ما المطلوب بالضبط من الجمعيات الإسلامية؟ هل يتفق هذا مع ممارساتها والدور الذي تقوم به؟ كيف تحقق أهدافها في ظل تجريح يومي مستمر ومبالغة في تسفيه رجالها وأفكارها ووضع خطة لحصارها وتجريدها من أي دور في مجتمعها بحيث ارتفعت بعض الأصوات منادية بعزل أعضائها في المساجد والمآتم و «فصل الدين عن الدولة»؟ بل وبلغ التحريض مداه حين تم تأليب السلطات عليهم إلى أن انصاعت لقرارها الغريب بمنع استخدام منابر الجوامع والمآتم في الحديث عن الشأن السياسي اليومي (الانتخابات) بحجة «إساءة استخدامها في الدعاية الانتخابية»؟ هل معنى هذا أن نعزل الخطباء عن مناقشة أوضاعهم المعيشية ونخضعهم لمبدأ «خلّ القرعة ترعى»؟!
إن المطلوب من تلك الجمعيات يجرنا إلى موضوع طويل لا تتسع إليه الأسطر الباقيات من حديثنا، لكن لابد من الإشارة إلى الإطار العام الذي ولدت في ظله هذه الجمعيات، إضافة إلى الظروف الصعبة التي اقترنت بنشأتها في جو يضيق بالشأن السياسي المعلن، فكان أن اختارت السبيل الممكن والمتوافر لعملها ضمن النشاط الخيري والاجتماعي.
واليوم اتسع أفق المشاركة الشعبية السياسية بما نراه من حراك سياسي، فهل تقف هذه الجمعيات جامدة متخلفة عن اللحاق بالركب والتعامل مع معطيات الوضع المنفتح الجديد؟ هل نفسح لها الدور «أسوة بغيرها» لتكيّف أوضاعها وتطوّر أساليب عملها بما يتفق مع متطلبات الواجب الوطني ومقتضيات المرحلة الحالية؟ أم «نحطها في دماغنا ونمسك لها ع الوحدة على رأي إخواننا المصريين»؟ إن ما نشهده من بعض المواقف يوضح الظلم والإجحاف الذي تتعرض له الجمعيات الإسلامية، التي يصر البعض على تسميتها بالإسلاموية إمعانا في الاستهزاء والسخرية. فقد قرأنا بعض الآراء التي نتعشم فيها الخير تطالب بإبعاد الدين عن الدولة، وهي نظرية فاسدة لا يمكن إجبار الناس عليها في مجتمع إسلامي بحجة أن الدول الغربية عملت ذلك! مع العلم بأن الدول الغربية اتخذت هذا المسلك في فترة زمنية اقتضتها ظروف مرحلة تسلط وهيمنة رجال الكنيسة، ثم تضاءلت تلك الفكرة مع استقرار الأوضاع في تلك الدول، ألم يصل إلى سمعكم أن من يقود أميركا حالياً هم «المحافظون الجدد»؟ ألم تسمعوا استشهادات الرئيس بوش بمعتقداته الدينية؟
إن ما نشهده حاليا، بكل صراحة، هو حشد من الأقلام المتجنية التي لا ترى في الإسلاميين إلا كل نقيصة وتخلف، ولإثبات أقوالها لجأت إلى تسليط الضوء وتضخيم الأمور باقتناص أية فكرة ساذجة أو رأي متزمت يدلي به بعض المحسوبين زوراً على تلك الجمعيات، فتوجه سهام النقد الجارح عليها متخذة أسلوب التعميم الظالم والتسخيف المتعمد لإظهار مدى السطحية والخواء الذي تتسم به تحركات وأفكار «الجمعيات الإسلامية». وعلى رغم أن تلك الأفكار لا تتجاوز حرية التعبير عن رأي قائلها وحده، من دون أن نشهد أية جمعية تتبناها أو تروج لها، فهل تسمح الجمعيات الأخرى بمثل هذا التعامل معها؟
إننا هنا لا نطلق الكلام على عواهنه، بل إن شواهد كثيرة تدل على خطة مرسومة لإبعاد مجموعة مخلصة من المواطنين لها كل الحق، مثل غيرها، في أن تضع برامجها وتسلك كل ما لديها من وسائل متوافرة وقانونية، وأن تباشر عملها العلني من دون أن تتعرض أفكارها ومسالكها لسوء التأويل وتعمّد التجهيل والتسخيف والمحاصرة وتأليب السلطات، وخصوصاً عندما يكون كل هذا التجنّـي متخذا ستار الليبرالية والتقدم والتنوير، فللتطور والتقدم مسالك أخرى غير هذه.
وليعذرنا كل من قرأ ما كتبناه فاعتبره موجها إليه شخصيا، فنحن نناقش الأفكار والتوجهات بحيث يكون التعبير عنها بوسائل أكثر نضجاً وعدالة، وقد تكون قراءتنا خاطئة لأفكارهم، مثلما هي قراءتهم لأفكار الجمعيات الإسلامية (وليس الإسلاموية)... هدانا الله وإياكم.
ملحوظة أخيرة، إن كاتب هذه الأسطر لا ينتمي لأية جمعية سوى الانتماء إلى احترام الرأدي والقلم
إقرأ أيضا لـ "سلمان صالح تقي"العدد 1522 - الأحد 05 نوفمبر 2006م الموافق 13 شوال 1427هـ