العدد 1495 - الإثنين 09 أكتوبر 2006م الموافق 16 رمضان 1427هـ

النموذج الانتخابي البحريني مغلق ومنافٍ لمعايير الشراكة الدولية

فريدة غلام إسماعيل comments [at] alwasatnews.com

تحدثت الصحف اليومية قبل أيام على لسان المدير التنفيذي الجديد لانتخابات 2006 عن هيكل تنظيمي جديد للانتخابات من ستة أقسام يعاون اللجنة العليا إداريا وتنظيميا وفنيا، وعن تثبيت مراكز الاقتراع العامة وفق القراءة القانونية التي تقدم بها المحامي الأول للجنة العليا، مع توضيح أن وزارة العدل مناط بها الدور الإداري كاملا، والسلطة القضائية مناط بها الإشراف الكامل على العمليات الانتخابية، كما حرص المدير التنفيذي على إيصال رسالة للجمعيات السياسية مفادها أن مشاركة منتسبي هذه الجمعيات في الأجهزة الفنية والإدارية في مراكز الاقتراع أمر غير مرغوب.

نظامنا الانتخابي يصنف ضمن النموذج الحكومي البحت بامتياز، ووفق هذا النموذج لا توجد مجالس إدارة تضم شركاء العملية الانتخابية بل تشتغل اللجان العليا المعينة عبر التنفيذيين والموظفين المأمورين، في انحراف كبير عن اتجاهات الإصلاح الانتخابي الدولي منذ منتصف الثمانينات. عندها بدأ تزايد الالتزام حول العالم بعمليات الإصلاح الانتخابي بعد أن انتبهت القوى السياسية وهيئات الإدارة الانتخابية إلى أن للنظام الانتخابي وعملياته تأثيرا كبيرا في التغيير المجتمعي، وعلى رغم تزايد عمليات الفحص والتدقيق منذ نهاية التسعينات، بقيت عمليات بناء الثقة والاحترافية حتى يومنا هذا موقع تحد مستدام.

الاتجاهات الدولية اليوم تنحو منحى الهيئات المستقلة المتمتعة بالمهمات والصلاحيات الواسعة، مع الاهتمام بتطوير مستوى الجودة في تقديم الخدمة الانتخابية والتوعية للناخب لضمان حرية الانتخابات ونزاهتها، فأين نحن من ذلك؟ إن من حق شعب البحرين أن يخاف على تمثيله ويدافع عن صدقيته، ويسأل ويطالب ويلح على الإصلاح الانتخابي الشامل، فعملية الانتخاب عملية معقدة جدا كونها تجري عادة في أجواء سياسية مشحونة وتفضي إلى نتائج وتداعيات مجتمعية حاسمة.

إن نظامنا الانتخابي نظام الاتجاه الواحد بجدارة، فالرسميون يرسمون ويخططون ويقرون وعلى الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والمواطنون الطاعة والامتثال. ولكن هل هذا ما يمليه حكم القانون ودولة المؤسسات والمعايير الدولية في تصميم الأنظمة الانتخابية؟ القراءة والاطلاع ينفيان ذلك، فعند فحص أي نظام انتخابي يطرح المتخصصون الأسئلة الملحة الآتية: من ينظم الانتخابات؟ أهي جهة حكومية أم مستقلة أم مختلطة؟ وما الهيكل التنظيمي الذي يسير العمل؟ ما هي الأطر القانونية المنظمة للعملية الانتخابية... من اتفاقات دولية ودستور وقانون انتخابي وقرارات إدارية ولوائح وضوابط داخلية؟ ما هي المسئوليات والمهات والصلاحيات؟ كيف يتم تمويل هذا الهيكل ليدير العمل بصورة شرعية ومن دون شبهات؟ كيف يتواصل النظام الانتخابي مع الشركاء كالإعلام، والأحزاب السياسية والمتبرعين؟ وكيف يمكن تقييم الأداء؟ وهل يتم توظيف الخبرة في إجراء انتخابات دورية ومنتظمة؟

إذا تحدثنا اليوم في العملية الانتخابية عن شرط الشراكة فقط، فالمعايير الدولية عند تصميم أي نظام انتخابي ترسم أدوارا كثيرة للشركاء، وتوجب أن تكون بين هؤلاء الشركاء علاقات مستمرة حتى لو كان بعض الشركاء »شريكا صعبا«، والشركاء هم المجموعات المؤثرة في سلوك وتصرف هيئة إدارة الانتخابات أو المتأثرة بها، وتلك الهيئات التي تحاسب الإدارة الانتخابية من قبلها.

الشركاء يصنفون إلى شركاء أساسيين وشركاء ثانويين، فالشركاء الأساسيون هم المؤسسات، كالمؤسسة التشريعية والأحزاب السياسية والذراع التنفيذي للحكومة، والجهاز القضائي بمكوناته المختلفة، ومؤسسات المجتمع المدني وموظفي لجنة الانتخابات، والناخبين، والإعلام، ومراقبي الانتخابات والمتبرعين. أما الشركاء الثانويون فهم مزودو الخدمات وعامة الناس.

وتتحدث المعايير العالمية عن طبيعة العلاقة بين هيئة الانتخاب والشركاء مستوجبة معاملة عادلة ونزيهة لكل الشركاء ومشورة مستمرة معهم، واصفة تلك العلاقة بذات الاتجاهين ضمن وسائل اتصال متنوعة، شاملة الاجتماعات التشاورية لمناقشة السياسات، والمؤتمرات الصحافية للاطلاع الدائم، وإشراك أعضاء من الشركاء في أنشطة الهيئة أو اللجنة، كدورات التدريب والاطلاع على التقارير المعمقة وغيرها.

ومن موضوعات المشورة والعمل تذكر المعايير الخطط الاستراتيجية، الجداول الزمنية للانتخابات وعملياتها، الإصلاحات المرغوبة، عمليات توعية الناخبين والاحتياجات المعلوماتية. وحتى تزداد الثقة بين اللجنة والشركاء توصي المعايير الدولية باعتماد الشفافية والاحترافية ودورية الاتصالات في أجواء حساسة متفهمة ومسئولة تجاه الشركاء من حيث الاحتياجات والتوقعات. وحتى »الشركاء الصعبون« يجب احترام التعامل معهم إداريا إما بشكل مباشر أو عبر وسيط أو عبر القضاء.

أما عضوية مجالس إدارة الهيئات العليا للانتخابات أو اللجان العليا في النماذج المستقلة أو المختلطة، فتضم أعضاء مرشحين من قبل أحزابهم لديهم القدرة والإمكانات المطلوبة، أو تضم بعض الخبراء غير المنتسبين لحزب سياسي، ويجوز أن تتألف الهيئة من مزيج من السياسيين والخبراء.

كل صور هذه الشراكة الانتخابية السابقة مستقرة في نماذج متعددة دوليا، بل وخاضعة لعمليات التقويم والتطوير المستمرة لأجل المزيد من الشراكة، بينما يتم التعامل مع البحرينيين المهمومين المشتغلين يوميا بقضايا الوطن على أنهم لا علاقة لهم بالتفاصيل، وأنهم مشاكسون ومعوقون للتقدم التقني، وغير ملمين »بالقوانين المنظمة« التي تمنح في صورة مراسيم وقرارات، بعيدا عن المؤسسة التشريعية. لا بل يتم التشديد على معاملة المنتسبين للجمعيات السياسية على أنهم غير حريصين على نماء البلد وضمان مستقبل أبنائه، ومن الضروري »تجنيب الأجهزة الرسمية« ضررهم، في الوقت الذي تكون مشاركتهم حقا أصيلا من حقوقهم في البلدان المتقدمة.

إن لم يكن هذا الذي نشهده انقلابا على القيم ومضامين حقوق الإنسان ودولة القانون التي تحولت سرابا باليا، وصنعا مشوها بألقاب ومصطلحات جوفاء وسلوكيات منتقصة لحريات سنها الله لبني البشر، فأمام ماذا نحن إذًا؟ ومتى ستتعلم السلطات الرسمية أن تحترم قوى المعارضة البناءة وتحترم عموم الناس باعتماد نظم انتخابية مبنية على الإصلاح الشامل والشراكة الحقيقية والاستقلالية، لا على ترقيعات هنا وهناك كتغيير الهياكل وتغيير وجوه الصف الأول وإصدار الفتاوى القانونية

إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"

العدد 1495 - الإثنين 09 أكتوبر 2006م الموافق 16 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً