لابد أن نقر في البدء أن شيئاً ما يبث الخوف بات يحيط بتجربتنا السياسية، هذه الحوادث المتسارعة علينا تشق الأنفس، ولابد أن تكون محصلة هذا التسارع مركزية ثقة نقف عندها، حتى لا نصل في نهاية هذا الدوران إلى نفق مسدود.
لماذا البحرين الكبرى تحديداً، في هذا الملف الذي حاول سبر الرؤية الخلدونية بطريقة أو بأخرى نحاول أن نكون أكثر إيجابية ومثالية على قدر ذلك الحجم من التشاؤم الذي خالط ما كتبناه.
السر في هذا التشاؤم هو الخوف من ألا نجد بعد الخامس والعشرين من الشهر الجاري ما نقف عليه، فننزل في هوة انعدام الثقة والإحساس بالمؤامرة الكبرى، حينها فقط ستكون الطرق - كل الطرق - مسدودة. نحاول من هذه الرؤية أن نبث شيئاً من أرواح السابقين الميتة، أرواح من أحبو البحرين وضحوا من أجلها، وإذا كنا لم نذكرهم بالاسم، فإننا من خلال ابن خلدون ذَكرنا بهم، وبطموحاتهم الكريمة وبوطنيتهم الصادقة.
الخوف الذي يلف أجواءنا السياسية بعد الخامس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني هو خوف من ذلك الاصطفاف البغيض، والطائفي طبعاً. هذا الاصطفاف الذي بات ضيقاً بخيم المترشحين الانتخابية ما استطاعت أن تتسع أو تكبر. أنفاس الناخبين مخلوطة بالتمهيد للطائفية أو الانحسار فيها، وإذا كانت الدعايات الانتخابية مترفة بمفردات الوطن والمواطنية فهي تحمل في ما وراءها «الكثير» مما يناقض ذلك.
هذا الاصطفاف إذا ما أضفنا إليه عظيم الجرح وانكسار الثقة نجد أن لا طريق لنا سوى الاستنجاد بالماضي، والماضي هو «البحرين الكبرى» التي ألهتنا أطماع السياسة أن تكون ضمن أولوياتنا، هذه الأخلاقوية المرضية التي تكبلني منذ مدة أجدها «ردة فعل» لا «فعل»، وردة الفعل هذه تخاف من أن تنكسر آخر روابط الوطن الواحد أمام السنة الأولى من التجربة البرلمانية المكتملة، أما الخروج من شرنقة السنة الأولى فهو لا يعني الوصول إلى حد الطمأنينة بقدر ما يعني الانتظار أن ننجو من السنة الثانية، تجتمع هذه الحالات المرضية من الخوف لتصنع للمرء شيئاً من الانكماش، هذا الانكماش لا يحس بالطمأنينة إلا في البحرين الكبرى، في الدائرة العاشرة داخل المحافظة السادسة، إذ لم يترشح أحد، ولعلنا لن نجد على مقاعد المجلس النيابي من يمثلها.
محصلة المحصلة، أو تسلية الفقد، هي في أن نجوب معكم في هذا الملف حدود مقدمة ابن خلدون لسببين اثنين، الأول أن نحس بحال مركبة من الغباء في أننا لا نستفيد من تجاربنا البتة، أما الثاني فهو التبشير بما قد يكون في حال أهملنا مقتضيات النص الخلدوني تحديداً من دون رعاية أو اهتمام، عندها سيكون لنا مع مقدمة ابن خلدون ملف آخر، وقراءة أخرى لا نتمنى أن ننجزها لكم اليوم ذاته، فعنوانها ذلك الحين لن يزيد عن «بدأت المحرقة»
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1523 - الإثنين 06 نوفمبر 2006م الموافق 14 شوال 1427هـ