العدد 1512 - الخميس 26 أكتوبر 2006م الموافق 03 شوال 1427هـ

الزعامات السياسية أمام امتحان الانتخابات النيابية

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

فجأة ومن دون أية مقدمات، جاءت الانتخابات النيابية 2006 لتضع الجميع أمام تحدي الاستحقاق الشعبي وجهاً لوجه، فبعد سنين من الظهور الإعلامي والبروزة أمام شاشات الفضائيات وعلى صدر الصحف والمجلات، جاءت لحظة الامتحان بالنسبة إلى الكثير من الزعامات التي قبلت أن تضع نفسها في ميزان الاستحقاق الانتخابي لتعرف وزنها الحقيقي بين أبناء شعبها.

إحدى هذه الزعامات، نصح من قبل كثيرين من محبيه، الذين أكدوا له أن دخول الانتخابات في هذا الظرف بالذات وضمن المؤشرات المتوافرة قد لا يكون الخطوة المناسبة، وأن من الأفضل التريث وخصوصاً أنه رمز وزعيم سياسي من الرعيل الأول ومن العيار الثقيل، معللين ذلك بالكثير من القلق على فرصة فوزه في الانتخابات.

لكنه قال لهم بكل ثقة: «إذا لم أنجح في الانتخابات، فلست زعيماً ولست رمزاً»، وبكل صدق عندما سمعت هذه المقولة انتابتني قشعريرة هزت بدني، فالكلام المنقول خطير جداً ومن المهم التوقف عنده بكثير من التحليل والتأمل، ذلك أن كل من يدخل الانتخابات معرض للفوز والخسارة، ومع ذلك فإن هناك الكثير من المؤشرات التي يمكن قراءتها سلباً أو إيجاباً، ومن خلالها يمكن التكهن بالنتائج بدرجة أو أخرى، إلا أن القطع بالفوز أو الخسارة غير ممكن بصورة نهائية إلا بعد فرز الأصوات وإعلان النتائج النهائية، مع وجود بعض الاستثناءات.

والسؤال الذي يطرح نفسه، بالنسبة إلى هذا الزعيم أو غيره من الزعماء والقيادات السياسية والدينية التي امتشقت بأوراقها الثبوتية وسارعت إلى التسجيل في الانتخابات النيابية، ماذا لو جاءت الرياح بما لا يشتهي الربان؟ وماذا لو كانت الحسابات السياسية غير متطابقة مع الحسابات الانتخابية؟

في الدول التي اعتادت طريق الديمقراطية، وتعودت على تقبل نتائج صناديق الاقتراع بصدر رحب، يكون الزعماء والقادة هم أول من يدفع ثمن الإخفاقات والتقديرات الخاطئة، وعندما تأتي النتائج على غير ما توقعوا فإنهم يسارعون إلى وضع استقالاتهم على طاولة صناع القرار في مؤسساتهم الحزبية، وفي كثير من الأحيان ينسحبون من الحياة السياسية، وربما الحياة العامة أيضاً!

لكننا في المشرق العربي عموماً، وفي الدول التي تتلمس طريق الديمقراطية والعمل السياسي العلني حديثاً، لانزال نفتقر إلى وجود هذه التقاليد الحزبية والسياسية العريقة، فالقائد السياسي الذي يثبت أن رؤاه السياسية غير متوافقة مع الواقع السياسي على الأرض، وغير متفقة مع النتائج التي تفرزها صناديق الاقتراع، يعود من جديد في ثوب آخر، مدعياً أنه وحده القادر على إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي.

ولنأخذ الانتخابات النيابية في العام 2002 مثالاً حتى لا يقال إننا نستعجل في القراءة وندفع البعض إلى التشاؤم، ونبيع البعض الآخر الأوهام والأحلام الخيالية، فكلنا يعرف أن الانتخابات النيابية السابقة قد فرزت الناس إلى موقفين، الأول مع المشاركة والآخر ضدها، فأين النتائج التي أفرزتها تلك الانتخابات؟ وأين هم أبطال الموقفين؟ وكيف تعاطوا مع ذلك الاستحقاق؟

الذين شاركوا في الانتخابات النيابية السابقة كانت من بينهم رموز وزعامات سياسية من العيار الثقيل، لكن صناديق الاقتراع كانت لهم بالمرصاد، وقالت كلمتها الفصل، فأجازت البعض وحرمت الآخرين على رغم كثير من الجعجعة والصراخ والتنظير، فما الذي حصل؟

هل سمع منكم أحد أن زعيماً من الزعماء ورمزاً من الرموز قدم استقالته، وأعلن تنحيه عن كرسي الزعامة؟ لقد كانت النتائج التي حققها بعضهم أكبر من انتكاسة وأكثر من سقوط مدوٍ، لكن أحداً منهم لم يمتلك من الشجاعة شيئاً ليواجه نفسه ويصارحها، ويقول إنه يتحمل ولو جزءاً من المسئولية، بل إننا نتطلع إلى الخريطة السياسية اليوم فنجدهم لايزالون يمسكون القرار، ويديرون دفة جمعياتهم السياسية ويتصدرون الصحف والمنتديات الثقافية والمفاوضات الحساسة كرموز مقدسة، أضاف إليهم إخفاقهم في الانتخابات النيابية السابقة خبرة ودراية، فصار لزاماً على جماهيرهم أن تستمع إليهم وإلى آرائهم النيرة.

أما الفريق الثاني الذي اقنع الناس بجدوى المقاطعة، وبأنها الطريق الأمثل لاستعادة الحقوق وتحقيق المطالب، فإنه اكتشف حديثاً بعد 4 سنوات خطأ موقفه، واكتشف بأن زعماءه وقادته السياسيين الذي نظروا لهذا الموقف جانبهم الصواب، فأعاد الحساب وأغلق بابا وفتح بابا، فإذا به يقرر الذهاب إلى صناديق الانتخاب، دون أن ينبس ببنت شفة!.

فهو كالفريق الأول تماماً لم يحاسب أحداً من زعاماته، ولم يحمل أياً منهم مسئولية 4 سنوات ضاعت بعيداً عن المشاركة في صنع القرار السياسي، ولم يطلب من أحد من رمزه التنحي، وفي ذات الوقت لم يبادر أي زعيم سياسي بالإعلان بأنه يتحمل المسئولية عما جرى، برغم أنهم جميعاً يقولون أن امتناعهم عن المشاركة في الانتخابات السابقة قد منح الحكومة فرصة لتكبيل العمل السياسي بالمزيد من القوانين والمعوقات التي ما كان سيتم إجازتها لو أن المعارضة تواجدت في المجلس النيابي وهم ما يحاولون فعله وتداركه الآن بعد خراب مالطة على رأي المصريين.

لكن أغرب ما في الأمر هو أن هؤلاء الأشخاص الذي صاغوا موقف المقاطعة ودفعوا الجميع لتبنيه خياراً وحيداً، وفوتوا فرصة العمل السياسي من داخل المجلس النيابي طوال الفترة الماضية، هم ذاتهم الذين يتقدمون المواكب السيارة باتجاه لجان الترشيح للانتخابات النيابية ليكونوا أبطال المرحلة القادمة أيضاً، ولست هنا أفرق بين من كان يرى خيار المشاركة لكنه فضل الصمت وساير الركب، وبين أولئك الذين كانوا يرون خيار المقاطعة وتراجعوا عنه حين لم يعد الندم نافعاً!.

ذلك أن الزعماء هم من يتحمل النتيجة في الحالين، فإذا كانوا يتبنون خيار المشاركة وفشلوا في إقناع جمهورهم فإن ذلك يعني بأنهم غير قادرين على قيادة هذا الجمهور، وعليهم أن يحترموا إرادته، وإذا كانوا منذ البدء مع المقاطعة، فإنه من باب أولى أن يتحملوا النتيجة وينسحبوا من الساحة السياسية بصمت.

لكن ما حدث على أرض الواقع هو أن العديد من الدوائر الانتخابية صار يعج بالزعامات التي قاطعت الانتخابات، وأسرفت في كيل التهم والسباب والقذف في الذين شاركوا بها في المرة السابقة، لكنهم حين اكتشفوا خطأ موقفهم قرروا أن يكافئوا أنفسهم أكثر من مرة في البقاء على رأس الجمعيات التي يتزعمونها، وخوض غمار الانتخابات النيابية ليفوزوا بواحدة من اثنتين .

إذا فاز هؤلاء المرشحون فإن ذلك سيسجل في ميزان بطولاتهم ويثبت حقهم في تمثيل الشعب، وإذا فشلوا فإن الحجة جاهزة، لقد لعبت السلطة لعبتها وحاربتنا.. وضيقت علينا وأرهبت الناخبين، وزجت بمن لا يحق له المشاركة في الانتخابات من العسكريين والموظفين الحكوميين، وقد تكون التهمة الأخيرة صحيحة في بعض المواقع، إلا إنها وإن كانت غير صحيحة في مواقع أخرى، فسيتم اللجوء لها لتبرير الفشل.

لكن السؤال الأكثر أهمية ينطلق من الحيثية التالية، يجب على كل من دخل الانتخابات أن يعرف ظروفها، وأن يعرف بأن الصناديق قد تأتي بالمفاجئات، لذلك نوجه لجميع الزعامات والقيادات والرموز السياسية هذا السؤال: هل ستقدمون استقالاتكم وتعتزلون الزعامة والقيادة إذا لم تتمكنوا من اجتياز أعتاب البرلمان؟

أم إنكم ستنشدون ( عودوا أنا كنتم .. . زعماء كما أنتم ).

نرجو أن يمتلك الزعماء والقادة السياسيون الذين لا يوفقون إلى الفوز قليلاً من الجرأة والصراحة مع النفس (النقد الذاتي) فينسحبون من الحياة السياسية أو على الأقل من كراسي الزعامة ... ربما بحجة التفرغ لكتابة مذكراتهم ، حتى تستفيد الأجيال القادمة من تجاربهم المريرة

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 1512 - الخميس 26 أكتوبر 2006م الموافق 03 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً