العدد 1494 - الأحد 08 أكتوبر 2006م الموافق 15 رمضان 1427هـ

الزاوية الأنسب لعلاج الظلامات

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

ما لا يمكن إنكاره ولا يقبل المزيد من التستر عليه، هو الممارسات الطائفية التعسفية التي تسود عالمنا العربي والإسلامي، هذه الممارسات أدت إلى خسارة فادحة للطاقات والكفاءات والإمكانات التي كان يمكن للمجتمع أن يستفيد منها ويستثمرها، كما أنها أدت إلى أوضاع غير سوية للطوائف المقهورة.

لقد أشرت في مقالات سابقة إلى أن المطالبة بحقوق الطائفة (أي طائفة كانت) في مجتمع يرزح تحت وطأة الطائفية هو عمل محفوف بمخاطر وعواقب تكرس الداء وتبطئ مفعول الدواء وتؤلب الرأي العام، وتوقظ في أعماقه الحذر والريبة والتوجس، ولكن هل يتعين الرضا بالواقع كقدر أرادته المشيئة الإلهية، أو فرضته المعادلات الأرضية؟ أم على الإنسان أن يسعى لإصلاح الخلل وتعديل المسار؟ والأهم من كل ذلك هو: أين ينبغي أن يوجه الإنسان السعي ويستفرغ الجهد؟

أجد في أعماقي أموراً تحتاج منك أيها القارئ الكريم أن تساعدني في الوصول إلى الصواب وتجنب الزلل فيها، وهي:

أولاً: تحميل الأشخاص مسئولية الدفاع عن ظلاماتهم باعتبارها ظلامات شخصية، لا يقبلها دين ولا نظام ولا قانون، فلا ينبغي أن يغيب عن البال أن كثيراً من الظلامات في العالم العربي والإسلامي ناتجة من تعاسة النظم، وتخلف القوانين، وسريان عرف المحسوبيات والوساطات، وأن الانعكاسات السلبية على طائفة معينة، ليست بالضرورة تعمدا مقصودا، بل هي في أحيان كثيرة كوارث شاملة وعامة، لكن قد يكون نصيب هذه الطائفة من التهميش والظلم كبيرا بسبب أمور لست بصدد الحديث عنها الآن.

يرى الكاتبان حيدر إبراهيم علي وميلاد حنا في كتابهما أزمة الأقليات في الوطن العربي، (ص116) ان من يتابع دساتير الدول العربية والإسلامية يجدها تحتوي على أرقى وأنبل المبادئ الإنسانية والتي لا تقل عن دساتير العالم المتحضر، ولكن الواقع والتنفيذ ليست له صلة بالمكتوب.

وفي تصوري أن شكاية القانون والدستور وجعله حكماً وقاسماً مشتركاً للجميع في شكاياتهم وظلاماتهم هي التي تنشط المادة القانونية والمبادئ الأخلاقية التي رسمها المجتمع نهجاً له وقانوناً ينظم حياته وعلاقاته، وفي الجهة الأخرى المقابلة فإن بقاء الظلامات وعدم علاجها ناتج من تقاعس أصحابها عن الدفاع عن حقوقهم الشخصية المستلبة، وتقصيرهم عن المجاهدة دونها، بغض النظر عن مبررات الظلم وتفسيرات الاستلاب.

هذا هو الدور الفاعل والتوجه السليم والبديل الصائب عن التقاعس والقبول بالخطأ ثم الاكتفاء بتوصيف الأمور بأوصاف قد لا تكون تامة الدقة والحكاية عن واقع الحال.

لقد استراح كثير من المظلومين إلى وسادة الراحة لأنهم اعتبروا أن ظلمهم ظلم طائفي، واعتبروا أن الدفاع عن ظلاماتهم أكبر بكثير من قدرتهم، فخلدوا إلى الاستسلام والسكوت.

ثانياً: في شكاية المظلومية أمامنا طريقان، الأول: أن تقول أنا مظلوم، وظلمي خلاف القانون المعمول به في وطني، والطريق الآخر: أن تقول أنا مظلوم لأني من أتباع هذا المذهب وتلك الطائفة، ولا ريب أن المظلوم الأول أقرب لنصرة الآخرين له ووقوفهم معه وتفهمهم لحقه، إذ الغالبية ستتعاطف مع المظلوم كمظلوم، وعلى النقيض سيكون التجاوب مع النبرة الثانية والطريق الآخر معدوماً من قبل الآخرين.

فالشكايات الإنسانية والقانونية البحتة هي الأقدر على تجميع الناس حولها ودفعهم لقبولها والتعاطف معها لأنها تحاكي إنسانيتهم وتدغدغ مشاعرهم، وتحرك ضمائرهم، كما أن السواد الأعظم من الناس يساعدون المظلوم كمظلوم ويمدون له أيديهم بكل ما اتسعت من طاقات وإمكانات.

على العكس يحصل، فما ان تتلون الشكاية ويوصف الظلم بأنه طائفي، وتوصم الحالة بأنها تعصب مذهبي حتى تجد الحواجز قد أخذت مواقعها، وتخندق الأشخاص وراء تاريخهم ومسبّقاتهم، وقل تجاوبهم، ودب الذعر والخوف في نفوسهم خشية أن يفترسهم الخطاب.

إن هذا النوع من الخطاب يترك الآخرين فاقدين للدافع والمحفز نحو خطابك، فأنت تتحدث عن طائفتك وتوجهك ومعتقدك، وأي مكسب لهم في كل ذلك؟ ناهيك عن شعورهم بأن الخطاب يستبطن اتهاماً مبطناً للطوائف الأخرى بأنها طائفية وأنها ظالمة، يشير الكتاب الآنف الذكر إلى إنه مع غياب الديمقراطية يزداد الميل إلى ما يمكن تسميته أثنية السياسة - ethnicization - إن صح الاشتقاق بمعنى أن يتجمع الأفراد على أسس أثنية، وتحول القضايا ذات الطابع السياسي أو الطبقي إلى قضايا اختلافات أثنية، أي تفسير كل الظواهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية على ضوء القبلية أو الدين أو اللغة أو الطائفية أو الثقافة عموماً (ص116).

ثالثاً: الارتقاء إلى المطالب العامة والتركيز عليها وتوجيه الجهود ناحيتها، فالعدل والمساواة والتعددية والديمقراطية وتكافؤ الفرص وغيرها من المطالب الكلية العامة هي محل لتوافق الإنسانية جمعاء، وهي شعار له أتباع ومريدون في كل طائفة ومذهب وفي أعماق كل إنسان، وفي كل صقع أو زاوية من زوايا الأرض سيجد المتبني لهذه الاطروحات والمُطالِب بها أن كثيرين من إطاره الاجتماعي الواسع والأكبر حجماً من طائفته يؤازرونه ويساندونه ويقفون معه في خندق واحد، وإذا كتب لجهد مجموعي أن يكلل بالنجاح، باعتبار أن فرصه أوفر حظاً، فإن بقية المسائل ستأخذ طريقها للحل، لأن وجودها كان وليداً لظلم وتعسف ونكال، ولا مكان لهذه المفردات في سياق العدل والمساواة والتعددية والديمقراطية.

وليس عزيزاً أن نقول: إن هذا التداخل يؤكد الهموم المشتركة، ونقاط التوافق القائمة، ويكرس فعلية العلاقة والتداخل، وهو مهم جداً في إلغاء الحواجز، ومد جسور التواصل، والاقتراب النفسي بين كيانات المجتمع وطوائفه، وتعرف كل طرف على الطرف الآخر وطريقة تفكيره وماهية أهدافه وكيفية قراءته للأمور والحوادث، وهذه الأمور مجتمعة يمكنها أن تزرع الاطمئنان في الطرف الآخر، وترفع مستوى الثقة به.

في النهاية أقول: تلك مجرد أفكار ومقترحات تساعد الطائفة التي تشعر بالغبن والتهميش على سلوك الطريق الطويل لعلاج مشكلاتها المتكدسة

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1494 - الأحد 08 أكتوبر 2006م الموافق 15 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً