هل لنا القدرة باعتبارنا شعوبا حية كما نعتقد، على تشخيص الردة الاجتماعية (ردة الذات) التي نعيشها الآن ونملك الجرأة، في الوقت عينه، للاعتراف بها؟
بقينا طوال العقود القليلة الماضية نتأرجح بين «القتامة السوداوية» في صبغة الغرب، و«نصاعة البيضاوية» في وصف حالنا وواقعنا. ونسينا كذا مرة التحرك ضمن المنطقة الرمادية أو كما يسميها القرآن الكريم «منطقة الوسط».
في ثنايانا عداء مستعر لاميركا و(الغرب) بسبب تاريخهما الاستعماري واسناد واشنطن «لاسرائيل» وظلم الاخيرة اللامتناهي واللانساني للفلسطينيين، هذا من جانب. ومن جانب آخر نعتقد بل نعيش فخرا واعتزازا ملفقا لواقع بائس متخلف ولا نقبل الاعتراف بذلك.
ونتأرجح هكذا بين القطبين «هم» و«نحن» فهل يمكن لنا الخروج من هذه الشرنقة؟
هل يمكن الرد على الضغوط الداخلية والضغوط الخارجية الكبيرة بعملية امتصاص؟
اي امتصاص لهذه الضغوط وتحويلها إلى صالح جميع الداخل وذلك باستيعاب افكار جديدة في فرز آليات تغيير مع قوى اجتماعية قادرة على ترجمة الافكار الجديدة لواقع ديناميكي، فاعل ومتحرك.
تقول امثلة التاريخ الحديثة، على سبيل المثال لا الحصر، هكذا عمل اليابانيون والهنود، سعى اليابانيون بعد هزيمتهم الساحقة من الغرب في الحرب العالمية الثانية إلى تشخيص الاسباب الحقيقية للخسارة فاكتشفوا ان العلم هو سر نجاح الغرب فركزوا عليه، بدلا من الانتقام الجسدي، لمجابهة عدو حرقهم حتى بالنووي.
وكثرة سؤال الهنود عند جلاء الغازي الانجليزي عن ايجابية المستعمر، وكم تعلموا من الانجليز وما الجديد الذي يمكن تعلمه منهم في المستقبل. تطور الهنود في الذرة والفضاء، باعتبارهما مثالين عمليين عن الشوط الكبير الذي قطعوه منذ تحررهم من الانجليز. ربما، باعتبارها مرحلة أولى، يتطلب منا النقاش والحوار، عبر ندوات ومحاضرات وميديا، الاعتراف بالواقع السيئ، والاهم من ذلك تقنين هذا الحوار في ظل مؤسسات اجتماعية لتوفير واقع الشفافية الغائب وتنضيجه والسعي إلى مقاومة الضغوط الداخلية والخارجية من خلال بناء الذات واصلاح المواطنة وتحديث فهمنا للاسلام. ولا يمكن تجاهل المتغيرات ومجابهة المتطورات الحادثة من المشكلات والتحديات المستجدة بالعودة إلى الوراء للبحث عن حلول جديدة في تجارب الماضي القديمة.
نحتاج إلى هندسة سياسية (كميكانزم مهم) في عمليات الامتصاص والتحديث، ودور الهندسة السياسية في مجتمعاتنا لبناء جسور التفاهم بين طبقات المجتمع وردم الفجوات بين المواقف الرسمية والمتغيرات الشعبية.
والاهم من ذلك دور السياسة في نشر الحرية والديمقراطية والحوار المستمر بشأن كيفية التعامل مع المأزق الحالي ازاء ما نحن فيه. وهل «المرونة السياسية» في التعامل مع العامل الخارجي تمثل منطقة وسط معقول بين الرفض القاطع والمقاومة وعمليات الانتحار من جانب والتبعية التامة والانبطاح والاستسلام من جانب آخر، التي تميز واقعنا؟
وضرورة الهندسة السياسية في فرز وتطوير العملية السياسية، والاثنان يساهمان في تلبية الحاجة الماسة إلى الفكر السياسي المستجد. الفكر السياسي لمعالجة مصطلحات جديدة وموضوعات حقوق الانسان وحقوق الاقليات والتسامح الديني.
الفكر السياسي لمعالجة الجوانب الاجتماعية وغرس اسس المجتمع المدني وتشجيع المؤسسات غير الحكومية.
فكر سياسي يتناغم مع الجوانب الاقتصادية والادارية عبر استخدام التكنوقراط والخبراء والعلماء واستخدام الديمقراطية وآليات التغيير الديمقراطية لمحاسبة المفسدين في الاجهزة البيوقراطية ومحاولة تقليل البيرقراطية بتوظيف الخبراء والتكنوقراط وضرورتهم للاصلاح الاقتصادي واهميتهم لأساليب الادارة الحديثة في المشروعات والاعمال.
فكر سياسي يحث على دور التعليم ومراحله المتنوعة من الابتدائية إلى الجامعة أو انعكاسه على مؤسسات العلم والمعرفة في مجتمع القرن الواحد والعشرين القائم على المعرفة والتكنولوجيا والاختصاص
العدد 150 - الأحد 02 فبراير 2003م الموافق 30 ذي القعدة 1423هـ