العنوان أعلاه يختزل، على ما نزعم، فترة السنوات الأربع التي عشناها معاً، كنواب ومواطنين ومراقبين، ومارسناها نحن كنواب في مجابهة صخرة الاستماتة الدفاعية والتخريبية أحياناً، الحكومية (بحق ومن دون حق).
وهي كما يحسب كثير من المراقبين، تجربة حافلة بالمتناقضات المثيرة صعودًا وهبوطاً، أي في حال مدّها وجزرها، ففي مقابل سطحية وتفاهة بعض القضايا التي طرحها بعض النواب وأثارت صخبًا ولغطًا شديدين تجاوزا حدود المجلس وخرجا إلى الدائرة الأوسع أي الصحافة والمجالس والديوانيات التي انتشرت كالفطر في مناطق البحرين المختلفة - مقابل هذه الهوامش المضجرة، فقد كانت للمجلس وقفات جادة في عدد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كان لها صدى فاق سابقها، كما أن مفارقات التجربة لا تقلّ بدورها إثارة عن متناقضاتها، فهي تعتبر من ناحية التجربة الثانية في تاريخ البحرين الحديث، إذ كانت الأولى في العام 1973، أي بعد الاستقلال والتي لم تستمر سوى عامين فقط إذ لجأت الحكومة حينها إلى حل المجلس وتعليق العمل بالدستور ووضع البلاد تحت رحمة قانون أمن الدولة سيئ الصيت، حتى حقَّ أن نطلق على تلك الفترة بالسنوات السود، أما تجربتنا الحالية فقد اختلفت كثيرًا عن التجربة البرلمانية الأولى إذ نشأت في ظل مناخ يتوافر فيه قدر معقول من الحريات والسماح للتنظيمات (الأحزاب) السياسية بالعمل العلني على عكس التجربة الأولى التي لم يتوافر لها ولا جزء يسير من الحريات ناهيك عن استمرار تعرض نشطاء التنظيمات السياسية التي ظلت تعمل سرًّا للملاحقة والتنكيل.
إلا أن العملية الديمقراطية الثانية 2002 تميزت من مفارقاتها أيضاً بانقسام المجتمع بين مقاطعين للانتخابات بسبب التعديلات الجوهرية الأحادية الجانب التي أُدخلت على دستور 1973 من خلف ظهر الناس ومن دون علمهم أو موافقتهم وأدت إلى ظهور دستور جديد تقريبًا هو دستور 2002 أثار السخط والرفض، وبين مشاركين في تلك الانتخابات على أساس أن المشاركة من شأنها تقليل الخسائر التي أحدثتها التعديلات الدستورية الأحادية الجانب.
وكان لكل طرف من هؤلاء أسبابه المفهومة في اتخاذ موقفه من تلك الانتخابات وكان من نتيجة ذلك أن تمخصت الانتخابات عن مجلس منتخب لا يعبر بشكل كامل عن مختلف أطياف العمل السياسي والشعبي نظراً إلى محدودية أصوات المعارضة التي ضمها ما جعل مهمة الحكومة سهلة في تمرير كثير من القوانين والتشريعات الموجهة ضد حرية التعبير والعمل الديمقراطي ومصالح الناس عموماً.
وكان لابد أن يؤدي الموقف السلبي لقوى المقاطعة من البرلمان إلى تعقيد مهمة النواب المعارضين لأنه ألقى عليهم مهمة التصدي منفردين للقضايا الوطنية الكبرى على رغم أنها قضايا القوى السياسية والمدنية الحية بمجملها وتمسّ مصلحة السواد الأعظم من المواطنين، لقد جاء قرارنا بالمشاركة في الانتخابات على رغم معرفتنا بكل القيود والعيوب التي تكتنف العمل البرلماني في ظل تغيير الدستور وصدور حزمة القوانين التي شرعت لإحكام القبضة والسيطرة والتحكم في العمل السياسي والتي تم الترويج لها وتسويقها في الخارج قبل الداخل لاكتساب رضى وقبول الأسرة الدولية وخصوصاً القوى النافذة فيها التي صارت تتبنى التحولات الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم لأسبابها الخاصة.
لقد أدركنا منذ البداية أن وجودنا تحت قبة البرلمان لمواصلة مسيرتنا التاريخية في الدفاع عن مصالح الشعب من أي موقع تسنح لنا الفرصة في اقتحامه أفضل من الوجود خارج أسواره مع إدراكنا أن هذا لا ينقص من تقديرنا العالي للدور الكبير الذي أدته أطراف المعارضة المقاطعة للانتخابات سواء فيما يتعلق بالملف الدستوري أو فيما يتعلق بملفات الفساد والتجنيس والبطالة وغيرها من الملفات الساخنة التي أشعرنا كفاح المعارضة خارج البرلمان بشأنها أننا لم نعد لوحدنا في الكفاح السياسي الوطني وكم سعدنا بقرار الجمعيات السياسية المقاطعة العودة عن قرار مقاطعتها والمشاركة في الانتخابات المقبلة التي ستجرى في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل لأن من شأنه أن يعزز مواقع القوى الوطنية الناشدة استثمار الفرص التشريعية والرقابية التي يتيحها البرلمان - على رغم قلتها - لتجذير الخيار الديمقراطي للبلاد.
ومن خبرة السنوات الأربع الماضية التي قضيناها تحت قبة البرلمان، نزعم أننا في وضع يسمح لنا التأكيد للقوى السياسية أهمية مصارحة قواعدها الانتخابية بكل صدق وشفافية بأن المشاركة في الانتخابات وخوض غمار العمل النيابي ما هو إلا أسلوب للعمل السياسي الكفاحي السلمي لا يلغي الأساليب النضالية الأخرى، وأنه مثلما ينطوي على عوائد ستتراكم تدريجيًّا، فإنه يحتمل أيضاً الإخفاقات المريرة وهذه من طبيعة السياسة وعلى القوى السياسية في البرلمان أن تتذكر دائمًا أنها ليست الكتلة الوحيدة في المجلس، فهناك كتل أخرى لها توجهاتها وحساباتها الخاصة، والآن وفيما يتعلق بحصاد السنوات الأربع الماضية، نستطيع القول إنه لم يكن وفيرًا وإن كنا نأمل أكثر من ذلك، إلا أن الواقع كان أقوى من الجميع على ما بدا، فمحدودية الصلاحيات الدستورية والموقف السياسي السلبي لبعض القوى المعارضة وضعف النواب المعارضين وقيود اللائحة الداخلية للمجلس، ومراوغات وعدم تعاون الحكومة، كلها أمور لابد من أخذها في الاعتبار في الحاضر والمستقبل.
ولعل من المهمات الكبرى الماثلة أمام المجلس القادم، هي تعزيز روح الوحدة الوطنية وترسيخ مبادئ العيش المشترك وتغليب منطق احترام الرأي الآخر وترسيخ ثقافة الحوار بين مختلف الأطياف وخصوصاً بعد ظهور التداعيات السلبية الكبيرة “لتقرير البندر” الذي أظهر استجابة المجتمع المدني للعمل السياسي العلني ولجوء السلطة في البحرين إلى العمل السري في الأقبية المظلمة بعيداً عن الرقابة من خلال إنشاء الشبكات السرية لتقويض العمل السياسي وتخريب هياكل وبنية المجتمع. كما أن من مهمات البرلمان المقبل أيضًا التأكيد على تحقيق مطالب المواطنين في توفير أسس العيش الكريم على جميع الصعد المتعلقة بالرقي بحياة الناس كالإسكان، العمل، التوظيف، التأمين ضد التعطل، الصحة، التعليم وغيرها وكذلك الحرص على تثبيت مبدأ الحفاظ على الحريات العامة ومبادئ حقوق الإنسان بما يعزز من كرامة المواطنين على أرضهم وفي وطنهم
العدد 1499 - الجمعة 13 أكتوبر 2006م الموافق 20 رمضان 1427هـ