صديق لي من الجالية الاوروبية العاملة في البحرين قال لي سائلاً: «إنه لا يفهم موقف الحكومة البحرينية، فهم من جهة يصرحون لأكثر من مرة بضرورة مشاركة جميع القوى السياسية في العملية السياسية والتنافس الديمقراطي لتمثيل الشعب عبر الانتخابات، ولما قرر الجميع المشاركة نرى الحكومة تضع العقبة تلو الأخرى وكأنها لا تريد للعملية النجاح!».
انتهى سؤال صديقي الاجنبي وكان سؤالاً بريئاً لحد ما نابعاً من تجربة خاصة به مارسها في بلده الاوروبي الديمقراطي حيث الشفافية والمساواة امام القانون حكاماً ومحكومين. أما خلفية سلوك حكومتنا الآنف الذكر الذي تمثل في اكثر من ممارسة على مدى الشهرين الماضيين منها الانتظار لآخر لحظة في الاعلان عن موعد الانتخابات ثم الاصرار على آليات التصويت الالكتروني ثم التراجع عنه بعد التمنع والمعارضة الواسعة من غالبية قوى المجتمع، ثم محاولة ارباك المعارضة في رفض تغيير عناوين بعض رموزهم في الوقت الذي وافقت على تغيير عناوين بعض الشخصيات الأخرى والكيل بمكيالين نهاراً جهاراً، والتوسع في عملية التجنيس في سباق مع الزمن وتسريب المعلومات عن نية الحكومة في منح هؤلاء المجنسين حق التصويت في الانتخابات حتى وان كان بعضهم حصل على الجنسية والجواز البحريني قبل يوم واحد من موعد الانتخاب، حتى وان لم يفقه او يتقن هؤلاء المجنسون ولا كلمة واحدة من لغتنا العربية. ثم الاصرار على ما سموه بالدوائر العامة على رغم تحفظ الكثيرين عليه لما يثيره من شكوك واضحة مبررة. فالبحرين مساحة وعدداً لا تتعدى ضاحية صغيرة من ضواحي مدريد أو لندن وهما دستوريتان ملكيتان. وأخيراً وليس آخرا هذه التوليفة السحرية العجيبة للجنة الوطنية العليا المنوط بها القيام بدور الاشراف والمراقبة لضمان حيادية ونزاهة العملية الانتخابية المقبلة... وقد تحمل الأيام المقبلة التي تفصلنا عن يوم الانتخابات اختراعات وحكايا من هذا القبيل، لا لسبب سوى الخوف من وصول رجال المعارضة الحقيقية الذين نذروا انفسهم للبحرين وقرروا ممارسة حقهم الطبيعي في النضال السلمي من خلال الاطر الديمقراطية الشرعية لاحداث تغيير حقيقي في عملية المشاركة السياسية وادارة شئون البلاد لما يحقق العدل والمساواة للجميع ويحفظ الأمن والاستقرار، وهما الشرطان الضروريان لأي تقدم اقتصادي مرجو.
ان أية عملية تغيير يصاحبها من داخلها وخارجها بروز قوى معارضة ومناهضة لذلك التغيير لاختلاف المصالح فما بالك اذا كان التغيير المعني يمس شكل وجوهر الحياة السياسية والإجتماعية السائدة، وهذا ما نراه في بلدنا وهو اجابتي على استفسار صديقي الاوروبي.
مع ذلك يجب على قوى المعارضة ألا تيأس أو تصاب بالاحباط وعلى العكس من ذلك فإن كل تلك التكتيكات والممارسات من جانب الحكومة يجب ان تكون حافزاً إضافياً لكل من تهمه مصلحة البحرين للتوحد والاصرار على خوض غمار التجربة والتمسك بالنهج السلمي قولاً وعملاً من أجل البحرين وأهله أجمعين. ستصل المعارضة الحقيقية هذه المرة للبرلمان، هذا المنبر الوطني المهم على رغم كل شيء،ونتمنى كمواطنين ان نرى رجالات المعارضة وهم منشغلون بهموم الوطن وقضاياه العليا بدلا من الانشغال بأنفسهم وهمومهم ومصالحهم الذاتية عندما تدق ساعة الامتحان القادم... وان غدا لناظره لقريب
العدد 1498 - الخميس 12 أكتوبر 2006م الموافق 19 رمضان 1427هـ