زرت مقر جمعية الوفاق الوطني الإسلامية مرتين. ولا أتذكر أنني قرأت على أحد جدرانها عبارة مثل: جمعية الوفاق «للتنازلات الأخلاقية». فلماذا يتحدث الجميع عن ضرورة أن تكون الوفاق «أخلاقية» جداً، في انتخابات تنافسية، من قواعدها السياسية ألا تكون أخلاقياً، ما خلا حدود الدعاية الانتخابية.
يُكثر المترشحون المستقلون في دوائر «الوفاق» من التهديد بكشف أوراق ستكشف بحسب ما يزعمون الممارسات اللاأخلاقية لمترشحي «الوفاق» ورموزها الدينية عليهم. ولأننا في موسم انتخابي، فمن الضروري أن نسمع كل شيء، لكن ليس من الضروري أبداً أن نصدق أي شيء.
حاولت بادئ الأمر تفهم الذين صعدوا من انتقاداتهم لمترشحي «الوفاق» مستنكرين استثمارهم لـ «الجانب الديني» في حملاتهم الانتخابية. لكن، بعد قليل من التروي، لعلي أخرج بنتيجة مغايرة، وهي أن «الوفاق» نفسها ستكون غبية جداً إن لم تستثمر «الجانب الديني» في الانتخابات. لا أجد في الحقيقة أية دلالة منطقية على ألا تستخدم جمعية سياسية دينية التوجه «الديني» لترويج برنامجها السياسي فضلاً عن مترشحيها في تنافس انتخابي مفتوح، وكذلك هو الحال بالنسبة إلى الجمعيات الإسلامية السنية (الأصالة والمنبر)، الفارق الحقيقي هو هل يصدق الناس خطابات الجمعيات الإسلامية أم لا؟ وهنا مساحة أخرى، وقضية مختلفة. أي أن الجمعيات السياسية الإسلامية اليوم تحظى بثقة جماهيرها، وأيها سقطت في الميزان، وانتهت فاعليتها في الشارع السياسي؟
لجمعية الوفاق «الإسلامية»، أن تستثمر «إسلاميتها» و«علماءها» وذلك تسويق سياسي منطقي بالضرورة، من باب استثمار الأدوات المقربة للجمهور (التسويق السياسي/ راسم الجمال - خيرت عياد). وفي الجهة المقابلة للقوى الليبرالية أن تستثمر ما تنتصر به، ولا يلام الليبراليون حين يصدرون خطابات مفادها «لا تنتخبوا التكفيريين- هؤلاء ظلاميون - هؤلاء أعداء التطور». الأمر في حقيقته انتخابات تنافسية، ولا أدري لم يذهب البعض إلى اعتبارها مساحة للأخلاق والأفلاطونية.
وليس من المبالغ فيه أبداً، أن أدعي أن «الوفاق» لم تفلح أصلاً في استغلال أدواتها المتاحة كاملة، فـ «الوفاق» - والتي تمتلك الرصيد الشعبي الأكبر بين الجمعيات السياسية في البحرين - فشلت في أن تحسم دائرة واحدة من دوائرها في المحافظتين الشمالية والعاصمة.
وكما أن لـ «الوفاق» قوتها، فلها مواطن ضعف، إسلامية هي في المحصلة، تتحدث عن شراكتها المزعومة مع قطاع رجال الأعمال، وأنها ستكون حليفاً للاقتصاد الحر والمفتوح، والمفتوح جداً. على رغم أنها ستنتفض وترتعد وتزبد في حال تورطت في إدانة حفلة راقصة، أو حفلة للمِثليين. عندها ستظهر الكتل الإسلامية على اختلاف مرجعياتها في طيف واحد معادٍ للسوق، ومناهض للحريات الشخصية، «الوفاق» لن تغير نفسها بين يوم وليلة. إسلامية مجملاً، نعم. أخلاقية بالمطلق، طبعاً لا
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1534 - الجمعة 17 نوفمبر 2006م الموافق 25 شوال 1427هـ