العدد 1527 - الجمعة 10 نوفمبر 2006م الموافق 18 شوال 1427هـ

الإنشاءات وكر الفساد (2/2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

رئيس منظمة الشفافية الدولية في برلين بيتر آيجين أكد أن الفضيحة التي تم الكشف عنها في برنامج الأمم المتحدة (النفط مقابل الغذاء) الخاص بالعراق يوضح الحاجة الملحة لوضع قوانين صارمة في ما يتعلق بتضارب المصالح، وأهمية الانفتاح في عملية المناقصات والعطاءات. فقال: إن غالب الأموال المتوقع إنفاقها في عمليتي البناء والشراء في العراق لم يتم إنفاقها بعد، فإذا لم تتخذ خطوات سريعة سيصبح العراق عندئذ أكبر فضيحة فساد في التاريخ الإنساني المعاصر.

الخسائر الناجمة عن الفساد

صرح آيجين بأنه يمكن قياس حجم الفساد من خلال حجم نشاط قطاع الإنشاءات والذي يقدر بنحو 3200 مليار سنوياً، وأن تقرير الفساد العالمي 2005 يرصد حالات مفصلة وقعت في مشروعات على مستوى كبير في البنية التحتية، منها ما دفع رشوة لضمان الفوز بعقد بناء مثل مشروع سد في لوسوتو، وكذلك تورط بعض السياسيين في قضية فساد في عملية شراء جهاز حرق النفايات في ألمانيا ـ تولون.

يقول آيجين: «إن الفساد في الإجراءات المتبعة لاختيار العقود يبقي الدول النامية مثقلة بأعباء بنية تحتية غير مطابقة للمواصفات والمقاييس وتزيد من ديونها الخارجية». ويضيف مشيراً إلى أن كل ما يمكن أن يفعله الفساد هو رفع الكلفة وتخفيض نوعية البنية التحتية، ولكن نتائج الفساد تظهر أيضاً في فقدان الأرواح، وأن الدمار الذي تخلفه الكوارث الطبيعية كالزلازل أكثر ما يظهر في الأماكن التي تلقى منها مفتشو المباني الرشوة من أجل غض النظر عن أنظمة التخطيط والبناء.

كذلك يوجه الفساد الأموال المخصصة بعيداً عن برامج الصحة والتعليم ليتجه بها نحو مشروعات البنية التحتية الكبيرة، وكذلك فإن الفساد قد تكون له نتائج بيئية كارثية، ونذكر على سبيل المثال: مشروع سد ياكريتا في الأرجنتين ومشروع بناء محطة توليد الطاقة النووية في «جاتان» في الفلبين ومشروع بناء سد بوجا غالي في أوغندا وهذه المشروعات كانت موضع ادعاء وتساؤل بأنها استخدام غير مناسب للأموال.

خطوات منع الفساد

تماشياًً مع نشر تقرير الفساد العالمي 2005، أطلقت مؤسسة الشفافية الدولية مبادرة دولية تهدف إلى القضاء على الفساد في المشروعات الإنشائية. ويقول مدير مشروع الهندسة والبناء في الشفافية العالمية نيل ستانزبري: «سيقل الفساد في مشروعات الإنشاءات إذا ما قامت كل الأطراف بتطبيق المعايير التي تمنع الفساد وهذا يتطلب خطوات دولية منسقة من قبل الحكومات والمصارف ووكالات الاقراض الدولية وأصحاب المشروعات والمقاولين وبقية الأطراف الأخرى ذات العلاقة».

وقد وضعت الشفافية الدولية سلسلة من تخمينات المخاطرة ورسمت خططاً وطرقاً لمنع الفساد في قطاع الإنشاءات وستلجأ إلى كسب تأييد المنظمات ذات العلاقة من أجل اتخاذ إجراءات لمنع الرشوة.

وقد تضمن التقرير العالمي للفساد 2005 كذلك تقارير وتقييمات مفصلة عن الفساد في 40 دولة أعدته الشفافية الدولية وخبراء آخرون. وتضمن التقرير أحدث النتائج المتعلقة بأبحاث الفساد وأفضل الطرق لمحاربته. ودراسات عن العلاقة بين الفساد وقضايا مثل التلوث، النوع الاجتماعي والاستثمار الأجنبي.

الفساد في الدول العربية

حذر بيتر آيجين من أن التحدي الأكبر الذي تواجهه منظمة الشفافية الدولية في منطقة الشرق الأوسط والدول العربية تحديداً هو تكتم الحكومات والمؤسسات الرسمية على المعلومات وتحديداً المالية، والتعتيم الإعلامي على كل التفاصيل المتعلقة بالموازنات وغيرها.

وقدر عضو المجلس التشريعي في رام الله والمنسق العام لمنظمة الشفافية الفلسطينية عزمي الشعيبي، القيمة الإجمالية للخسائر الناجمة عن استشراء الفساد على رغم غياب إحصاءات رسمية بنسبة 30 في المئة من الدخل القومي العربي وبنسبة 20-30 في المئة في فلسطين. وأعرب الشعيبي عن أسفه الشديد لأن عدد الدول العربية المشاركة في تقرير الفساد 2005 كان معدوماً مقارنة بتقرير 2004، إذ لم يتوفر سوى تقرير واحد فقط وهو تقرير فلسطين، بينما شاركت في تقرير العام 2004 أربع دول عربية وهي فلسطين ومصر والجزائر ولبنان.

وأشار الشعيبي إلى أن غياب الإرادة السياسية الجادة من قبل الحكومات العربية في مكافحة الفساد يشكل تحدياً كبيراً في السنوات المقبلة لبرنامج منظمة الشفافية الدولية الأم والمؤسسات المدنية في المنطقة التي تعمل على تكريس نهج الشفافية في المجتمعات.

وأكد الشعيبي أن الفساد في الدول العربية يتخذ شكلاً عاماً بل إنه يكاد يصبح عادة سلوكية مثل تقديم الرشاوى في مصر وسورية لتسهيل المعاملات الحكومية، والواسطة والمحسوبية في فلسطين. وقال إن أبرز مظاهر الفساد وأخطرها توجد في مراكز النفوذ على رغم أنها تندرج تحت تصنيف الحالات الفردية.

من جانب آخر أكد آيجين أن دور منظمة الشفافية الدولية التي هي أساساً منظمة مدنية وغير حزبية أو ربحية يتمثل في نشر مفهوم الشفافية بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني في مختلف أنحاء العالم، مشيراً إلى أن مهمة المنظمة «هي التعاون مع الناس وإرشادهم إلى أساليب منهجية تمكنهم من تحليل مشكلاتهم وفهمها ليتمكنوا من حلها والتغلب عليها، وإذا كان هناك خطر حقيقي يهدد استقرار المجتمعات المدنية فهو بلا شك الفساد بكل أشكاله».

وقال: «الفساد باختصار يقضي على حياة الناس، والفساد الموجود في قطاع الإنشاءات هو الخطر الكبير الذي برزت معالمه أكثر من أي وقت مضى إثر كارثة تسونامي التي قضت على مئات الآلاف من البشر، وتسللت خيوطه إلى مشروع إعادة إعمار العراق وإلى أماكن أخرى من العالم. لهذا قررنا الكشف عن آثار الدمار والفقر التي لحقت بالبشرية بسبب الفساد والرشوة في قطاع الإنشاءات حول العالم عبر نشر تقرير الفساد 2005».

وأكد أن القضاء على الرشوة والفساد أمر يمكن تحقيقه، إذ بدأت جهود منظمة الشفافية العالمية تؤتي أكلها في أكثر من 22 دولة في العالم، وأن المنظمات الدولية الأخرى تحث الخطى من أجل تطبيق معايير الشفافية التي تساهم في الحد من انتشار ظاهرة الفساد، ولعل قرار البنك الدولي الذي يفرض على المصارف والشركات تقديم إثباتات بعدم تورطها في الرشوة هو دليل على أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح.

وأكد إيجين أن بناء مجتمع خالٍ من الفساد يحتاج إلى جهود طويلة ومتواصلة ولاسيما أن هناك أكثر من 4 تريليونات دولار تنفق سنوياً لرشوة الحكومات ابتداء من قطاع الإنشاءات الخاص بالمدارس والمخازن والأشغال العامة، إذ تتوافد التقارير التي تؤكد أن هذا القطاع يشكل أكبر بؤر الفساد في العالم وأنشطها سواء في الدول المتقدمة أو النامية. وأضاف «لقد قضت الزلازل خلال الخمسة عشر عاماً على 150000 إنسان، والحقيقة أن الزلازل لا تقتل الناس بل المباني الآيلة للسقوط هي التي تقتل الناس في تركيا وإيران وإيطاليا. فهذه المباني تنهار لأنها لم تبن وفق الحد الأدنى من المواصفات المعمارية، ولأن الأموال المخصصة للبناء يتم غالباً قضم نصفها على شكل رشوات وعمولات من تحت الطاولة».

وأضاف مشيراً إلى حجم الرشاوى على المستوى العالمي، فقال: «لقد بلغت قيمة الرشوة في العالم ما يوازي 4 تريليونات دولار، وتعتبر الجرائم المالية هي أكثر الجرائم نمواً في العالم، وتقدر قيمتها بنحو 500 مليار يورو في السنة، وفقاً لجهاز الاستخبارات الألمانية الفيدرالي، والسؤال الذي نطرحه دائماً: هل من الطبيعي أن نقف كمتفرجين على ما يحدث؟».

إن المبالغ التي تهدر سنوياً في العالم بسبب الرشاوى في مجال المشتريات وفي المشروعات الحكومية تقدر بنحو 400 مليار دولار سنوياً على الأقل، وإذا لم لنتحرك لوقف هذه الكوارث الاقتصادية التي تستنزف موارد الشعوب والدول فلن نتمكن من الحديث عن التنمية والعدالة والحرية أبداً».

وأكد الرئيس التنفيذي لمنظمة الشفافية الدولية ديفيد نوسباوم أن (تقرير الفساد العالمي 2005) يركز على قطاع الإنشاءات وإعادة الإعمار ما بعد الحروب والكوارث تحديداً، لأنه غالباً ما يصنف كأكثر القطاعات الاقتصادية فساداً في العالم، ولهذا قررت المنظمة تسليط الضوء على مختلف جوانبه.

وأكد نوسباوم أن حل هذه المشكلة يأتي من داخل المجتمعات المدنية التي تعاني من أخطار الفساد، فهي مطالبة بالضغط على الحكومات لتغيير القوانين ووضع الضوابط الرادعة للفساد والسماح بحرية الحصول على المعلومات ومحاسبة المفسد وملاحقته.

وأعرب نوسباوم عن ارتياحه للنتائج التي تحققت في الفترة الماضية في بعض الدول العربية على مستوى محاربة الفساد، ولاسيما في لبنان والمغرب، وأكد أن أصعب التحديات التي تعوق تحقيق الشفافية هي نقص المعلومات وصعوبة الوصول إلى المصادر.

وأكد أن أسخن ملفات الفساد في المنطقة موجودة في قطاع النفط والغاز الحكومي، إذ تتدخل الحكومات بشكل مباشر في هذا القطاع وتتنافس الشركات الكبرى للحصول على تلك العقود، وتدفع الكثير للحصول على تلك العطاءات، ويلي ذلك قطاع الإنشاءات الذي لا يقل سخونة عن سابقه، إذ تشهد المنطقة فورة عمرانية كبيرة تقدر بمليارات الدولارات، وهي بذلك توفر مرتعاً خصباً لأكثر القطاعات الاقتصادية فساداً في العالم وهو قطاع الإنشاءات، إذ تبذر الملايين على شكل رشاوى بدلاً من توظيفها في بناء المستشفيات والمدارس والمرافق الخدمية.

وأعطى مثلاً على هدر المال الحاصل في مشروعات إعادة إعمار العراق، وبرنامج النفط مقابل الغذاء.

نشاطات منظمة الشفافية في المنطقة العربية

تنوي فروع منظمة الشفافية الدولية في المنطقة العربية القيام بإعداد كتاب مرجعي عربي لمحاربة الفساد، وسينشر في شهر مايو/ أيار المقبل، وقد ساهم فيه ناشطون من مختلف الدول العربية، كما سيقوم منتدى الشفافية الأردني بإصدار أول مجلة متخصصة في محاربة الفساد في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وستوزع على المستوى العربي تحت اسم «سماء» بالإضافة إلى موقع إلكتروني متخصص في نشر مبدأ الشفافية ومحاربة الفساد.

تقرير الفساد 2005 يسلط الضوء على الفساد في العراق الجديد

وأوضح التقرير أن الفساد ينشط في ظروف التغيير والارتباك أكثر، وأن العراق يشكل حالاً دقيقة ومعبرة عن الفوضى والتسيب السياسي والإداري بحكم الظروف التي يعيشها منذ سنوات من عدم الاستقرار، فغالبية المؤسسات تكافح جاهدة لمعرفة العدد الحقيقي للعاملين فيها ويتقاضون رواتبهم منها. لأن غالبية هذه المؤسسات الرسمية تنقصها البيانات والإحصاءات.

وخلص التقرير بالحديث عن العلاقة بين الثقة والفساد عكسية بشكل دائم؛ فالدول ذات الصدقية ومعدلات الثقة العالية، يقل فيها الفساد بشكل كبير، والعكس بالعكس، كما نوه إلى أن الثقة والأمانة أهم من وجود مؤشرات تركيبية مثل مستوى الديمقراطية أو الاستقرار السياسي

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1527 - الجمعة 10 نوفمبر 2006م الموافق 18 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً