العدد 1487 - الأحد 01 أكتوبر 2006م الموافق 08 رمضان 1427هـ

الاحتواء والمصالحة البينية

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

الاختلاف العقدي الذي يثار بين الفينة والأخرى، والمعزوفة المألوفة من الاتهامات التي تلقى على عواهنها من دون دليل فيما يمس الوجود الشيعي في المنطقة، والتشكيك في الوطنية، والتخوين غمزا باتهام الناس بعدم الولاء لبلدانهم وقياداتهم الحاكمة، والترويع بزحف المذاهب على بعضها واختراق هذا المذهب أو ذاك لـ «زاروب» هنا أو زقاق هناك، والإصرار على بعض المهاترات العقدية والفقهية بغية النيل والتجريح، كل ذلك وما يشاكله في قادم الأيام سياسات قد عفا عليها الزمن، وتداولتها القنوات والفضائيات حتى ملّ المشاهدون من اسطوانتها المكررة.

العام يمضي ويحل العام الذي يليه، وتعاد الأنشودة نفسها، والأقلام السيئة لا تغادر الصحافة حتى تتمخض عن فأر أشرس منها في قضم المجتمع ودفعه نحو دائرة المجهول، والمحطات الفضائية المفرخة لثقافة الكراهية تتكاثر بسرعة بفعل الهرمون المالي السخي، وكلما جاء جيل ورث ثقلا يكبر ما سبقه من الأجيال، محملا بالبغض والكراهية للمختلف.

وإلى الآن لاتزال بعض المقولات البالية تستخدم شماعات للعجز العربي وأدائه المتهالك، ومع كل هذا وذاك يبقى السؤال بإلحاحه الدائم وضغطه المتواصل: ماذا بعد؟

ماذا بعد؟ وهذا الوجود «الشيعي» كبير ومتشعب في البلاد العربية، وعلاقته بالأرض التي يوجد فيها ضاربة وراكزة لمئات السنين الغابرة، بل إن هذا الوجود شهد قيام الدول الحالية واحتضنها من دون احتراب أو مناكفة.

ماذا بعد؟ واتهامه وتخوينه يوقظ بداخله أحاسيس غير سوية تجاه محيطه العام، ويدفعه إلى البحث عن الحماية والأمن لذاته وكيانه ووجوده، وكلما زاد خوفه واستشعر شراسة الهجمة تلاطمت مياهه تبحث عن منفذ تتسرب منه إلى الأمل والاطمئنان، فلا تجد إلا داخلها وكيانها ملتمسة فيه أن يكون الأب والعدل والحكم والأمين عليها.

على أن ما يعتريها من مشاعر وأحاسيس غير سوية يشترك فيها محيطها؛ لأن الخيانة مكروهة عند النفس، ومرفوضة في الوجدان، والمعنى أن هذه الشائعات توجد أرضية قلقة من الاحتقان والاحتقان المضاد، ما يعني مجتمعا مريضا، لا تتساعد قواه على بناء كيانه، ولا تندفع مكوناته باتجاه أهدافه الحيوية والضرورية، والأخطر أنه يصبح وقودا جاهزا لأي عود ثقاب قد تسقطه الأقدار من هنا أو هناك.

إن تجربة العراق لاتزال حاضرة، وعظاتها متواصلة لمن ألقى السمع وهو شهيد، فالعراق الذي لم يعرف الطائفية إلى زمن قريب، وكان مثالا للتداخل والتزاوج بين شيعته وسنته جرته أعاصير النعرات الطائفية من دون إنذار مسبق ولا أرضية مهيأة لهذا النوع من التقاتل الذي لا يرضي الله، ولا يباركه رسوله (ص)، فكيف إذا كانت النفوس محقونة والأرضية مهيأة، والتكاره يصل إلى أقصاه بفعل التحريض المستمر؟

إن مجرد التفكير في عواقب هذا النوع من التعبئة والتعبئة المضادة يوجب قلقا في النفس، وغصة يشق على العقل معها أن يسترسل ويواصل تأمله في تلك اللحظات التي نسأل الله سبحانه في شهره الفضيل هذا أن يجنبنا ومنطقتنا وأمتنا الإسلامية أهوالها وآثامها.

لكن هل هذه النتيجة قدر؟ وهل تلك اللحظات قادمة لا محالة؟

إن أعمالنا وآراءنا وثقافتنا التي ننشرها هي ما سنلقاه في قادم الأيام، فالنتائج لن تخون المقدمات ولن تتخلف عنها، فإذا كان البذر الذي نصرّ على تضمينه في النفوس وإنباته في الأذهان خيرا طيبا فسنجني حصاده بعد حين، وإذا كان سيئا فلن نكون جميعا بعيدين عن ناره، يقول الله سبحانه وتعالى: «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره». (الزلزلة: - )

والدعوة التي يمكن توجيهها للدول ولأصحاب القرار فيها هي أن تسعى صادقة إلى احتواء هذا الوجود، وإشراكه في الهم العام، والتعاطي معه على أساس المواطنة بعيدا عن المذهبيات، كي يكون شريكا في كامل حقوق المواطنة وواجباتها، من دون تمييز أو تفريق بينه وبين أي مواطن آخر، فتراب البلد الواحد، وخيراته المشتركة، وتحدياته العامة، والقاسم الكبير الذي يربط أهله ببعضهم وهو الإنسانية التي لا يمكن أن نختلف فيها وإن اختلفنا في المذاهب والأديان، كما يقول الإمام علي (ع): «الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق»، كل ذلك يدعو إلى تأسيس العلاقة على أساس العدل وتكافؤ الفرص والشراكة الصادقة؛ لأن ما عدا ذلك ظلماً، والظلم لا ينفع وإن بدت بعض محطاته ووقفاته تلامس مصلحة هنا أو حاجة هناك أو هاجسا نشطت على عكسه بعض الأجسام التي لا تعطي الصورة تامة كما هي بأبعادها الحقيقية.

إن الدواء الناجح للشعوب هو الوقاية التي لا بديل عنها عبر المصالحة الداخلية بين مكوناتها المختلفة، وإلا فسيجرنا العالم إلى وسيلته المعروفة لقهرنا جميعا عبر إحداث الشقاق الطائفي وزرع التنازع الداخلي، وبث الشائعات والرعب والريبة بين صفوف المسلمين ويكفي ما جاء في صحيفة «الحياة»، في يوم السبت // من تصريح لوزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني: «أن على إسرائيل ألا تكتفي بالتحالف مع واشنطن بل عليها التعاون مع ما وصفته بالتحالف السني».

إنه وضع مقلق ومخيف، ومن ورائه مخطط يحاك في ليل بهيم ضد عالمنا الإسلامي، وإلا لما اندفعت «إسرائيل» التي تمعن قتلا وتنكيلا بأبناء الإسلام الفلسطينيين السنة منذ أكثر من خمسين عاما، لتتحدث عن حلف أميركي إسرائيلي سني ضد ما تسميه المد الشيعي

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1487 - الأحد 01 أكتوبر 2006م الموافق 08 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً