بداية وقبل كل شيء أرى من الضروري أن نتوقف جميعاً عند مصطلح «العولمة» في عالم صار كل شيء فيه متحركاً وتذهب فيه الأفكار والآراء مذاهب شتى. فالمعلومة في الأزمان الغابرة، بل حتى إلى زمن قريب نسبياً كانت لا تعني أكثر من مفهوم الاطلاع أو التعرف أو الاستخبار عن شيء ما لتصبح في متناول من يطلع عليها وكفى. أما اليوم ونحن نعيش عالم ثورة المعلومات المتغير باستمرار والمتحرك بأكثر من اتجاه، بالإضافة إلى عالم ثورة الاتصالات الشديد الحساسية والشفافية والمنفتح على عوالم كثيرة، هذا فضلاً عن تداخل كلا الحقلين الآنفي الذكر بعالم الصناعة والتجارة والخلق والاكتشاف والإبداع ومن ثم أخيراً وليس آخراً العولمة الاقتصادية والمعرفية التي تجتاح كل مناحي حياة الشعوب، فإن مكانة وموقع ودور «المعلومة» يصبح بنظري مختلفاً تماماً عن المفهوم التقليدي الجامد الذي اعتاد الإنسان على التعاطي معه حتى الآن.
فالمعلومة في إطار ما سبق، واستناداً إلى ما تقدم من تداخل العوالم تصبح رأس مال مهماً بل وغاية في الأهمية يمكن لمن يملكها صحيحة أولاً وأسرع ما يمكن ثانياً وبأقل كلفة ممكنة ثالثاً أن يوظفها توظيفاً متعدداً وخطيراً وفاعلاً في أكثر من حقل وأكثر من اتجاه ومنحى.
فالمالك للمعلومة الصحيحة قبل غيره وبالكلفة واليسر المطلوبين يستطيع أن يوظفها في صناعة اقتصاديات بلاده، ويستطيع أن يوظفها في مواكبة التطورات العالمية والعولمية المتسارعة أفضل من غيره، كما يستطيع أن يوظفها في صناعة الرأي العام الذي يريد كما يحب ويشتهي ويرضى قبل أن يصل إليه الآخرون. لذلك نرى اليوم أن المعلومة وتوزيعها العادل وفي الوقت المناسب على أعضاء الجماعة الواحدة أو الجماعات المتآلفة أو المتحالفة بات جزءاً لا يتجزأ من صيرورة العملية الديمقراطية سواء على مستوى الشعب والجماعة الواحدة أو على مستوى العلاقات الدولية بين الأمم والشعوب المختلفة.
بعد هذه المقدمة السريعة لكنها الضرورية في نظري، استطيع أن أدخل في صلب الموضوع الذي نحن بصدد معالجته ألا وهو كيفية استثمار الإعلام في إبراز صورة الإسلام على حقيقته كما هو، ودفع أو رفع الشبهات أو الصور الزائفة والمشوهة أو المحرفة التي ألصقت به!
وفي هذا السياق الذي ولجناه لم أجد معيناً لي أفضل من الحديث الشريف المعروف المروي بالتواتر عن رسول (ص) إذ يقول: «اللهم أرني الأشياء كما هي، ثم أرني الحق حقاً، وارزقني اتباعه، وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه». إن هذه القاعدة الرسالية التي انطلق منها مجتمع الدعوة الإسلامية في قراءة الظاهرات الكونية قبل نحو 15 قرناً تم اعتمادها مع الاكتشاف المتأخر لمنظومة العلوم الاجتماعية في القرنين المتأخرين فقط، بمثابة الأساس المعتمد في بناء الفكر السوسيولوجي أوعلم الاجتماع الحديث من هيغل وماركس وأنجلس إلى ماكس فيبر وغيرهم الكثير من الفلاسفة وعلماء الاجتماع الغربيين.
الآن ولما كان الإعلام، وخصوصاً الفضائي منه إذ يمكن وصفه المرآة العاكسة لواقع الأشياء كما هي أو هكذا يفترض أن يكون، فان من واجبنا نحن أصحاب النظرة «الموضوعية» والتي يفترض بها ان تكون هي السائدة في الإعلام «المحايد» على الأقل، ليس فقط ان يفرض أو نستعرض الأشياء أو الظاهرات أو المعلومة الواردة كما هي، بل ومعرفة ما قبلها وما بعدها، أو كما يعبر عنه اليوم بلغة الإعلام الحديث المعاصر، معرفة خلفية أي خبر وتداعياته المحتملة. وفي هذا السياق مطلوب منا أن نوفر ما يأتي أو نتصرف كما يأتي:
1- ان نوصل المعلومة المادة الخام كما هي إلى وسائل الإعلام آخذينها من أهلها قبل أن يتصرف بها أحد من خارج أهل الاختصاص، وهنا يأتي واجب أهل الاختصاص في الإسلام أو الناطقين باسمه أو الموكلين بحمايته، وان كان صحيحاً أن للبيت رب يحميه - كما هو معروف - إلا أن من واجب المعنيين أن يبذلوا قصارى جهدهم لتوفير المعلومة الصحيحة عن الإسلام ووضعها تحت تصرف أرباب الإعلام قبل دخول المحرف أو المزيف أو المغرض عليهم، لأنه لو حصل خلاف ذلك فإننا سندخل دائرة ردة الفعل والإيضاح على الإيضاح وفي عالم الإعلام الحديث اليوم فان ما يظهر أولا هو الخبر عادة ولا غير!
2 - أن نعمم ثقافة الإعلام المسئول، بمعنى الإعلام الهادف إلى كشف الحجب عن المجهول من الأمور في إطار توضيح صورة ما هو ظاهر ومكشوف، وليس البحث عن العيوب وكشف العورات وتصيد الزلات. وما المانع إذا ما عممنا ثقافة «إن الله ستار العيوب»، وانه إذا ما بليتم بالمعاصي فاستتروا، كثقافة إعلامية أيضاً وليس فقط كثقافة اجتماعية محضة!
3 - إن تجنب أفخاخ إمبراطورية «عاجل» الإعلامية التي تبحث عن السبق الإعلامي والصحافي بأي ثمن كان، حتى بقيمة إشعال فتنة أو حرب أهلية أو تمزيق وطن وتفتيت كيان أمة أو شعب من الشعوب.
4 - استخدام ثقافة العدسة المركبة في الإعلام وليس العدسة ذات البعد الواحد، لأن ذلك من شأنه كشف الأبعاد الأخرى غير المرئية في الصورة الأحادية وبالتالي تجنب ظاهرة تغليب الجزء على الكل من الشيء أو الظاهرة. حتى لا نصبح مصداقاً للقول الشهير: «حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء».
5 - تصحيح الصورة الأصلية لدينا، عن مبادئ ديننا وثقافتنا الإسلامية، أي الانطلاق من الواقع الأصلي المشوه الذي نعيشه كما هو، ومن ثم الإذعان بوجود النواقص فينا وتشخيصها وعدم إنكارها أو صب جام غضبنا على من اكتشفها أو رصدها بنية حسنة وبغرض الإصلاح، بل مساعدته في المهمة وإعانته في الإقدام على عمل الإصلاح وكما يقول الشاعر الإيراني الكبير سعدي الشيرازي: إذا ما عكست المرآة قبح وجهك أصلح وجهك لا تكسر المرآة.
6 - تشجيع الطلاب والطالبات في المعاهد العليا في بلادنا وفي بلاد المهجر بالتوجه الجدي للتخصص في فرع «الاستغراب» مقابل فرع الاستشراق الذي يقبل عليه الغربيون يوماً بعد يوم للتعرف على ديننا سواء بنوايا حسنة أو نوايا سيئة لا فرق.
وهنا يأتي دور وسائل الإعلام والكتاب وأرباب الرأي الذين بإمكانهم أن يلعبوا دور الأستاذ والمعلم والداعية لمثل هذه العلوم، إذ يمكن تخصيص برامج مشوقة وخصوصاً في هذا السياق ما يدفع الطالب والمتعلم للفضول والبحث عن المزيد في هذا الحقل الواسع الأمر الذي يجعل قضية الدفاع عن ديننا وعن ثقافتنا وحضارتنا قضية علمية وعقلانية أكثر مما هي فورة عاطفية وإحساسية عابرة تمر مع مرور الحدث.
7 - الاتفاق على ميثاق شرف بيننا وبين المنصفين والعقلاء من وسائل إعلام الغرب نضع فيه قواعد عامة للتعاطي مع الموضوعات الحساسة من الدين أو العقائد أو الأعراف والتقاليد المحترمة لدى مختلف الشعوب والأمم يفرق على أساسها بين النقد العلمي والعرض المحايد وبين التجريح أو إيذاء مشاعر الآخر.
8 - إطلاق سلسلة معرفية عامة في إعلامنا الفضائي والمكتوب يشرف عليها علماء ونخبة من أهل العلم والاختصاص عنوانها العريض: «اعرف دينك» يكون الهدف من ورائها توعية أبناء ديننا والآخرين بالأفكار العامة بتلاوينها وتعدديتها وتنوعها كما هي متداولة لدى الشعوب والأمم من دون تعسف أو ابتسار أو إصدار شهادات حسن سلوك لأحد أو جهة أو طرف أو شهادات إدانة ضد أحد أو طرف! وذلك في إطار ما ذهب إليه أحد العرفاء عندما لخص التعددية في الرأي والقراءة بقوله: «إن طرق الوصول إلى الله بعدد أنفاس الخلائق»
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1534 - الجمعة 17 نوفمبر 2006م الموافق 25 شوال 1427هـ