العدد 1514 - السبت 28 أكتوبر 2006م الموافق 05 شوال 1427هـ

ذكريات كويتية... عن الاحتلال العراقي

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

في نوفمبر/ تشرين الثاني 1965 من القرن العشرين توفي عاهل الكويت الشيخ عبدالله السالم الصباح، حزنت مثل غيري من الكويتيين على رحيل هذا الرجل العظيم؛ باني نهضة الكويت الحديثة. على يديه تحقق استقلالها في العام 1961 وفي العام 1963 افتتح أول مجلس أمة في الكويت بل وفي الخليج وكان رجل الأعمال الكويتي المعروف عبدالعزيز الصقر أول رئيس له وفي العام 1964 حضر الشيخ عبدالله السالم مؤتمر عدم الانحياز في القاهرة والذي دعا إليه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر زعماء هذه الكتلة البازغة والصاعدة. لاحظت أثناء تجولي في شوارع الكويت الحديثة سيارتي المدعوة عزيزة الفولكس فاجن. كانت الشوارع خاوية على عروشها ومقفرة من السيارات ومركبات النقل العام وحركة الناس النشيطة عادة إلا أنني لاحظت أن كثيرا من النساء المتشحات بالسواد واقفات على جوانب الطرق وهن ينتحبن بلوعة وحزن على رحيل «أبوالكويت» لقد بكت القلوب قبل العيون. إنه من الصعب على الذين عاشوا في الكويت من أمثالي أن ينسوا مناقب هذا الرجل الكثيرة للكويت وللخليج ولاسيما إصلاحاته الدستورية وولوج الكويت عصر الديمقراطية الواعد في هذه الإمارة الصغيرة في منطقة ملتهبة ذات حوادث سياسية متحركة ومتسارعة لا يستطيع المراقبون لها ملاحقتها مع أنفاسهم اللاهثة.

فحركة التغيير الاجتماعي في الكويت بل وفي الخليج العربي انها بنية اجتماعية متطورة بسرعة شديدة. حرصت على زيارة وتفقد معظم معالم الكويت المهمة ومنها جزيرة فايلكا والتي زرتها أكثر من مرة وهي مسكونة بألفي نسمة. ويقال إن اسمها مشتق من أصل يوناني ومعناها الجزيرة البيضاء الناصعة البياض وقد وطأتها أقدام الجنود اليونانيين في الفترة ما بين 350 و150 ق.م . وللكويتيين أن يفخروا بذلك.

يذكر أن هناك علاقة تاريخية قائمة بين مملكة دلمون والكويت الحضارية تلك ونشأت بينهما حركة تجارية نشطة.

والآثار التاريخية القديمة فيها قد اكتشفت في العام 1953 من القرن العشرين وكانت مملكة دلمون تشمل البحرين والساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية وهذه المناطق الحضارية للكويت. وفي فايلكا عدة مزارات دينية يتبرك بها زائروها مثل مزار الشيخ غريب والبدوي وهناك في مدينة طنطا في مصر مزار للسيدالبدوي وقد زرته مرتين خلال فترة الخمسينات وأنا طالب صغير ونلاحظ تشابه الأسماء وتعددها لتلك المزارات والأضرحة في معظم البلدان العربية مثل مزار السيدة زينب في مصر وفي الشام وغيرها من البلدان العربية الأخرى. وأهم المزارات على الإطلاق في جزيرة فايلكا هذه مزار الخضر وتقبل على زيارة قبره النساء من جميع الأعمار طلبا للتبرك والفعل الطيب وتحقيق الأمنيات بواسطة النذور. وشاهدت النساء وهن يكسرن البيض ويضعن الحناء على جدرانه لاعتقادهن أنه يجلب لهن الحظ والفال السعيد ولاسيما في اصطياد الزوج العنيد وليقع في الفخ العتيد. وأثناء احتلال الكويت في 2 أغسطس/آب 1990 أقام الجيش العراقي تحصينات عسكرية ضخمة ومواقع مدفعية وصواريخ بحرية من دون أن يضعوا في الحسبان ترسانة القوات الأميركية مع حلفائها حيث دمروا المنشآت العسكرية العراقية تدميراً كاملاً وأصبحت أثراً بعد عين وفي 24 فبراير/ شباط 1991 أشعلت القوات العراقية النار في 180 بئر نفط كويتي وأحالت سماء الكويت إلى سحابات من الدخان الأسود لم تنقشع غمامته لشهور عدة بعد إطفاء حرائق الآبار. وهناك تسع جزر أخرى وأكبرها جزيرة بوبيان مساحة حيث تبلغ 863 كلم مربع وكان العراق منذ العام 1972 وحتى بداية الاجتياح العراقي للكويت في عام 1990يواصل ضغطا سياسيا قويا لا حصر له ولا حد له على الكويت من أجل موافقتها على إيجاد موطئ قدم له في تلك الجزر ذات الموقع الاستراتيجي وإقامة موانئ أوسع له على الخليج العربي والاستفادة بصورة خاصة من جزيرتي فايلكا وبوبيان ونتيجة لرفض الكويت مطالب العراق التعسفية تلك رفض العراق ترسيم حدوده مع الكويت. ومعظم سفراء الكويت والمسئولين الكويتيين الذين التقيتهم بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي يلهجون بالثناء والإكبار على موقف حكومة البحرين القوي للتصدي للاحتلال العراقي ويتقدمون بالشكر الجزيل إلى سفير البحرين في الكويت عيسى محمد الجامع خلال حقبة الاحتلال من أغسطس/ آب 1990 وحتى تحريرها في فبراير 1991 لقد أصدر السفير عيسى الجامع عدة آلاف من وثائق السفر البحرينية للكويتيين الفارين إلى السعودية خوفا وفرقا وقد وصف لي سفير الكويت لدى الصين عبدالحميد البعيجان المعاناة والمكابدة التي واجهها وهو يعبر الحدود الكويتية إلى منطقة الخفجي ودخوله بعد ذلك الأراضي السعودية وقامت سفارة البحرين في الكويت إبان تلك الفترة بالاحتفاظ في خزائنها بمصوغات وحلي الكثير من أهل الكويت وكل ما هو غال وثمين لدى تلك العائلات الكويتية رحم الله عيسى الجامع برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جنانه وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان. وأخيرا عندما التقيت الوزير والكاتب الكويتي السابق في تونس أحمد الربعي وذلك خلال عملي الدبلوماسي آنذاك أخبرني أنه إبان الاحتلال كان في دبي وذهب في صبيحة ذلك اليوم من دون أن يدري أن بلاده قد احتلت إلى دكان للصرافة لتبديل دراهمه الكويتية فرد عليه أن هذه الدنانير لا تساوي شيئا ولا تساوي ثمن طباعتها فقد أصبحت أثرا بعد عين وأن بلادكم الكويت هي الآن محتلة أصيب الرجل بالذهول وحل به الهم والكمد فماذا هو فاعل الآن وإلى أي السبل يذهب فلم يعد له مكان على أرض بلاده أعان الله أهل فلسطين المجاهدين والصابرين والتي احتل الصهاينة بلادهم منذ أكثر من ستين عاما عنوة وقسرا ومازالوا مشردين يجوبون بقاع الأرض وسامح الله العرب جميعا

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1514 - السبت 28 أكتوبر 2006م الموافق 05 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً