العدد 1524 - الثلثاء 07 نوفمبر 2006م الموافق 15 شوال 1427هـ

شيلوك زمانه!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

شيلوك هو بطل مسرحية وليام شكسبير: «تاجر البندقية»، التي تتحدث عن مرابٍ يهودي في مدينة فلورنسا الإيطالية (البندقية)، ينتهي به الجشع إلى أن يفرض على غريمه التاجر الشريف (أنطونيو) أن يقتطع رطلاً من لحم فخذه، مقابل إقراضه ما يحتاجه من مال. ووافق أنطونيو لاطمئنانه من قدرته على رد المال في الموعد المحدد، لكنه عندما عجز عن ذلك أصرَّ شيلوك على اقتطاع رطل اللحم... ونُصِبَت المحكمة لإ شباع نهمه للمال.

شكسبير كان يصوّر يهودياً مرابياً عاش قبل خمسة قرون في مجتمعٍ مسيحيٍّ يكرهه، لكنه مضطرٌ إلى التعامل معه بحكم الأمر الواقع. مرابٍ لا تحكمه قيمٌ ولا مبادئ ولا أخلاق، ولا يفكّر بغير مراكمة المال، وفي سبيل ذلك هو مستعد لنهش لحوم البشر وتقطيع أوصالهم.

هذه العقلية الشيلوكية خرجت من حدود مدينة البندقية، في عصر العولمة، لتقتحم كل مكان فيفرّخ أنصارها كالجراد... وخصوصاً في زمن الانتخابات، أفراداً وجمعيات! ففي زمن الانتخابات، تُنصب الخيام، وتُقدّم الولائم والوجبات، وتُصرف الشيكات! وهناك من يدفع نقداً (20 و30 و 50 ديناراً)، وهناك من يدفع عيناً (جواني عيش ومكيفات وثلاجات). الجديد أن هناك نائباً شيلوكياً يطمح في إعادة الترشح، رصد مبلغ 500 دينار للصوت، بعد أن أيقن بأن أبناء دائرته لن ينتخبوه أبداً لأنه خذلهم ولم يروا وجهه طوال السنوات الأربع الماضية، ولم يتذكّرهم إلاّ قبل أسبوعين فقط!

وهناك شيلوكي آخر، شوهد قبل ليلتين وهو يجمع المتجنسين الجدد من شبه القارة الهندية، ويدفع لهم مبالغ نقدية (كاش) لشراء أصواتهم، وخصوصاً أن المعركة في دائرته ستكون حامية الوطيس، إذ يتناطح مع اثني عشر مترشحاً، لكلٍّ منهم أنصاره وعصبته، أما هو فلا يملك غير الاستقواء بالآسيويين!

إلى جانب الأفراد، هناك جمعياتٌ شيلوكية أيضاً، رصدت لكل مرشح منها مبلغ 20 ألف دينار، بما يبلغ مجموعه 160 ألف دينار، وهي تنفي أن تكون أموالاً «مسروقة» من الصدقات والزكوات، وتصرّ على أنها من بنود أو مصادر أخرى، لكنها لا تجرؤ على الكشف عنها، لأن كل شيلوكي مهما علا صوته وتبجّح في حجته، فإنه يظل دائماً مرعوباً من الانكشاف والفضيحة. وهو ما يفسّر الرفض المطلق لهذه «الجمعيات المدللة» المشاركة في أية مناظرة علنية مع الجمهور كما تفعل بقية الجمعيات، لعلمها بأن أول سؤال سيطرحه عليها الجمهور هو: «من أين لكم كل هذه الأموال»؟!

على أن شيلوك زمانه بحق، هو ذلك التاجر «الكتّيب»، الذي كان يكتب افتتاحيةً واحدةً في السنة، مثل بيضة الديك، عن توم بين وجون آدم، وعن الليبرالية والليبراليين، حتى تكاد تؤمن بأن «الليبرالية هي الحل»! أما في موسم الانتخابات، فقد تفجّرت قريحته وأخذ يكتب في اليوم الواحد ثلاث افتتاحيات، للمقارنة بين ديمقراطيتنا وديمقراطيتهم، وجمعياتنا وجمعياتهم، وشعوبنا وشعوبهم، وينسى المقارنة بين دولنا ودولهم، وصحفنا وصحفهم، ومرابينا ومرابيهم!

هذا الشيلوكي المخضرم، نسي الليبرالية والليبراليين في طرفة عين، وأخذ يفكّر في قضم نصيبه من كعكة الـ «160 ألف دينار»، حتى لو كان الثمن نشر مقالات مدفوعة الثمن، موبوءة بأردأ أنواع السباب وأقذع الشتائم، تفوح منها رائحة وأفكار القرون الوسطى!

شكسبير، للخروج من عقدة المسرحية، قام بإنقاذ أنطونيو في المحكمة، عندما اشترط على شيلوك أخذ رطل اللحم من دون إراقة دماء، فعجز عن ذلك فخسر قضيته، لكن من ينقذ شعباً كاملاً إذا ابتلي بكل هؤلاء الشلاليك المرابين... نواباً وسماسرةً وكتبةً مرابين؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1524 - الثلثاء 07 نوفمبر 2006م الموافق 15 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً