدين خارج المنطقة.

لكلّ من الناشطين في المجتمع المدني وحكومات دول شمال أوروبا تاريخ مطول من الدعم للحقوق الأساسية في الإنسانية والتعزيز للأمن البشري قبل كلّ شيء. إنّ تدخّلهم المستمر في منطقتنا سيؤمّن دعماً أخلاقياً أساسياً جداً للالتزام الثقافي. لقد أدركت حكومات المنطقة أنّ العولمة تضعنا أمام مواجهات في الفرص والتحدّيات. علينا أن نسعى جاهدين للتوفيق بين مختلف القيم الدينية والثقافية، والمفاهيم السياسية والأنظمة الاقتصادية، ذلك بغية التعاطي بشكل مناسب مع تداعيات اعتماد الدول المتبادل على بعضها بعضا.

إنّ كل من عملية هلسنكي بشأن العولمة والديمقراطية وعملية برشلونا للحوار الأوروبي المتوسّطي قد وضعت الخطوط العريضة لثلاث أشكال من العلاقات البشرية المرتبطة ببعضها بعضاً: الأمن والاقتصاد والثقافة. علينا إدخال تلك الأشكال ضمن ستراتيجية متماسكة إذ لا تُعتبر الثقافة مُجرّد أمر ثانوي.

بالنسبة إلى أوروبا، تُعتبر الهجرة إحدى النواحي المُحتّمة للعولمة الاقتصادية، مُحضرة المسائل التي تواجهها الشعوب البعيدة إلى قلب المجتمعات الأوروبية. لم تعد المجموعات العرقية والدينية مُقتصرة على منطقة واحدة إذ إنّ الهوامش التقليدية تتبدّل والمجموعات تنهار وتعود لتتّحد مجدداً بنسب متزايدة. لقد شهدنا جميعاً كيف يمكن للنزاعات الناجمة عن الاضطهاد أن تنتشر بسرعة من مركزها الرئيسي.

خلال القمة الأولى التي انعقدت في الدار البيضاء سنة 1994 بين الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، طلب المبعوثون من الإتحاد الأوروبي أن يستثمر بقيمة 35 مليار دولار في 24 بلداً لمدّة 10 سنوات لإنشاء بنية تحتية، ذلك للتشجيع على «الرغبة في البقاء». لقد أُشير إلى مبدأ تأمين الفرص في الوطن كالحلّ الوحيد لتفادي المشكلات التي تسبّبها الأعداد الكبيرة من المهاجرين. للأسف، تمثّل الرّد الأوروبي في ذلك الوقت بـ»الأفضلية لمن يأتي أوّلاً».

إنّه لمن دواعي السخرية أن يتم جمع المبلغ نفسه خلال يوم واحد من أجل «الأمن الوطني» في الولايات المتحدة تبعًا لاعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول. ومع ذلك فإنّ دعم العقليّة المحدودة في الولايات المتحدة لا يُساعد على التخفيف من المشكلات المزمنة الناتجة عن تحيّزات العولمة.

تُذكّرنا مبادرة التعايش لدول شمال أوروبا بوجوب طرح مسألة سيطرة المنطق العسكري على العلاقات الدّولية. ففي منطقة الخليج وحدها، جرى 22 نزاعاً حدودياً على الأقل منذ العام 1900، وقد تمّت معالجة جميع تلك النزاعات بالوسائل العسكرية. تشكّل الحرب الأخيرة في لبنان مثالاً آخر على «الجهاد» الذي استحضر كبديل تكتيكي أوّلي.

إنّ سياسات السيادة العسكرية قد زادت الكلف العسكرية الهائلة، مؤدّية بذلك إلى رفع قيمة الدين الوطني في منطقتنا وتحويل مجرى المساعدات المالية التي أمكن استخدامها في سدّ الثغرة بين التضمين والاستبعاد. إنها لسخرية ملفتة أنّ الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أي المجموعة المُكلّفة بدعم السلام حول العالم، يشكّلون معًا نحو 90 في المئة من تجارة الأسلحة في العالم. تسجّل مبادرة التعايش لدول شمال أوروبا خطوة إيجابية في إدخال العنصر الثقافي ضمن عملية العولمة محلياً وخارجياً على حدّ سواء. إنّ حلّ التعقيدات الثقافية من خلال تحديد إطار عملي للحوار يجب أن يصبح الأمر الأساسي في العلاقات ما بين الإقليمية والدّولية. يجب على المشاركة بدلاً من الاستبعاد أن تؤدّي إلى دعم الأمن والحرّية، في حين يجب أن تبرز حرية التعبير إلى جانب المسئولية بحماية معيشة الجميع ومعتقداتهم.

الأمير الحسن بن طلال

ولي عهد الأردن السابق

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1537 - الإثنين 20 نوفمبر 2006م الموافق 28 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً