في كل زمن يأتي شخص ويهز القواعد المتفق عليها، محطماً المألوف عبر نظرة جديدة. وعادة ما تكون هذه النظرة راسخة في أسلوب جديد. من الخوارزمي إلى فرويد وغيرهم ممن دونت أسماؤهم في كتب التاريخ، أتت معهم موجة جديدة في الفكر والبحث عن الحقيقة. قد يصيبوا أو يخطأوا (مثلا، عادة ما تستنكر اليوم بعض نظريات ومفاهيم فرويد)، لكن لا أحد كامل. المهم هو أنهم مهدوا الطريق لغيرهم من الذين لا يخافون اجتياز المعتاد عليه. أولئك الذين يريدون أن يجدوا حقيقة لأنفسهم وأن يشاركوا العالم تلك الحقيقة. وعادة، موجة التغيير تلك لا تأتي فجأةً مثل التسونامي.
بل هي موجة متدفقة على مدى وقت أطول، ولكن مع كل تدفق تزداد قوة حتى تتمكن من لفت أنظار الجميع. فحديثاً سمعنا الكثير عن الاقتصادي ستيفن ليفت، بما فيه كتابه الشهير «فريكونومكس». ولكن لم يلتفت العالم بأكمله الى ليفت عندما بدأ في طريقة تفكيره غير المألوفة. فبدأ بنشر الدراسات الأكاديمية، وإلقاء المحاضرات, وتدريجياً أصبحت فكرة ليفت ملحوظة ليس فقط من قبل الاقتصاديين بل أيضاً السياسيين والصحافة. وأخيراً بلغ صيته القمة في كتابه المذكور أعلاه، حيث تقبل الكثيرون فكرة «فريكونومكس» والتي تحتضن روابط تبدو غير واضحة في بادئ الأمر، لكنها في الواقع أكثر وصفاً للحقيقة مما اعتدنا سماعه من الاقتصاديين والسياسيين وغيرهم من ذوي الكلمة المسموعة. ويمكن وصف ستيفن ليفت بـ «سوبرستار» من بين زملائه الاقتصاديين. فهو الشخص الذي يجسد لطالب الاقتصاد ما يمكن السعي إليه في مجال ينعت أحياناً بالعلم الكئيب. فلدى ليفت نظرة غير باقي الاقتصاديين, ولدى قراءة كتابه ينبعث الأمل في مجال كثرت فيه الأرقام والإحصاءات لكن نادراً ما يفهم سرها أحد.
طبعاً، بعض الأمور التي يتطرق إليها ليفت قد تزعج من تعود على ما هو مألوف (مثلاً، يوضح ليفت بأن هبوط معدل الجرائم في أميركا ناتج عن عدم تجريم الإجهاض؛ حيث يمنع ولادة أطفال قد لا يحظوا بتربية سليمة بسبب غياب الأم وظروفها). لكن حتى إذا فزعت من بعض الأمور التي يقولها ليفت، فلا يمنعك أمر من أن تثابر كما فعل ليفت والتفكير خارج المأهول لتصل إلى حقائق قد تفوق ما يحتويه كتاب «فريكونومكس». والتاريخ يعلمنا بأنه لا يمكن لأحد أن يتشبث بالحقائق والمفاهيم المعترف بها حالياً لأن هناك دائماً مفهوماً آخر جاهز ليحل في الصدارة.
كما ذكرنا، لكل زمن مفكر يفتح أعيننا على أمور لم ندركها من قبل. قد يكون هذا الشخص ليفت اليوم، قد يكون شخص آخر في الغد. المهم هو أن نكون مدركين بأن مهما بانت لنا الحكم التقليدية المعتاد عليها, يجب أن نعلم بأن مازالت هناك تقاليد،وسرعان ما نجد مفاهيم جديدة تتغير
العدد 1532 - الأربعاء 15 نوفمبر 2006م الموافق 23 شوال 1427هـ