بين “القوائم الإيمانية!” ومناورات الحكومة التي لن تنتهي، ومَكَنَة دعاية التسقيط التي تبنتها تيارات، وصحف، وأجهزة، ضد عدد من المترشحين الوطنيين الذين لم تتلوث نواياهم بالتواطؤ أو أيديهم بالسرقات، والممارسات اللاأخلاقية التي تبنتها بعض الجمعيات من خلال خفافيشها للإشراف على ملف “التخريب”: تخريب الإعلانات والملصقات، وحرق الخيم والمقار الانتخابية، علاوة على بعض الرسائل النصيّة التي ستكون بمثابة تمهيد ضروري لأوضاع خطيرة وحرجة ستمر بها المملكة - ما لم يتم تداركها ووضع حد لها - يضاف الى ذلك بعض البرامج الانتخابية التي تحلّق في عالم لا علاقة له بهذه الجزيرة، وكأنها تنطلق من أرضية ممهدة، وممارسة معافاة من نواقصها وأحيانا مصادراتها، وأحيانا أخرى التفافها وقفزها على القانون... كل ذلك يبعث في النفس أسى لا يمكن اخفاؤه أو التغاضي عنه، أو حتى توهم أنه ممارسة تتطلبها حمى تجتاح الجميع، أو ربما أمل يراد له أن يؤصَّل ويؤكَد بعد الإخفاقات والفشل الذريع الذي منيت به 4 سنوات لم ترق حتى لمستوى السبع العجاف زمن نبي الله يوسف (ع).
عوّل كثيرون على منح الانتخابات الحالية زخماً حقيقياً سيترك نتائجه حين يبدأ الفصل التشريعي، على رغم تحفظ تيار - وإن كان غير عريض - على مشاركة الجمعيات المقاطعة في العملية الانتخابية - وهو تحفظ ذو وجهين: وجه المناصرين للجمعيات المقاطعة سابقاً، ووجه بعض أجنحة السلطة والمحسوبين عليها، وهو تحفظ تظل مآلاته في نهاية المطاف إلى: لا نتيجة، و”اللي مو عاجبه” يشرب من جميع البحار التي جاء منها المتجنسون عنوة، لزوم خلق توازنات ارتأتها الحكومة مصيرية وضرورية، وإن مات المواطن همّاً وكمداً.
ضمن هكذا صورة... وضمن هكذا واقع، تظن أنه متحرك في تعاطيه مع الممارسة، وتجيير جوانب منها لصالح ما يراد تحقيقه من نتائج وإن جاءت على حساب النسيج والوحدة الوطنية، ويقظة العقلاء بتدارك ما يحاك ويدبّر هنا وهناك، فإن واقع الأمر يشي بخلاف ذلك، ويؤشّر إلى حال من التراجع في الوعي الذي من المفترض به أن يتراكم مع مرور الأيام والسنوات، وهو اللازمة التي كثيراً ما يلجأ اليها أنصاف المنظرين وأرباعهم من الذين يرون في هذه الممارسة “أم البدع” ساعة يطل الحديث برأسه عن هكذا حق، في محاولة لتأبيد حال الوصاية، وفرملة حال التراكم الذي من المفترض به أن يفيض في فترة من الفترات، وخصوصاً إذا ما ارتبط بواحد من الثوابت في الحقوق: الخيار، وما يترتب على ذلك الخيار من إدارته لدفة مصائر ووعي وإنجاز وحتى إخفاق وفشل وأحياناً انتحار، وليس بالضرورة أن يكون انتحاراً في جانبه المادي المتعارف عليه.
أكثر ما يبعث على القلق والخوف، هو نمط من الممارسة لم يكن مفاجئاً - على الأقل ضمن محيطنا العربي والإسلامي - ولكنه هذه المرة صارخ في مباشرته واستقوائه ومصادرته وتصنيفاته وفرزه وحتى إقصائه... إقصائه لرفاق درب ومرحلة ومواجهات مرت بها البلاد، وحين استوى كل على عرش شارعه وجمهوره، تطلع علينا أصوات تختزل الإنجاز - كل الإنجاز - وما تحقق في حدودها وتوجهاتها والمنتمين إليها، ناهيك عن الوصاية المباشرة والفاقعة في حال الإملاء وأحيانا التهديد والوعيد والتسقيط والتخوين لأفراد لا مشكلة لديهم مع تلك الأصوات والجهات سوى أنهم ارتأوا العمل بعيداً عن سقف المؤسسة التي لا شك تحد من أفق الخيار والرؤية، من دون أن تبيّت نية للمواجهة مع أي كان، لتجد نفسها في نهاية المطاف إما عرضة للضغوط فتؤثر السلامة طالما أنها تتحرك ضمن محيط وفضاء واحد لا يمكن التواؤم معه في ظل حصار آني سيعقبه حصار أشد قسوة ربما يظل مؤبّداً، وإما الذهاب إلى نهاية الشوط الذي وإن حققت فيه نجاحاً فإنه سيتطلب ضرائب فادحة قد لا تقوى مع مرور الوقت على الالتزام باستحقاقاتها
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 1529 - الأحد 12 نوفمبر 2006م الموافق 20 شوال 1427هـ