مملكة البحرين نجحت في اجتياز الحواجز الاجتماعية بوقف تدفق المعلومات اللاأخلاقية التي تفرضها شبكة الإنترنت، إلا أنها لم تستطع حتى الآن وضع نظام متكامل للاستخدام السياسي والتجاري للإنترنت، يتلاءم مع وضعها الانفتاحي السياسي الجديد، فمازالت مشكلات إقفال المواقع الإلكترونية السياسية والدينية قائمة. هناك بعض الدول المغلقة سياسيا مازالت تتخوف من حجم مساحة حرية التعبير على شبكة الإنترنت، لأنها تعتقد من ضمن أمور أخرى انها تهدد الاستقرار السياسي المحلي، وتسهم في تزايد المطالبات الشعبية بالديمقراطية، وكتحصيل حاصل شرعت في بناء الجانب التنظيمي لاستخدامات الإنترنت بوضع أطر قانونية مقيدة للحريات والتجارة الالكترونية في الوقت نفسه للحد مما تعتقد انه تجاوز للغرض من استخدام شبكة الإنترنت.
في الواقع ان هناك حاجة لتبني مفهوم جديد لعلاقة الدولة ومستخدمي شبكة الإنترنت، وهذا يتطلب إنشاء نادٍ أو جمعية للإنترنت لتحديد أولويات الحاجة للإنترنت، وبالتالي حاجة الدولة لتطوير سوق التجارة الإلكترونية كركيزة مهمة للتنمية الاقتصادية في عصر الثورة المعلوماتية المعتمد على عنصر السرعة في الإنجاز.
لابد من الاعتراف ان استخدام شبكة الإنترنت له أيضا تأثيرات سلبية على الثقافة الاجتماعية لأي بلد، ولابد من تحديد مساحة تدخل الدولة للإشراف على ستخدام الإنترنت للأفراد، كذلك لإنشاء حكومة التجارة الإلكترونية لمنع حدوث الغش التجاري.
الميل لتبني أفكار ومفاهيم جديدة Coceptualization لاستخدام شبكة الإنترنت، يتطلب جهدا عالميا مشتركا، نظرا لغياب الحكومة العالمية التي تحدد مهمات الإنترنت. إلا ان تعيين وكلاء مناسبين من القطاع الخاص وجمعية الإنترنت، في لجان حكومية تشكل محليا، لتنظيم الشبكة يزيد من المشاركة الشعبية ويضفي الكثير من الممارسة الديمقراطية على استخدام الأفراد والجماعات لشبكة الإنترنت. هذا المطلب يجب ان تكون له أولوية عند الحكومات للتحول بشكل تدريجي transnational نحو نظام الحكومة الالكترونية. الحكومات يجب ان تدعو إلى مشاركة الهيئات القانونية والأخلاقية في الحوار ضمن الأطر التي تحددها الدولة، على سبيل المثال تعيين ممثلين تقنيين لموازنة تدفق المعلومات على شبكة الإنترنت. في الحقيقة ان هناك الكثير من خبراء الأزمات stakeholders من القطاع الخاص لهم القدرة على مد العون للحكومات المركزية لوضع المعايير الملائمة لقواعد وإجراءات إدارة شبكة الإنترنت، بحسب رأي خبراء الإنترنت، أمثال: هوفلير وكوتلر وبورتر، الدولة أو الأمة لا تفقد سيطرتها على الإنترنت بمجرد السماح بالخصخصة «Privatization» لأن الموضوع يحتاج لإعادة هيكله أو بالأحرى إعادة تعريف Redefinition لوظائفه. في ضوء ذلك، يحتمل ان يشهد العالم زيادة في استخدام النظام الأفقي بدلا من النظام العمودي أو المرتبي الذي يعمل به حاليا على شبكة الإنترنت.
الإنترنت ساهم بشكل أو بآخر في فشل النظريات التقليدية للعلاقات الدولية (International Relations) بكسر الحواجز القانونية بين الدول. النظريات لم تدرك ان انتقال المعلوماتية من بلد إلى آخر، سيحدث دراماتيكية في أجهزة الدولة المركزية State-Centeredness. مع ذلك فإن المأزق الذي يواجه الدولة هو إمكان قيام القطاع الخاص بدور رئيسي في الشئون الدولية بدلا من الدولة. ولإيجاد مخرج لهذا الطريق المسدود، يرى علماء العلاقات الدولية أنه يجب التحرك بعيدا عن الأنشطة العامة المتصلة بالدولة، هوفلير وكوتلر وبورتر، يؤكدون ان التفاضل التحليلي بين الحكومة والإدارة كشكلين متميزين لنوعين من ممارسة السلطة والأدوات التي تستخدمها السلطة، تلقى قابلية للتفهم المتزايد، وعلى القطاع الخاص تأسيس أنظمة دولية تحدد دوره في الشئون الدولية.
تأثير نظام اللامركزية على الأنظمة المحلية والعالمية
خبير الإنترنت الباكستاني جمال شاهين يجادل في أن شبكة الإنترنت يمكن ان تصور كالبوتقة الأكثر شمولا لآخر الابتكارات في حقل تكنولوجيا الاتصالات الدولية (ICIs). من هذا المنظور، فإن شبكة الإنترنت تتجاوز القيود بشكل فعّال، وتختصر الطريق والوقت والمسافة وتقرب فضاء الإنترنت للمستخدم من دون قيود حدودية، وبكفاءة إدارية لرواد هذه الصناعة، سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو شركات.
ليس هناك مجال للشك ان الشبكة المعلوماتية خلقت وحدة دولية لمستخدميها لم يسبق لها مثيل في المجالين المحلي والعالمي. ومن هنا يمكن الجزم ان التصور الذاتي لسيادة الدولة مشتقة من احتكار السلطة لإقليم معروف بشكله ومكانه وسكانه، وهذا المفهوم يفقد الكثير من أهميته في عالم تتحكم فيه الوسائل التكنولوجية.
تفرض القيود على الدولة الكترونيا Elecrtronically عن طريق الشبكات التي تقطع الأقاليم السياسية بمقدار ضعفين. إذ يمد الأول شبكة الإنترنت بنطاق أنشطة لكل مستخدم، بينما يشدد الآخر على تقويض سيطرة الحكومة على التدفق الحدودي من المعلومات العالمية التي تجلب الخبرة الفورية من المشكلات المعقدة التي تزداد كأكثر الممتلكات ذات قيمة، هذا العائق يعتبر القدرة على عملية تجميع وتصريف الكميات الضخمة من المعلومات مرتبطة أساسا بالحكومات بالدرجة الأولى وتعتبر مصدرا مهما من قوة الدولة.
الخبير (كيوهان ني 1998) يرى الأسباب كالآتي، أولا ان شبكة الإنترنت التي تجاوزت الدولة باعتبارها وسيطا دوليا فريدا للمعلومات، وخفضت كلفة التحولات، وموانع الدخول عن طريق الموفر العالمي الفوري للشبكة، الذي يمكن ان يكون في متناول المزيد من الناس والمجموعات والوكالات الحكومية لتنسيق أنشطتها على نطاق عالمي، وان يقود أعمالهم من دون تدخل وسيط خارجي.
ثانيا: طبيعة السيولة وانسياب المعلومات والفرص المنوعة والمرنة المعروضة والمقدمة من المنظمة المشرفة على هرمية التصاميم المؤسساتية.
وشخصيات القطاع الخاص لديها نموذج من الشبكة للاستعمالات المحددة في شبكة الإنترنت والتكنولوجيات المرتبطة بها. مثال على ذلك تأسيس صفحات معقدة خارجية Offshore لمساعدة الشركات الأجنبية الفرعية واللامركزية لاتخاذ القرارات حول العالم. على النقيض من ذلك، فإن الدول ذات الحدود الإقليمية الثابتة التي تعمل عبر المنظمات الحكومية تعتمد علي البيروقراطية التي لا تتغير وليس لها ولاية قانونية ومن الصعب تغييرها.
وفي ضوء ذلك، فإن العمل على استئصال الخطوط التقليدية للمعلومات لربما تتدفق نتيجة لظهور النموذج الأصلي، ويرى جيمس روزنو، ان التمثيل المحصور في السيادة والخالي منها يتعايش مع عالمين منفصلين يتفاعلان ويتداخلان بدرجة عالية من الاستقلال (روزنو) 1990.
تأثير الأنظمة المحلية على التجارة الالكترونية
أكثر الزعماء السياسيين يعملون على جعل تطوير التجارة الإلكترونية من أولويات التنمية لديها وفقا للمعايير التي وضعتها OECD للاقتصاد الموجه للعام 1997م، معتمدة على أساس تقني وهندسي وعالمي المولد لا يعترف بالحدود الوطنية والجغرافية. إلا ان المشكلات الناجمة عن الاستخدام العالمي لشبكة الإنترنت لم يمكن الخبراء من التفريق بين الأمن القومي والاستقرار الاقتصادي وقدرة الدولة على التوفيق بينهما.
جيامبيرو جياكوميلو يبين ان الدول لجأت إلى اتباع سياسات وطنية من أجل تخفيف الحريات العامة. وللتأكيد على تلك السياسات أعلنت بعض الدول أنها نجحت في تبني سياسات وطنية جديدة للتغلب على تلك الضغوط. من هذه الدول سنغافورة التي اتخذت حكومتها قرارات وطنية للسيطرة على شبكة الإنترنت، واحتفظت في الوقت نفسه برصيدها من التقدم العلمي والتنافس العالمي في مجال التجارة الإلكترونية. من ناحية أخرى، هناك بلدان أكثر تطورا في مجال الصناعة الإلكترونية، وخصوصا في النصف الغربي من الكرة الأرضية، وتتمتع بحرية الحركة نظرا لعدم خضوعها للسيطرة السياسية بمستوى الاشراف المركزي في البلدان الأخرى، ومن أولوياتها الكفاءة والتدفق الحر للمعلومات بحسب رأي زاتشير وسوتون 1996:135. وعلى رغم الحرية الممنوحة للبلدان الديمقراطية في الغرب، يرى جياكوميلو انها مازالت بعيدة عن أي اتفاق ينظم علاقة مصنعي التجارة الإلكترونية بالدولة ودور كل منهما في تنظيم هذه التجارة، مثلا هل التدخل الحكومي ملائم لتنظيم هذا النوع من الاقتصاد الجديد من دون مخالفة الحقوق الدستورية للمواطن في ظل نظام عولمي.
وعلى ذلك الأساس نشأت نزاعات تجارية واسعة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي (EU) عن طرق استخدام التشفير التكنولوجي وحماية الخصوصية الشخصية، ما ينذر بنشوب حرب تجارية واسعة بشأن التجارة الإلكترونية، التي تعتبر الآن مستقبل التجارة الدولية، ومضمارا للتنافس بين شركات البلدان الصناعية الكبرى، بحسب رأي دورية (عالم شبكة الإنترنت، 6:99 29-22)، فهذه النزاعات لا يمكن حلها في القريب العاجل نظرا لتفاقمها على الصعيد الدولي، والحل الوحيد المطروح على الساحة هو تقاسم الشبكات المعلوماتية بين دول العالم، لكن سياسة القوة والهيمنة والسيطرة السياسة التي تغلب على الصراعات الدولية حاليا، قد يكون لها دور في حصول الدول الكبرى على حصة الأسد من هذه الصناعة أيضا.
الدول لم تتفق بعد على طرق لتطبيق سياسة البنية التحتية للمعلوماتية الوطنية، مسئولو OECD يشجعون الدول على مساعدة الدولة للقطاع الخاص للنهوض بهذه الصناعة حتى لا تتقدم الدول النامية بطلبات مساعدة من البلدان المانحة لتطوير التجارة الإلكترونية باعتبار ان الصناعة مرتبطة أساسا بالقطاع الخاص، لهذا وجب على الحكومات التدخل لتوجيه مسار الصناعة. والحكومات تقع عليها مسئولية وضع أنظمة عن المعلومات الرقمية الخاصة بالتجارة الإلكترونية ذات السوق المفتوحة لطمأنة كل من البائع والمشتري، وحتى يستطيع الطرفان تنظيم أنفسهم. بطبيعة الحال، على القطاع الخاص التكييف مع التقنيات الجديدة للتجارة في حقل ICTs، وعلى الحكومات في المقابل التعاون مع المصنعين من أجل الحصول على معلومات جديدة عن صناعة التجارة الالكترونية، على رغم التنافس الشديد بين المصنعين العالميين. الحكومات والمنظمات الدولية تعمل على إعطاء الصناعة الرقمية أكثر حرية للإبداع والتطور، وذلك يتطلب تعاونا دوليا لعبور المعلومات الحدود الوطنية حتى يتمكن المصنعون الرقميون من الاستفادة من التجارة الرقمية والالكترونية وفقا لمبدأ إتاحة الفرص والتنافس الشريف.
السؤال المطروح الآن هو: هل تستطيع مملكة البحرين بعد اكتمال البنية التشريعية الديمقراطية لديها، وضع نظام ديمقراطي متكامل لاستخدام شبكة الإنترنت للأفراد والجماعات والمؤسسات؟ إذا كانت البحرين بالفعل تتطلع لتحقيق أكبر قدر من التنمية الاقتصادية بإنشاء التجارة الإلكترونية على أسس صحيحة ومدروسة، فلابد لها من الأخذ بتجربة دول نامية سبقها في هذا المجال مثل سنغافورة وماليزيا. والتجارة الالكترونية مرتبطة ارتباطا وثيقا بحرية وديمقراطية تدفق المعلومات، وليس بإغلاق المزيد من المواقع الالكترونية السياسية والدينية والفكرية والثقافية، التي تناقش مشكلات الناس. الحقيقة ان الإنترنت أصبح وسيلة فعالة لإطلاع المسئولين في الحكومة على مشكلات الناس والمشاركة في حلها
العدد 151 - الإثنين 03 فبراير 2003م الموافق 01 ذي الحجة 1423هـ