العدد 1518 - الأربعاء 01 نوفمبر 2006م الموافق 09 شوال 1427هـ

سياسة أميركا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعد أسبوع تكون الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة انعقدت وظهرت نتائجها. فإذا نجح الحزب الديمقراطي في تشكيل غالبية في مجلسي النواب والشيوخ يكون وضع الحزب الجمهوري أصبح في موقع صعب بسبب احتمال تعطيل حركته في اتخاذ القرارات العشوائية التي دأبت إدارة جورج بوش عليها. فالغالبية المفترضة وهي الأولى من نوعها منذ دورة 1994 ستحاول قدر الإمكان مراقبة سياسة واشنطن وتكبيلها بالشروط التي لا تناسب إدارة قررت تغيير العالم واكتشفت في التجربة الميدانية أن العالم أكبر من أميركا.

هذا الاحتمال وارد في حال نال الديمقراطي الغالبية الكاسحة. أما إذا فاز بغالبية ضئيلة أو حقق التوازن مع الجمهوري فمعنى ذلك أن إدارة بوش ستحاول قدر الإمكان السير بين الألغام لتمرير ما تبقى من مشروعها التقويضي في منطقة «الشرق الأوسط». فهذه المنطقة تعتبر خاصة لكل أعضاء الكونغرس بسبب موقعها الاستراتيجي وحيويتها الاقتصادية (ثروات النفط) ووجود دولة فيها تمتاز بمكانة حساسة لا يختلف الديمقراطي عن الجمهوري في التنافس على حماية أمنها وتفوقها على المحيط العربي - الإسلامي.

حتى الآن تشير استطلاعات الرأي إلى ترجيح فوز الديمقراطي على الجمهوري. ولكن النتائج النهائية تنتظر موعد الانتخابات في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. احتمال فوز الديمقراطي لا يعني أن هناك انقلاباً سيقع في أميركا والعالم وسيقوم بتغيير استراتيجية الولايات المتحدة بين ليلة وأخرى. فهذا النوع من الانقلابات لا يحصل عادة في الدول «الديمقراطية» بسبب وجود مؤسسات ثابتة تدير المصالح العليا وفق معايير تأخذ في الاعتبار هيبة الدولة وتلك الشركات التي تتحكم في مفاصل القرارات.

الانقلاب غير وارد ولكن احتمال التغيير في السياسة العامة يصبح من الاحتمالات الواردة. وهذا التغيير الجزئي يرجح أن يضغط مباشرة على إدارة واشنطن وخصوصاً في حال أراد الرئيس أن يتخذ قرارات كبيرة من نوع إعلان المزيد من الحروب أو الطلب من الكونغرس إقرار موازنة جديدة لتمويل حروب سابقة.

هذا الاحتمال يرجح في حال فاز الديمقراطي بغالبية كاسحة. لذلك لجأت إدارة بوش إلى الإسراع في إقرار موازنات تمويل الحرب في العراق وأفغانستان (70 مليار دولار) قبل شهرين من موعد الانتخابات لتأمين التغطية المطلوبة للعام 2007.

مشكلة إدارة بوش إذاً تبدأ بعد سنة من الانتخابات حين ستجد واشنطن وضعها السياسي في موقع صعب وستضطر بسببه إلى اتخاذ قرارات قاسية لن تكون منسجمة مهما كان شكلها ولونها مع تلك التوجهات التي اتبعها «البيت الأبيض» في السنوات الخمس الماضية.

وبسبب مخاوف واشنطن من احتمال حصول مثل هذه التعديلات على استراتيجية الهجوم في حال تراجعت مقاعد الجمهوري في الكونغرس، لجأت الإدارة في الآونة الأخيرة إلى شن هجوم معاكس على الديمقراطي لتخفيف نسبة الخسائر المتوقعة بعد أسبوع. فالرئيس بوش حاول قدر الإمكان ربط المخاطر «الأمنية» الآتية من وراء البحار بنظام الضريبة وتخويف الناخب من سياسة زيادة الضرائب التي سيعتمدها خصمه في حال نجح في الانتخابات النصفية.

ويشكل هذا الربط بين «الأمن» و»الضريبة» أول مبادرة من الرئيس تشير إلى بدء حال من الانتباه إلى الشئون المحلية. إلا أن الربط أيضاً يدل على أن بوش لايزال يصرّ على سياسة توظيف نجاحاته (فشله) في الخارج للإشارة إلى أن أمن المواطن يحتل مكانة خاصة في استراتيجيته.

الأمن وملحقاته

مسألة الأمن في شقيها الداخلي والخارجي ستبقى هي النقطة البارزة في سياسة بوش. فالرئيس الأميركي يركز على هذه النقطة بصفتها القوة المحركة لاستراتيجيته متهماً خصومه بعدم إيلاء هذه المسألة الاهتمام المركزي في برامجهم. حتى لو فشل الجمهوري في الانتخابات النصفية فإن المرجح أن يبقى بوش يراهن على أهمية هذه النقطة؛ لأنها في رأيه تشكل الخط الفاصل بين سياستين. فالديمقراطي يفصل بين أمن المواطن الداخلي وأمنه الخارجي بينما الجمهوري يربط الداخل بالخارج معتبراً أن حروبه وراء المحيط جاءت للدفاع عن تلك المخاطر التي تهدد الولايات المتحدة على غرار ما حصل في هجمات 11 سبتمبر/ أيلول.

هذه المسألة وملحقاتها ستكون نقطة توتر بين الكتلتين الحزبيتين في الكونغرس والشارع حتى انتخابات الرئاسة في العام 2008. ومصدر التوتر سيكون اختلاف قراءة كل حزب للنتائج عن الآخر. الديمقراطي يرى أن الحروب الخارجية فشلت سياسياً ولم تنجح أمنياً في التقليل من المخاطر على المصالح الأميركية في الولايات المتحدة والعالم، ولذلك يتجه نحو تعديلها أو التخفيف من زواياها الحادة حتى لا تتضاعف مشكلات الدولة وعلاقاتها مع أوروبا وروسيا والصين. الجمهوري يقرأ الموضوع من زاوية مختلفة فهو لا يعتبر أن حروبه في الخارج فشلت كذلك يرى أن سياسته الدولية عطّلت على «شبكات الإرهاب» خطط تكرار تلك الهجمات التي وقعت في سبتمبر.

الاختلاف بين الحزبين الكبيرين على قراءة نتائج الاستراتيجية الأمنية يتخذ مجموعة عناوين منها القديم (أفغانستان والعراق وأخيراً لبنان) ومنها الجديد (كوريا الشمالية، إيران وأخيراً فلسطين). الديمقراطي يقول إن سياسة القوة والتفرد في القرارات وعدم أخذ توازن المصالح في الاعتبار عزل الولايات المتحدة دولياً وشكّل ضدها جبهة يصعب اختراقها من دون تقديم تنازلات للقوى الإقليمية والتعاون معها لضبط الفراغات الأمنية في أفغانستان والعراق وربما لبنان.

الجمهوري يعتبر أن سياسته كانت مفيدة إذ ساعدت استراتيجية الهجوم على تخويف «شبكات الإرهاب» وضغطت على الجماهيرية الليبية حين سارعت إلى كشف برنامجها «النووي» والقبول بشروط أميركا. كذلك ساعدت سياسة التخويف بفرض العقوبات على تسريع موافقة كوريا الشمالية على التنازل عن برنامجها النووي مقابل العودة إلى «المفاوضات السداسية». وهذا أيضاً ما يتوقعه بوش في حال استمر الضغط على طهران بشأن مشروع «تخصيب اليورانيوم».

إدارة واشنطن حتى الآن وقبل أسبوع من الانتخابات النصفية لاتزال تتمسك بسياستها العدوانية التي قررت اعتمادها بذريعة الرد على هجمات سبتمبر. فهي ترى أن الاستراتيجية سليمة في خطوطها العريضة وتعاني فقط من ثغرات وعثرات يمكن معالجتها من دون التراجع عنها. وهذا النوع من العناد يكشف عن وجود خلل في القراءة العامة للسياسة الدولية الأميركية. ومصدر الخلل يعود إلى نقطتين مهمتين تشكلان قاعدة مشتركة في رؤية الديمقراطي والجمهوري. فالديمقراطي يختلف مع الجمهوري في عشرات النقاط ولكنه يتوافق معه على مادة النفط وأهميته في توازن الاقتصاد الأميركي، وعلى أمن «إسرائيل» وموقعها الخاص في السياسة الخارجية وما تعنيه من تأثير داخلي على نسبة التصويت في الانتخابات.

هذا التوافق الديمقراطي والجمهوري على النقطتين (مادة النفط وأمن «إسرائيل») يشكل ثغرة في الاستراتيجية الأميركية في منطقة «الشرق الأوسط». وهذه الثغرة شكلت تقليدياً المنفذ السياسي للحروب على الدول العربية منذ خمسينات القرن الماضي. الديمقراطي يمكن أن يعارض الجمهوري في كل البرامج والقضايا ولكنه حين يصل إلى فلسطين والنفط و»الشرق الأوسط» وأمن «إسرائيل» تصبح وجهة نظره متطابقة مع خصمه الانتخابي حتى لو كان جورج بوش.

بعد أسبوع إذاً ستتوضح معالم صورة الكونغرس الأميركي وكل الاستطلاعات تشير إلى احتمال فوز الديمقراطي والبدء في ضغوطه لتغيير الاستراتيجية العامة. إلا أن المشكلة بالنسبة إلى فلسطين والدول العربية وإيران ستبقى مكانها مع تعديلات بسيطة ولكنها لن تكون كبيرة وجذرية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1518 - الأربعاء 01 نوفمبر 2006م الموافق 09 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً