لا أدري لِمَ هذا الرواج المثير لمفردة «الحداثة» هنا وهناك؟ هذه الكلمة الملعونة قبل عام أو عامين تتصدر أدبيات الجميع، يخرج رجل الدين من تاريخه النضالي ليصافح سلطة المال فيلتصق فجأة بالحداثة! تحريفيو اليسار السياسي يتشدقون بـ «الحداثة» وهم ما زالوا مرضى البيان الأحمر. الذي يبث القلق هو أن تتحول هذه المفردة جراء هذا التهافت الطارئ عليها إلى مفردة «مستهلكة»، في هذا السياق لابد ألا أنبري للدفاع عنها، فأحسب في ذلك الجزء الملعون منها تحديداً. لعلنا عما قريب نعلن للسادة، أن «الحداثة» مجرد «ماعز» أكلها الذئب، ومضى.
المثير أيضاً في سلسلة رواج مفردة «الحداثة» يوم الأمس، هو أن تخرج صحيفة الفضيحة لتتحدث عن قلق صار يراودها عن افتقار «البحرين» لخطاب سياسي «وطني»، «مدني»، بل و»عقلاني» أيضاً. أما الأكثر من ذلك، وبالتوازي مع «حداثتها» هو أن تتجاوز افتتاحية «الشر» ولأول مرة مفردة «الديني» في دعوتها الوطنية الطارئة، لتصل حدود المطالبة بـ «البديل الحداثي» لصوت «العمامة».
استنكرت يوم الأمس «افتتاحية» صحافة الشر على القوى الليبرالية - ذات التوجه المعارض بالضرورة - أن تتحالف مع التيار الديني الهمجي - الشيعي أيضاً بالضرورة - وبررت استنكارها بأنهما رؤيتان متضادتان عن مفهوم المجتمع المدني والديمقراطية التعددية، والديمقراطية التعددية هي ما يفترض منا جميعاً أن نعتبره قوام الصحيفة ومحور رؤيتها، وفي تلك الأكذوبة الغبية ما يستحق من تفعيل أدوات الشك النيتشوي الكثير.
وكعادتها، تختتم صحافة الشر افتتاحيتها بدعوة «بطولية»، قوامها إقصاء ومحاصرة التيار الديني - الشيعي بالضرورة - من جهة، ومقاومة هذا الانزياح الليبرالي نحو ولاية الفقيه من جهة أخرى. لتصف ذلك التيار في النهاية بالعاجز عن التوصل سياسياً لمستويات العمل الوطني الحقيقي والصادق.
«الحداثة» المحرفة - بحسب إبراهيم غلوم - مفضوحة، وليست صحافة «الطائفية» و»التآمر» و»الشيكات الشهرية» و»المحرر السياسي» من سنقبل بوطنيتها الجديدة فجأة، لابد من أن لا نعتبر أنه من الضرورة أن نسلخ جلد الشاة بعد أن تم ذبحها، ولابد أن يسبب لنا أحدهم عبر تلكم الافتتاحيات نشوة euphria مؤقتة تغري في التشفي والنيل من خلال عملية السلخ، والتي لا يضنينا القيام بها لو أردنا.
هذا الضعف والمرض اللذان يحيطان بالصحيفة، مضافاً له انزياح مموليها نحو صحيفة بديلة «محترمة»، يجعل من الأخلاقية بمكان أن نترك الميت يموت بهدوء، وهي فرصة الرحمة التي نتصدق بها عليه.
أنت لا تستطيع أن تكون «وطنياً» بالتراجع، فحين تكون عضواً في مؤامرة ضد الوطن، لا يمكنك أن تمارس - باسم الحداثة - عودة اللا إنسان إلى إنسانيته. تحتاج في هذا التحول إلى ما هو أكثر من ذلك، ليس أولها ان تهرب بوجهك عن الناس لمدة، وليس آخرها أن تعتذر
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1522 - الأحد 05 نوفمبر 2006م الموافق 13 شوال 1427هـ