العدد 1492 - الجمعة 06 أكتوبر 2006م الموافق 13 رمضان 1427هـ

عشرة لن أسمّيهم يخربون ليلاً مصطنعاً

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

لستُ أكبرَ من هذه الساحة. ولن أتجرّأ يوماً على التشدّق بذلك، على رغم أمراضها المزمنة، وإشكالاتها المفتوحة على انتحار جماعي. هل سئمتُ؟ هل بلغ بي اليأس مبلغه؟ هل لم أعد قادراً على التعامل مع كائن هلامي بهذا المستوى؟ بكل صراحة، نعم.

سأظل نادماً ما حييت على أنني أصبحت جزءاً من ساحة مصابة بأكثر من لوثة، وأكثر من انفصام في الشخصية. فقط راقبوا بعض كتّاب الأعمدة الذي يهاتفونك مفتونين - نفاقاً - بما تنجز، فيما هم في الطرف الآخر من النيّة والمكان يعدّون العدّة للإجهاز عليك. وفي وقاحة بالغة يسوّقون لأنفسهم كي تستضيفهم في «لقاء الأسبوع» الذي ارتكبته، وألّبت عليك نصف المنتسبين إلى هذه الساحة، بسبب وهْم، أو توهم كثيرين أنهم ولدوا نجوماً، وسيموتون أقماراً فيما هم دون الحلْكة والعتمة بمراحل وسنوات ضوئية!.

هل يئست من هذه الساحة؟ نعم وبكل شجاعة. أعلم أن ذلك سيسر كثيرين، خصوصاً الأغبياء والمحررين من الدرجة العاشرة! سيسرّ أنصاف المحررين في صفحات تذكّر بأسوار المقابر لفرط وحشتها وفراغها وبدائيتها!. سيسر ذلك الذين لا يفرحهم البتة أي نوع من المشاغبات الحقة، بل يعيبون عليك التجرؤ في التطرق إلى الموضوعات السياسية التي يرون أن التعاطي معها، تعاط مع التهلكة، وخصوصاً التجنيس، وانقطاع الكهرباء، والدجل المحض لثلاثة أرباع الوزراء في الحكومة، واللصوص الذين يتجاوز عددهم عدد المآسي التي عرفتها وستعرفها في حياتك!.

يريدون تدجينك بشتى الصور. يريدون لك أن تكون صوتاً تابعاً لمكتب استقبال في وزارة... يريدون لك أن تبادر إلى قطع حبالك الصوتية كي تكتفي بالإشارة، باعتبارك أحد المعوّقين الذين تكرّم هذا الوطن بإنجابهم.

هل يئست من كل هذا الكذب والنفاق المحض، والتعامل بأكثر من وجه، واستغلال التكنولوجيا الرقمية لتبديد نقيض الصورة التي يمكن أن تتوهمها تجاه أحدهم لمجرد استلامك لرسالة نصيّة تبارك مشاغبتك، فيما لحمك يظل نهباً - وهو نيئ على - المجاني من الموائد؟

لا عيب في اليأس، بل العيب في الطاغي والكاذب من الأمل، في أن تتمكن من إحياء موت، بل ودفعه لأن يكون طرفاً في تنافس أولمبي على أكثر من مضمار!

لا بأس في اليأس إنْ كان صادقاً وواقعياً، وعلى وعي وقراءة لما حوله وما بعده من محفزات ومحبطات. على الأقل لن يمارس عليك خديعته، ولن يعدك بالكاذب من المستحيل، فيما أنت بمنأى في ظل وباء بهذا الحجم، عن أن تطال اليسير من الممكن والماثل والمُروَّض.

هل يستوعب أمثالهم ما أنت بصدده من اليأس، وما أنت بصدده من الأمل؟ فيما هم في وهم الأبدي من الأمل بفعل أكثر من عظْمة يُلوَّح لهم بها، فيما يكتفون بدلْع ألسنتهم تعبيراً عن الولاء والسمع والطاعة. الولاء للصميم والعميق من القهر والتسيير بالرموت كنترول، والسمع لأضغاث الوهم، والمهجّن من الأمل، والطاعة لكل من يلقي لهم بفتات موائده!.

لي يأسي الذي يتمنونه أملاً، ولي أمل يظل يأساً في الشحيح والمتصحّر من إمكاناتهم. ولن أجد أدنى حرج في البصق - بطهْر بالغ - على ساحة أبسط فظائعها: أن تنجز ما يعتقدون أنه يهدّد فحولتهم ورجولتهم، إن كانت لهم فحولة أو رجولة أساساً!.

ساحة تتكئ على عشرة شعراء، تظل في الذروة من غناها، وفي الذروة من فقرها. في الذروة من غناها، لأن العشرة يبزّون جحافل من الأميين الذين تسلط عليهم الأضواء على أنهم مبدأ ومنتهى الشعر، والكتابة، والمعرفة، والوجود، فيما هم على النقيض من ذلك. وفي الذروة من فقرها، لأنهم - العشرة - في الصميم من التهميش، والمصادرة، والتضييق، والإيذاء، والتشويه، والتسخيف، والتهوين من انجازهم، والتشويش، والتغييب، وقائمة طويلة عريضة لن تنتهي.

أولئك العشرة المبشرون بجحيم نواطير «السلطة»،و الناطقين باسمها، والمنافحين عنها - بحق أو باطل لا فرق - يظلون شاء أولئك المصابون بوهم الحضور والحظوة والمشهد، أم لم يشاءوا، في الذروة من أمل هذا اليأس الماثل... ويظلون في الذروة من تخريب طمأنينات زائفة، تظل - طال الزمن أو قصر - عرضة لكوابيس عرضها السموات والأرض!.

عشرة يخربون ليلاً مصطنعاً... عشرة يحيلون الوهم المراد له أن يكون غداً، إلى ماضٍ لم يعره أحد اهتماماً، حتى أولئك المصابون بمرض التاريخ في وجهته الشاذة والمريضة والمعوّقة!.

عشرة هم في النشوة من تخريب هذا الذي يحسبه المصابون بداء ومرض العطايا وكسوة الشتاء والصيف، محض فاقة لا بدأن تحني قامتها ويدها لتَسَلُّم ما اعتاده الآخرون من عطايا وكسوات، إلا انهم في الذروة من ذهب وفضّة المساءلة للذات، ويعون تماماً وجهتهم وتفاصيلها... لا يهتدون بخرائط منافذ السياحة الرسمية، ولا يقتدون بنجم يُفرض عليهم في ليل بهيم اختاروه عن سابق عناد حرّ!.

عشرة لن أسمّيهم، لأصفع بهم المصابين بداء العجز وتآكله. طبتم وطاب يأسكم النبيل من موات يكاد يشمل حتى الأشياء... طبتم وطاب جحيمكم الذي به تأنسون!.

لو أخضعنا الساحة إلى معايير ومقاييس النقد والمعرفة والمدهش والمغاير من الإنجاز، فلن نخرج بغير تحكّم والتزام، بل تجاوز عشرةٍ لمعاييرها ومقاييسها، والقفز على نقدها، بحكم أن النص متجاوز بمراحل لأي إنجاز نقدي يمكن تسجيله، أو الوقوف عليه.

ساحة تعاني من سوء تغذية معرفية بامتياز، وتعاني من ضمور في الأدنى والهامشي من عضلاتها، عدا عن الرئيسي والسيد منها، وتعاني من أكثر من حَوَل في النظر، ولم تتاخم بعد عمى له صفة الامتداد والانتشار والشيوع.

عن عشرة نتحدث. عشرة لهم شرعتهم وخياراتهم ومغامراتهم الجميلة التي ستلقم أكثر من فم حجراً. لأن مفهوماً ومصطلحاً كذاك يذهب ببعض تجّار الفراغ والفرجة والاكتفاء بالوقوف على السهْل! إلى حساسية بالغة، لا يملكون معها إلا التبوّل في ملابسهم الداخلية، خصوصاً مع موضوعة ومآلات ستؤدي بهم إلى المواجهة، وذلك ليس ديدنهم، لأنهم جبلوا على التواري، والانشداد إلى الكهوف التي لها في كل شبر من هذا الوطن، محيط ومدار وأسوار ورُقَع مغلقة.

عشرة، أول ما يعمدون إليه في تجنيد الدرس الإجباري البليد، هو قلب الطاولة على رأس الدجّال المُوكل بالدرس، والعمل على تثبيت ما لم يثبّت لعقود: انتزاع اللوح الأسود، بكل إرثه البليد والمخزي والساذج، والقذف به إلى أقرب نافذة تطل على شارع مزدحم بحركة الشاحنات. فلوحٌ كذاك، هو جزء من هذا الديجور المعرفي، لأن ما يتم الحشو به ومن خلاله مسئول عن نسبة كبرى من هذه الظلامية التي تكاد تطال كل شئ وكل موقع. عشرة يأتون مخفورين بنصوصهم المخربة لليل اللوح، وليل الموكل باللوح، والمهيمنين على الاثنين معاً! يأتون مخفورين ببياض له صفة الضوء إذ يداهم المخلوقات في انشغالها السادي بالوحشة والزوايا والأمكنة المحاصرة بالرطوبة والعزلة في إكراه بيّن!.

عشرة يعيدون ترتيب سيرتين: سيرة الأمل، وسيرة اليأس. يعيدون لليأس اعتباره في أمكنة وحيّزات تلغيه من المعادلة ولعبة التوازن. يأس يظل محكوماً عليه بالنفي، وباعتباره كاشفاً للأصحاء، وفاضحاً للمرضى والعاجزين، وباعتباره محفّزاً، ومحطة انطلاق. يعيدون للأمل واقعيته وحقيقته وجدواه في أمكنة وحيزات تلوّح به وتشرعه حتى وهي في ضيافة قبر، في موقف لا يبعث على الطمأنينة، بل الطمأنينة في هكذا واقع هو ضرب من الخيانة العظمى للإنسان وقيمته، والمرجو من تكدّسه في هذا الكوكب.

عشرة يعيدون للشبح هيئته، وللهيئة شبحها بحسب الضرورة المقنعة لخياراتهم. يعيدون ترتيب الهيكل الذي يكاد يهوي ويضمحل. ينفخون فيه من روحهم، وحين يستوي مترجّلاً، يكتفون بالتلويح له وهم في طريقهم إلى تخليص أشباح من محابسها، وهياكل من تسمّرها وانتصابها الدائم الذي لا روح فيه.

عشرةٌ يجترحون الأهوال

عشرةٌ لهم توجههم الى النص، بعيداً عن مقدمات تهيئ للمصطنع... يذهبون هكذا: بمغامرة الواثق من خسارته، فيما هم يستوون على كنوز إرباك أحدثوه في الوسط الذي تحركوا فيه ومن خلاله.

عشرةٌ لهم صفة الفوضى التي يراها الآخرون محاولة لتنغيص عيش هذا الكوكب، فيما هم يعيدون ترتيب نظامهم الخاص الذي لن يطول أمد بشارته وإشاعته. فوضى هي في الصميم من نظام غائب أو مُغيّب - لا فرق - يسمّي الحالات، والظواهر، والاختراقات، والسرقات، والوهن، والتصنّع، والنصوص الرسمية، والبلاغات الكاذبة، في هيئة النصوص، والاتجار بالأعصاب والسهر، والتواطؤ مع كل قبيح، بأسمائها وفعلها. لا يمكن للص أن يكون أمين صندوق، والخليع واعظاً في زاوية، والأفّاق ممولاً لمختبر أبحاث، والدجّال عالم بصريات. عشرة يذهبون الى نصهم قلقين، فيما الآخرون يفيضون بطمأنينة فارغة.

عشرة يجترحون الأهوال. أهوال الجرأة على ساحة ملغّمة بالولاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والطائفي. يتجاهلون كل ذلك سعياً وراء ما ينتج عن النص من أهوال وضرائب فادحة. أهوال و«عار» الالتزام من دون وصفات جاهزة. التزام يتحرى القيمة المثلى والكبرى من وراء هذه الممارسة الفادحة.

عشرة يؤكدون بشارتهم بجحيم يمعن في محاولاته اليائسة كي يلقي بهم في الدَرَك الأسفل من لهبها وسعيرها. لكن المكر حاضر وماثل. مكر بتجاوز العسس والكلاب وأجهزة كشف النوايا. مكر في الذروة من تهكمه على غباء مستشرٍ، وغياب له صفة المنارة والعلَم والنشيد الوطني!.

عشرة يتركونك هكذا في مهب الحيرة، لا يعيرونك اهتماماً مادمت مشغولاً بيافطات مؤسسات النص والنقد. لن يعيروك اهتماماً مادمت مهووساً بشهوة البيان الأول. بيان تأميم الثقافة. تماماً كما يُؤمم النفط والثروة الحيوانية، ومن بعدهما البشر.

حريتك غابَهْ

تقراني في حريتي

ما بعدْ بعْد الحرف وكْتابهْ...

واقراك في حريتك: غابهْ...

ويصير أحياناً

الصاحي اللي كنتْ تظنْ

أنّه غدى صاحي:

أكثر من النايمْ!

ويصير أحياناً

مِنْ طوَّلْ الغيبات:

جاب «الهزايم»!.

ملّيتْ تنساني...

ملّيتْ تذكرني «ركوع»

بحضرة «اغصاني»...

تلعنْ... تسبْ... تشتمْ

ترى كلٍّ نِضَحْ

بما حوى فكره وماعونه!

واكبر غبي وحمارْ

اللي انطعنْ

ويحنّ لطعونه!

إدم

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 1492 - الجمعة 06 أكتوبر 2006م الموافق 13 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً