العدد 1506 - الجمعة 20 أكتوبر 2006م الموافق 27 رمضان 1427هـ

عن الصلاحيات التشريعية للمجلس النيابي

فوزية مطر comments [at] alwasatnews.com

في غالبية الأنظمة الديمقراطية تنحصر سلطة التشريع في يد النواب المنتخبين الذين يختارهم الشعب. وفي التجربة الديمقراطية البحرينية ولأسباب على رأسها ضمان الإمساك بزمام سلطة إدارة المجتمع، اختار النظام السياسي ألا تقتصر الصلاحيات التشريعية على المجلس المنتخب وأن يتولى غير طرف سلطة التشريع. فالمادة الثانية والثلاثون من دستور مملكة البحرين تنص على أن «السلطة التشريعية يتولاها الملك والمجلس الوطني وفقا للدستور...». والمادة الحادية والخمسون تنص على أن المجلس الوطني يتألف من مجلسين: مجلس الشورى ومجلس النواب. سلطة التشريع - إذاً - تتولاها ثلاث جهات على رأسها جلالة الملك. وعليه، لابد من الإقرار بمحدودية الصلاحيات التشريعية لنواب الشعب بما يعنيه ذلك من انتقاص لسلطة الشعب نفسه. وبذلك يكون المعوّل على أن الانجاز النيابي متاح في إطار الصلاحيات الرقابية أكثر من أي صلاحيات أخرى.

لكن لنطرح السؤال الآتي: هل تعني محدودية الصلاحيات التشريعية الاستكانة للحدود والقيود التي تقف حجر عثرة أمام ما يمكن أن يحققه النواب في الجانب التشريعي؟ وهل تعني التسليم بأن ممثلي الشعب لن يتمكنوا من فعل شيء، وألا حول ولا قوة على الصعيد المذكور؟ لا أحسب أن الاستكانة والتسليم فيما يتعلق بالشق التشريعي هما الخيار الأنجع أمام نوابنا. بل على العكس، ففي الوقت الذي نقر جميعا فيه بقساوة واقع الصلاحيات التشريعية وصعوبة تحقيق منجز ملموس بها، فإن البحث عن منافذ نور في آخر النفق أنفع من إضاعة الوقت في الاقتصار على جهد الاحتجاج عن بعد. البحث عن منافذ النور المرتجى وتوظيف كل ما نملك لتوسيعها أجدى، ولنقتدِ بمثلنا الشعبي القائل: «كثر الدق يفك للحام»، و«على قدر أهل العزم تأتي العزائم» وسيحدث التراكم التدريجي للمنجزات. الصلاحيات التشريعية المحدودة لمجلس النواب تقتضي تدقيق المواطن في اختيار نواب ذوي كفاءة ونفس طويل في التفتيش عن منافذ النور وبلوغ الحقوق.

أولى الصلاحيات التشريعية للنواب هي حق اقتراح القوانين لأي عضو من أعضاء المجلس، فإن وجدت النوعية من النواب المخلصين لمصالح الشعب فحتما لن تتقدم إلا بمقترحات القوانين الكفيلة بحفظ حقوق ومصالح الناس. ولأن كل اقتراح بقانون يجب أن يحال إلى اللجنة المختصة لإبداء رأيها بشأن إمكان مناقشته، فإن من الأهمية بمكان أن تتوافر اللجنة القانونية على أعضاء/ نواب من ذوي الكفاءات القانونية وذوي الانحياز لمصالح الوطن والمواطن. وإذا كان الأمر كذلك فمن مسئولية المواطن انتخاب من يترشح من الكفاءات القانونية والاختصاصية في كل مجالات الحياة والمعروفة بنزاهتها وإخلاصها.

وثاني الصلاحيات التشريعية للنواب هي مناقشة مشروعات القوانين سواء كانت مشروعات قوانين مقترحة من المجلس أو محالة من الحكومة أو حتى المراسيم بقوانين المعروضة على المجلس لإقرارها. مناقشة محتوى القوانين تحت قبة البرلمان عامل قوة مؤثر في دعم القانون أو رفضه، وهي كفيلة بتحفيز نقاش مجتمعي عام بشأن القانون قد يصل إلى تشكيل رأي عام ضاغط باتجاه إقرار القانون أو رفضه. وهنا تبرز أيضا المسئولية الكبرى التي يتحملها المواطن في انتخاب من يستحق تمثيله من المترشحين.

المسالك التي قد يمر بها القانون طويلة والمحطات التي قد يقف عندها متعددة ذهابا وإيابا من أعلى قمة في هرم السلطة ممثلة في الإرادة الملكية لجلالة الملك وصولا إلى المجلسين ثم الحكومة والعكس. إلا أن توافر نواب أو مجموعات نيابية واسعة تعي صلاحياتها ومسئولياتها نحو المواطن سيسهم حتما في اختصار تلك المسالك والمحطات، وسيحدث اختراقات موفقة حتى في الآلة الحكومية التي أظهرت التجربة المنصرمة براعتها في ابتكار سبل تعطيل القوانين المقترحة من صوب أعضاء المجلس، وتوظيف النص الدستوري المساند للدور الحكومي في صوغ مشروعات القوانين واستثمار أولوية مناقشة القوانين المطروحة من قبل الحكومة.

وعدا اقتراح مشروعات القوانين ومناقشتها فمن حق المجلس النيابي قبول مشروع القانون أو تعديله أو رفضه. وذلك حق تتساوى فيه غرفتا التشريع المعينة والمنتخبة. وهنا يمكن أن يكون لممثلي الشعب دور في تنقيح هذه القوانين وتمحيص مدى التزامها بحقوق المواطن ثم إقرار التعديلات اللازمة فيها أو رفضها. وإن عجزت الكتل النيابية الوطنية عن تغطية النسبة المطلوبة لتعديل أو رفض قانون مجحف بحق من حقوق الناس، فإن السعي إلى تأجيل البت فيه أو تأخير إقراره سيكون أفضل الشرين. ولتحقيق النتائج المطلوبة هنا لابد أيضا من وصول الكفاءات النيابية المخلصة ولابد من السعي إلى تحقيق كتلة برلمانية وطنية واسعة أو تحالفات كتل داخل المجلس لقبول أو تعديل أو رفض أي مشروع قانون.

ومن الحدود والقيود التي أسهمت في إعاقة المهمة التشريعية لمجلس 2002 لائحته الداخلية. فاللائحة الداخلية هي الإطار القانوني المنظم لعمل المجلس والمحدد لأصول التشريع فيه. لقد طرحت الحكومة اللائحة الداخلية ببنود هي مفاتيح إضافية بيد السلطة التنفيذية لتوجيه دفة المجلس الوجهة المطلوبة. وقد واجه مجلس 2002 المعوقات التي تتضمنها اللائحة الداخلية، لكنه لم يفلح في إجراء أي تعديل عليها. إجراء التعديلات اللازمة في اللائحة الداخلية هي - بظننا - من أولى المهمات الماثلة أمام مجلس نواب 2006.

بالإضافة إلى ما أوردناه هناك جوانب أخرى مما يمكن عمله لتخفيف القيود المفروضة على الدور التشريعي للمجلس النيابي من قبيل أن يكون لنواب الشعب غير الموالين للحكومة وجود مؤثر في اللجان البرلمانية وفي مكتب المجلس بل وفي رئاسته. وكل ذلك سيكون قابلا للتحقق إن توسعت دائرة التحالف الوطني غير الموالي للحكومة، ونحسب أن ذلك لا يتم إلا بتجاوز الاعتبارات الدينية والمذهبية الطائفية والتمسك بالاعتبارات الوطنية والمواطنية فقط. ومن هذا المنطلق فحسب يفترض أن يختار الشعب ممثليه. إنها حلقة متصلة تبدأ باختيار سليم من المواطن لممثليه لتنتهي بنجاح محرز في تلبية مصالحه والظفر بحقوقه

إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"

العدد 1506 - الجمعة 20 أكتوبر 2006م الموافق 27 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً