العدد 1500 - السبت 14 أكتوبر 2006م الموافق 21 رمضان 1427هـ

ذكريات كويتية عن الغزو العراقي الغاشم

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

كنت أزور الكويت بعد العام 1958 مرة كل سنة، شتاء أو صيفا، وتعرفت أثناءها على الصديق الكويتي سليمان ماجد الشاهين الذي كان آنذاك يواصل دراسته الجامعية في الإسكندرية، قسم الجغرافيا، في الفترة التي كنت أدرس في آداب جامعة القاهرة. وكان والده يعمل في البحرين خلال الأربعينات وحتى مطلع الخمسينات في مؤسسة حسين يتيم التجارية. كانت البحرين في تلك الفترة تعيش عصرها الذهبي بالنسبة لإمارات الخليج الأخرى، إذ كانت أكثر ازدهارا وعافية من الكويت، بسبب النفط المستكشف مبكرا الذي بدأ إنتاجه في 1932 وإن كان بنسبة قليلة.

كانت البحرين أول إمارة عربية يكتشف فيها النفط في الخليج، وكان هناك ازدهار وانتعاش ولو كان محدودا، لذلك عمل الكثير من مواطني إمارات الخليج في البحرين. وكان الزميل سليمان رفيق الفنان عبد الله المحرقي في المرحلة الابتدائية في المدرسة الغربية، وربطتهما صداقة كما يذكر المحرقي. والتحق سليمان بعد تخرجه في مطلع الستينات بوزارة الخارجية الكويتية، وتدرج في مناصبها حتى وصل إلى درجة وكيل وزارة الخارجية ليرتقي بعد ذلك إلى وزير الدولة للشئون الخارجية في العام 1999 حتى 2001. وتقاعد بعدها ليحل محله الوزير الحالي الشيخ محمد صباح. وكان سليمان أول سفير للكويت في البحرين العام 1971، وبعد ذلك كان أول سفير لبلاده في الإمارات. وأهداني قبل سنتين كتابا قيما من تأليفه بعنوان: “الدبلوماسية الكويتية بين المحنة والمهنة”. وهو دراسة معمقة مدعمة بالوثائق والدراسات بشأن الغزو العراقي للكويت، واستمتعت بقراءته أيما استمتاع نظرا لموضوعيته ودسامة مادته وتجرده من كل هوى أو تعصب. وكنت أعددت دراسة من مئة صفحة عن الغزو العراقي للكويت تحت عنوان “احتلال الكويت بعيون صينية”. وكتاب سليمان هذا يضم 486 صفحة من القطع الكبير، لذلك يصبح تلخيصه أمرا في غاية الصعوبة، وسأختار بعضا من الرؤى والأفكار والحقائق في الكتاب. أمير الكويت سمو الشيخ جابر الأحمد قال لحظة العدوان العراقي المباغت والجبان كلمة بليغة ومؤثرة: ما يحزننا أن الأخوة هم مصدر هذا العدوان الغاشم لم يكن عدوا معروفا فنتقي شره أو بعيدا عنا فنرتاب من أمره. وإذا كان هذا العدوان قد تمكن من احتلال أرضنا فإنه لن يتمكن أبدا من احتلال عزيمتنا. كان العراق قبل احتلال الكويت خارجا من حرب مدمرة منهكة للطرفين إيران والعراق أتت على الأخضر واليابس. وأصر أن يدخل حربا أخرى تدمر جيشه وتقوض ما بقي من بنى تحتية ومؤسسات اقتصادية ومنشآت مدنية. إنها مغامرة عسكرية غير محسوبة بحجة عدم جدية الكويت في ترسيم الحدود مع العراق واستنزافها آبار النفط العراقية على حدود البلدين. وطلب العراق الاستفادة من جزيرتي فيلكة وبوبيان بإقامة تسهيلات ومنشآت عسكرية عليها، وهو ما رفضته الكويت تماما وأبدا. وفي اجتماع في السعودية حاولت التوسط بين الكويت والعراق في يوليو/تموز 1990، أي قبل الغزو بأيام، وقال ولي العهد السعودي (آنذاك) الأمير عبد الله أن العربي لا يمكن أن يرفع سلاحا في وجه أخيه العربي، وأن الدم العربي لا يمكن أن يتحول إلى ماء مسفوح. وانتهى الاجتماع إلى فشل ذريع وتلاه فشل آخر في الاجتماع الأخير بين نائب صدام عزة إبراهيم وولي العهد الكويتي (آنذاك) الشيخ سعد العبد الله. كان المؤلف حاضرا هذا الاجتماع وتابعه دقيقة بدقيقة، وكان لديه قناعة أن العراق يبيت عدوانا أثيما واجتياحا للكويت.

وتطرق المؤلف إلى اقتراح العراق بعقد اجتماع يضم الملك فهد والرئيس حسني مبارك وصدام حسين لبحث قضية الكويت. واعترضت الكويت على هذا الاجتماع لأنه يغفل الكويت وأميرها الشيخ جابر لحضور هذا الاجتماع. وفي الكتاب فصول وافية عن قضية الكويت ومكانتها التاريخية ابتداء من العام 1775. وكان العراق ضمن الخلافة العثمانية والعلاقات التعاقدية بين الكويت وبريطانيا. العراق كان يتمتع بوفرة مالية جيدة خلال السبعينات، ولكن بعد حربه مع إيران أصبح العراق مدينا بمئة مليار دولار، وأن يدفع سنويا سبعة مليارات دولار خدمة وسدادا لفوائد ذلك الدين.

ويقول المؤلف ان إنسان الخليج عاش بالأمس ظروفا قاسية واستطاع التغلب عليها، وعليه اليوم أن يواجه كل التحديات السياسية والاقتصادية والبيئية. فالمداخيل المالية في المنطقة تتزايد بالمليارات، ونصيب الفرد يصل إلى عشرة آلاف دولار. إنها أرقام خيالية لا تستقيم مع الواقع المعاش. والأمية في بعض الدول العربية تصل إلى خمسين في المئة أو أكثر، وهذا أمر مخيف ينذر بالخطر ولا يبشر بالخير. ويقول المؤلف نحن بحاجة إلى مؤسسات مالية فاعلة توجه دخل الاستثمار وكيفية استغلال الفائض من أموال النفط. هناك ثروات كبيرة في ميادين أخرى، كالثروة السمكية الكبيرة غير المخطط لها والمهدورة. وتحدث المؤلف عن مستقبل العمالة الوافدة وهل فكرنا في مستقبلها وهي في بعض الدول الخليجية تبلغ أكثر من 50% من العاملين في قطاع البناء والتعمير والشركات. إنه كتاب وثائقي مهم ذو رؤية ثاقبة جدير للقارئ أن يقتنيه للاستمتاع بقراءته والحصول على فائدته

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1500 - السبت 14 أكتوبر 2006م الموافق 21 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 11:47 ص

      الكويت ماكانت تكعد راحة تجاه العراق

    • زائر 2 | 9:22 ص

      أصل الكويت من أين أتى

      عمر دولت الكويت الصحيح وكيف أسست ومتى صدر قرار انشاء الكويت ولماذا وضعت عمر دولت الكويت لم يعد إلى يومنا هذا التسعون علم

اقرأ ايضاً