العدد 1498 - الخميس 12 أكتوبر 2006م الموافق 19 رمضان 1427هـ

ذكريات كويتية... عن «شانزليزيه» وجامعة الكويت

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

ذكرت فيما سلف أن أول زيارة لي للكويت كانت في صيف 1953 وأما الزيارة الثانية فكانت في صيف 1958 من القرن العشرين الماضي. كنت آنذاك طالبا جامعيا في كلية الآداب، جامعة القاهرة في مصر أم الدنيا، وعاصمتها قاهرة المعز لدين الله الفاطمي، إذا بعد هذا الانقطاع لعدة سنوات عن الكويت أصبت بالذهول والدهشة بل بالسرور والانشراح في آن واحد عندما أبصرت عيناي شارع فهد السالم. إنه شارع جديد بكل المقاييس وإنجاز معماري كبير.

مشيت من شارع عبدالله السالم الذي كان الكويتيون في مطلع الخمسينات مزهوين به، أما الآن فإنهم يفتخرون به ويعتبرونه بمثابة “الشنزيليزيه” وساحة “الكونكورد” في باريس بالنسبة إليهم بل ولدول الخليج قاطبة، فلم يكن في المنامة آنذاك شارع يضارعه في ضخامة عماراته وفخامتها وأناقتها ولاسيما مداخلها الواسعة. وقد لا تماثله إلا شوارع القاهرة أو شوارع ضاحية الحمراء في بيروت. في هذا الشارع تبدو العمارات مكونة من طوابق خمسة أو ستة وأمامها دواوين مسقوفة وأعمدة سامقة مزدانة بالفسيفساء ذات الألوان الجميلة.

وفي نهاية هذا الشارع ذي المسارات الثلاثة في كل جانب تطل علينا بناية عالية من عشرة طوابق حيث تقع فيها دائرة المالية وكان يرأسها آنذاك سمو الشيخ جابر الأحمد، وذلك منذ العام 1959، وعرف عن الفقيد روح المثابرة والإخلاص في العمل وإتقانه على أكمل وجه. ثم أصبحت هذه الدائرة وزارة المالية والاقتصاد في العام 1962 فكان أول وزير للمالية في دولة الكويت بعد استقلال الإمارة، وأصبح رئيسا للوزراء العام 1965 وفي العام 1966 اختير وليا للعهد خلال ولاية الشيخ صباح السالم ثم أصبح أميرا للكويت في العام 1977.

وقد التقيت سموه ثلاث مرات في حياتي، الأولى في سبتمبر/ أيلول 1967 في حفل افتتاح العام الثاني لجامعة الكويت في ضاحية الخالدية التي افتتحت في العام 1966 وكنت يومها معيدا في الجامعة، وكان عبدالفتاح إسماعيل مديرا للجامعة، وأنور النوري أمينا عاما للجامعة. أما المرة الثانية فكانت في ديسمبر/ كانون الأول 1990 في بكين. كانت الكويت محتلة من قبل العراق وأثناء استقباله للسفراء العرب المعتمدين في بكين كان الرجل يحمل هما ثقيلا لا يقدر على تحمله إلا أهل العزم والإرادة من الرجال إلا أنه كان صامدا ومتجلدا رابط الجأش على رغم حال الإحباط والانكسار التي كانت تلف شخصيته وأذكر أنه بقي صامتا بعد مصافحتنا إياه ولم ينبس ببنت شفة كما تقول العرب.

وعلى رغم هذا الحال أعني احتلال الكويت وفقدها استقلالها وسيادتها فقد احتفت به القيادة الصينية من خلال رئيس الجمهورية الصيني آنذاك يانغ شون كون أيما احتفاء وكان محل تكريم وتقدير وإكبار في بلاد التنين الأصفر والتقيت سموه مرة ثالثة في شهر مايو/ أيار من العام 1991 عند قدومه ومغادرته بكين ولقاء السفراء العرب. كانت الكويت قد حررت من الغزو العراقي الغاشم وبدت على سيماه الفرحة والبهجة والحبور والانشراح جاء في هذا العام إلى بكين ليقدم الشكر الجزيل والعرفان لقيادتها على وقوف الصين مع الكويت في محنتها الأليمة.

في أول شارع فهد هذا من ناحية ساحة الصفاء تطل علينا حديقة جميلة فيها أشجار باسقة ولكن من غير قطوف دانية، إلا أن المرء لا يعدم الاستمتاع بأشجار الورد والأزهار بعضها طيب الرائحة وبعضها جميل المنظر، أبدعتها يد الخالق جلت قدرته. وهي حديقة ذات ممرات جميلة وعلى جوانبها اصطفت كراسي مريحة للمترددين والمرتادين لها ولاسيما العائلات.

يذكر أن موقع هذه الحديقة قد كان في الأساس مقبرة الكويت الرئيسية داخل أسوارها التاريخية والتقليدية وعند إزالة تلك الأسوار واتساع رقعة مدينة الكويت قامت بلدية الكويت بنقل هذه المقبرة إلى خارج مدينة الكويت، وقبل عشر سنوات من النقل منعت أن يدفن فيها الموتى. ويبدو أن نقلها تم في هدوء تام ومن غير ضجيج أو ضوضاء من قبل مختلف الأطراف. وبقي في هذا الشارع مبنى قديم ولكنه كبير كانت تشغله وزارة المعارف كما يطلق عليها هذا الاسم آنذاك بدل وزارة التربية والتعليم في الوقت الحاضر وكان حسن الجشي أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية يعمل في إحدى الإدارات بعد تركه البحرين في العام 1956 نتيجة للأوضاع السياسية غير المؤاتية شأنه شأن الكثيرين من أبناء البحرين. وقريب منه مطعم شعبي مشهور للشاورما اللبنانية اللذيذة وزبائنها المتقاطرون عليه من كل صوب وحدب من كل أنحاء الكويت في سباق مع الزمن الجميل لكي يحصلوا على سندويتشاته والتي تنفد في لمح البصر. وهناك مطعم هارون الرشيد وهو اسم على غير مسمى فلم نجد أجواء وسحر وقصور الرشيد فيقدم سندويتشات الهمبورغر والدجاج. ومن المطاعم المشهورة جدا في هذا الشارع مطعم جبري يديره ويملكه شخص من أهل الشام كنت أتردد عليه دائما لتناول وجباته الغذائية. وقد اشتهر بأكلاته السورية واللبنانية والفلسطينية ومن الصعب أن تنسى الكنافة النابلسية والقطايف والبقلاوة والأصناف الأخرى من الحلويات. كانت في الكويت جالية فلسطينية كبيرة يقدر عددها بـ 400 ألف فلسطيني ومثل هذا العدد من اللبنانيين والسوريين. وهناك سوق المباركية بمتاجرها السورية وأما العراقيون فحدث ولا حرج وعددهم غير معلوم. وفي منطقة الشرق حيث توجد المطاعم الإيرانية الكثيرة، وفي منطقة النقرة مطاعم الفول والفلافل أوالطعمية المصرية أوالشامية. وهناك جالية مصرية كبيرة من الأساتذة والعمال وأذكر أن شركة يوسف الغانم قد خصصت مطعما يديره اللبناني أبوطوني البشوش والخفيف الظل كان يقدم الوجبات اللذيذة للعاملين في شركات الغانم وهم فئات معظمهم من العرب وكذلك المرتادون الآخرون من الموظفين والمدرسين من أمثالي. كنا معا ننعم بطعامه اللذيذ حيث كانت هناك خيارات لا تعد ولا تحصى من المطاعم ترضي كل الأذواق

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1498 - الخميس 12 أكتوبر 2006م الموافق 19 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً