العدد 1516 - الإثنين 30 أكتوبر 2006م الموافق 07 شوال 1427هـ

السعودية... مجتمع يتحرك

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الزائر للمملكة العربية السعودية، حتى لو كان على عجلٍ لأداء العمرة مثلاً، سيلحظ ما يشهده هذا البلد الشقيق من حراكٍ اجتماعي وثقافي كبير، ينعكس على مرآة الإعلام. ومع أن المتوقّع من الإعلام في بلدٍ محافظٍ أن يكون محافظاً في أطروحاته وتغطياته، إلاّ أن ما يثيره هذا الإعلام يظل يثير الكثير من الجدل والنقاشات.

البعض يتوقّف عند ما تشهده الساحة الإعلامية من بروز العنصر النسائي «السعودي» بقوةٍ كمؤشر، سواء في التلفزيون السعودي أو في القنوات الأخرى، ويعتبر ذلك تجاوزاً للثوابت والخطوط الحمراء، وخروجاً على العادات والتقاليد الراسخة. فيما ينظر آخرون إلى ذلك على انه مظهرٌ من مظاهر التخفّف من القيود التي أعاقت حركة المرأة والمجتمع عموماً، إلى درجةِ منعها من أبسط حقوقها المتمثلة في سياقة السيارة.

على المستوى الثقافي، هناك من يحذّر من «تسونامي» للرواية النسائية في السعودية، ويعتبر ذلك علامةً على الانعتاق بعد طول كبتٍ وتقييد. فالمرأة هنا تريد أن تستخدم فن «الرواية» للبوح بما لا يقال في أية وسيلةٍ أخرى، ويُشار هنا إلى رواية «بنات الرياض»، التي دشّنت مرحلة جديدة للفن الروائي النسائي، على رغم ما يقال عن تواضع مستواها الأدبي على رأي بعض النقاد هناك.

وزارة الثقافة والإعلام نفسها أصبحت ميداناً لمثل هذا الحراك و«الاحتكاك»، بين «الديني» و«الثقافي»، بعد أن شهدت الوزارة أنشطة تحديث وبرامج تطوير تتناسب مع المرحلة السياسية التي تعيشها البلد. ومن هنا ثار جدلٌ واسعٌ بين «المثقفين» و«الدعاة»، بخصوص هذه التحديثات. فهناك معارضةٌ على شبكة الانترنت للمطالبة بإقالة المسئولين عن الوزارة، مع الادعاء بأن هناك اتجاهاً نحو «إقصاء الفكر الإسلامي»، ولهذا القول أهميته حين يتردّد في وسائل إعلام مكتوبة في بلد الحرمين الشريفين.

في المقابل، يرد المجتمع الثقافي على ذلك بالقول إن ما تقوم به الوزارة إنما هو عن قناعةٍ وسياسةٍ رسمية، وان الحملة المضادة يديرها أشخاصٌ من داخل الوزارة لدوافع شخصية، فقدوا بعض المكاسب والامتيازات التي تمتّعوا بها طوال عقود.

وفي مقابل المطالبة بإقالة المسئولين، ظهرت «عريضة شعبية» مضادة تطالب بدعم توجّه الوزارة ومساندة جهودها، في بلدٍ اعتاد على سماع رأيٍّ واحدٍ فقط، واجب الطاعة، ومن يخالفه فقد خالف الجماعة، ومن خالف الجماعة فهو في النار.

يُلاحظ في هذا الإطار أيضاً ارتفاع مستوى الطرح في الموضوعات التي تناولها مسلسل «طاش» الأخير في الشهر الكريم، وفي الوقت الذي مُرِّرت بعض الحلقات الجريئة ضد «الجهاديين» و«الهيئة»، وهي من الموضوعات المحرّمة وتضرب في العصب مباشرة، إلاّ أن رد الفعل الغاضب تمكّن من توجيه ضغوطٍ كبيرةٍ أدّت إلى إيقاف بعض الحلقات، وتم تعويضها بإعادة حلقات سابقة.

إذاً... هناك فعلٌ وردُ فعل، حراكٌ واحتكاك، وهي من علامات الحيوية والنشاط في المجتمعات. ومن الطبيعي أن تكون المقاومة الأكبر في المدن المقدسة، التي تشهد زيادةً ملحوظةً في إجراءات التضييق على زوّار بعض المواقع الإسلامية التاريخية، إضافةً إلى تحديد مناطق خاصة للنساء في الحرم المكي الشريف للصلاة، مسوّرة بكتل اسمنتية، وهي خطوةٌ أثارت الكثيرين والكثيرات في السعودية منذ أسابيع باعتبارها «بدعة» لم ترِد في كتابٍ ولا سنّةٍ، ولم تحدث قطّ في أيةِ حقبةٍ من حقب التاريخ الإسلامي، ومن شأنها تدعيم رؤية الغرب للمسلمين في التمييز ضد المرأة وامتهانها.

الإجراءات الأخيرة، قد يُنظر إليها على أنها خط الدفاع الأخير عن النفس، لدى التيار المحافظ الذي يشعر أن البساط يُسحب من تحت قدميه خطوةً خطوة، بعد طول عزٍّ وتفرّد وحظوة، فلابد من خطواتٍ على الأرض تحمل بعض الطمأنينة للقلوب الوجلة في آخر القلاع

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1516 - الإثنين 30 أكتوبر 2006م الموافق 07 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً