منذ أن اندلعت الحرب بين «إسرائيل» وحزب الله في شهر يوليو/ تموز الماضي، لم تتوقف التحليلات والتكهنات الهادفة إلى معرفة الأسباب الحقيقية الكامنة وراءها لدى طرفي النزاع، وكذلك الترتيبات التي ستعرفها المنطقة في ضوء النتائج التي تمخضت عنها تلك الحرب. الكثير من المحللين يحاول ان يربط بين تلك الحرب وبعض الصفقات، التي قد تبدو أن لاعلاقة لها بها، والتي شرعت بعض دول المنطقة - لبنان ليست من ضمنها - في عقدها مع بعض الشركات الأوروبية وتحديداً البريطانية.
أول تلك الصفقات الملفتة للنظر كانت تلك التي وقعتها سورية. وهي عبارة عن عقدين مع شركة شل البريطانية الهولندية للتنقيب عن النفط في منطقتي دير الزور (432 كلم شمال شرق دمشق) وتدمر (207 كلم شمال شرق دمشق)، حسبما افادت صحف في دمشق الخميس الماضي الموافق 4 أكتوبر/ تشرين الأول.
وينص العقد الأول على منح الحكومة السورية الشركة السورية للنفط وشركة شل سورية، الحق الحصري في التنقيب عن النفط وتنميته وإنتاجه في المنطقة 13 الواقعة جنوب غرب مدينة دير الزور وحتى الحدود العراقية والبالغة مساحتها 6040 كلم مربعاً.
وقال وزير النفط السوري سفيان العلاو خلال حفل التوقيع الاربعاء الماضي في وزارة النفط: ان «شركة شل ستقوم بموجب هذا العقد بصرف مبلغ مقداره 9.1 ملايين دولار في فترة زمنية مدتها 48 شهراً تبدأ من تاريخ العقد وتمدد لفترة أولى مدتها 36 شهراً وينفق خلالها مبلغ مقداره 5.25 ملايين دولار وتمدد فترة ثانية مدتها 36 شهراً وينفق خلالها مبلغاً مقداره 4.650 ملايين دولار».
أما العقد الثاني فينص على منح الحكومة الشركة السورية للنفط وشركة شل الحق الحصري في التنقيب عن النفط وإنتاجه في المنطقة 15 الواقعة الى الجنوب من منطقة تدمر وحتى الحدود السورية الأردنية والبالغة مساحتها 8087 كلم مربعاً وذلك وفق شروط عمل وتقاسم حصص حددها العقد البالغ مدته 20 عاماً.
واضاف العلاو ان «العقد الثاني يعطى فترة اولية للتنقيب مدتها 48 شهراً وينفق خلالها نحو 10.5 ملايين دولار وتمدد فترة أولى مدتها 36 شهراً وفترة ثانية مدتها أيضاً 36 شهراً». ولا يحق للشركة بموجب العقد استرداد المبالغ التي انفقتها اذا لم تحقق اكتشافاً تجارياً.
وأكد ان انتاج سورية من النفط في 2006 بلغ 400 ألف برميل يومياً وان الانتاج سينخفض الى 300 ألف برميل في 2020 «لكن الاكتشافات والدراسات الفيزيولوجية ستحقق إنتاجاً أكثر».
ويربط المحللون بين تلك العقود السورية البريطانية وخطوات الإصلاحات الاقتصادية التي أقدمت عليها سورية حديثاً ومن بينها: إصدار الرئيس السوري بشار الاسد مرسوماً يقضي باحداث سوق لتداول الأوراق المالية تسمى «سوق دمشق للاوراق المالية». وستفتح «بورصة دمشق» ابوابها في 2007. والتي تنوي سورية من خلالها القيام «تدريجياً» بتحويل الاقتصاد السوري الذي مازال موجهاً الى «اقتصاد سوق اجتماعي».
من جانب آخر وعلى نحو مستقل، يقرأ المراقبون بدقة وحذر ما أكده نائب رئيس الوزراء السوري للشئون الاقتصادية عبدالله الدردري في قوله إن اقتصاد بلاده دخل مرحلة جديدة مع تطبيق الخطة الخمسية العاشرة والمراسيم والقوانين التي تعزز مسيرة الإصلاح الاقتصادي والتوجه نحو اقتصاد السوق الاجتماعي.
وأوضح الدردري أن القانون الجديد للمالية العامة للدولة يعتبر بوابة الانطلاق نحو الإصلاح الاقتصادي وسيتيح مواءمة الموازنة الجارية والاستثمارية بشكل حديث وعلمي وعقلاني مع الحفاظ على دور هيئة تخطيط الدولة ولكن باستخدام أرقى أساليب المالية العامة.
ما يثيره المراقبون هو: هل يا ترى كانت المنطقة بحاجة إلى حرب من نوع تلك التي قامت بين حزب الله و«إسرائيل» كي تبدي سورية خطواتها الإصلاحية من جهة، وكي تمد بريطانيا (وهي القريبة من أميركا) يدها للتنقيب عن النفط في سورية من جهة ثانية؟ وهل المصادفة المحضة هي التي جمعت بين ذلك وإطلاق البورصة والشروع في الإصلاحات الاقتصادية؟ البعض الآخر يتساءل إن كانت الخطوة البريطانية، من خلال شركات النفط، بمثابة الفاتورة التي تطالب سورية الغرب بدفعها إن هو أرادها ان تكف يدها عن التدخل في لبنان؟
لعل في الإجابة الصحيحة على مثل هذه الأسئلة تكمن التفسيرات المطلوبة لفهم أسباب تلك الحرب ونتائجها المتوقعة، والتي من المتوقع أن ينبثق عنها «شرق أوسط جديد»
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1494 - الأحد 08 أكتوبر 2006م الموافق 15 رمضان 1427هـ