العدد 1485 - الجمعة 29 سبتمبر 2006م الموافق 06 رمضان 1427هـ

جولة رايس... والأولويات الجديدة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعد انقطاع مؤقت عن المنطقة يتوقع أن تبدأ وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس جولة جديدة على الدول العربية المعنية مباشرة بالملفات الساخنة.

انقطاع رايس عن التجوال في المنطقة جاء بعد العدوان الأميركي - الإسرائيلي على لبنان وصدور القرار 1701 وبدء الأمين العام للأمم المتحدة بجولة دولية شملت معظم الدول التي كانت على صلة بتداعيات ذاك العدوان. جولة كوفي عنان لم تكن موفقه أو على الأقل كانت أقل بكثير من تلك التوقعات وخصوصاً حين تعامل مع الملفات الصعبة. والتقرير الذي كتبه بعد انتهاء جولته اقتصر على ذكر الشكليات ولم يتطرق إلى عمق القضايا والمشكلات. فالجولة كانت استطلاعية وجاءت لاختبار الفضاءات العامة ومدى تأثر القوى الإقليمية بأجواء العدوان وتداعياته.

الآن وبعد انقطاع مؤقت قررت الإدارة الأميركية مواصلة نشاطها الدبلوماسي من خلال إرسال وزيرة الخارجية بجولة جديدة يقال إنها ستكون تمهيدية على أن تعقبها زيارة أخرى يتوقع أن يقوم بها الرئيس الأميركي جورج بوش بعد الانتهاء من الانتخابات النصفية للكونغرس في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

جولة رايس إذاً تمهيدية وقد قررتها واشنطن للاستطلاع والمراقبة وفحص مدى استعداد المنطقة لقبول اقتراحات تتصل بتلك المشكلات المزمنة وترى إدارة «البيت الأبيض» أنه حان وقت معالجتها.

ما هي تلك القضايا التي تريد رايس فتح ملفاتها والاتفاق بشأنها مع القوى المعنية بها؟ حتى الآن لم يتوضح مجال جولة وزيرة الخارجية والمحطات التي ستنزل بها. إلا أن التسريبات الصحافية أشارت إلى اقتصار زياراتها على تل أبيب ورام الله والقاهرة وبعض دول الخليج العربية. وإذا صحت هذه المعلومات فمعنى ذلك أن رايس لن تزور بيروت أو دمشق أو بغداد الأمر الذي يعطي إشارات سياسية يمكن التوقف عندها لإعادة قراءة التوجهات المحتملة للإدارة الأميركية وزيارة بوش المتوقعة بعد نوفمبر المقبل.

عدم شمول بيروت ودمشق وبغداد في جولة رايس يعطي فكرة مصغرة عن تصورات بدأت تظهر في واشنطن وتقوم مبدئياً على سياسة فصل الموضوعات عن بعضها وعزل هذه المسألة عن تلك. وهذه التوجهات الجديدة إذا صحت فعلاً فإنها تشير إلى نوع مختلف في التعامل مع قضايا حساسة كانت متداخلة إلى حد بعيد قبل العدوان على لبنان في 12 يوليو/ تموز الماضي.

فهل المنطقة الآن على عتبة تصور جديد لشئونها يبدأ بعزل الموضوع اللبناني عن الفلسطيني ثم عزل الموضوع الفلسطيني عن السوري وأخيراً ربط مسألة «الملف النووي» بهواجس أمنية عربية وغير عربية وبعدها إدخال موضوع إقليم دارفور السوداني وحشره في إطار أولويات دولية للتغطية على أولويات أخرى؟

التسريبات الصحافية التي صدرت بشأن جولة رايس ومحطات الزيارة والموضوعات المطروحة في اجتماعاتها تشير إلى وجود سياسة مغايرة تقوم على فكرة تفكيك القضايا عن بعضها وعزل بعضها وثم ربط البعض منها بملفات جديدة لم تكن مطروحة سابقاً على طاولة الحوار أو التفاوض الجاري في أكثر من عاصمة أوروبية مع طهران.

تقول المعلومات الصحافية إن رايس ستحمل معها إلى المنطقة تصورات معينة تتعلق بثلاثة ملفات. الأول فلسطيني، الثاني نووي، والثالث سوداني. وفي حال صحت تلك المعلومات فإن المؤشرات تدل على غياب ملفات أخرى ساخنة عن جدول أعمال الجولة وهي تتصل بالموضوع اللبناني وأزمة العراق واتصال الأمرين بالشأن الإقليمي الممتد من طهران إلى دمشق. فهل معنى ذلك أن واشنطن قررت فصل الملفات عن بعضها والتعامل معها بأسلوب مستقل أم أنها بدأت تتجه نحو تأجيل ملفات وتجاهل أخرى بقصد إيهام المنطقة أنها في صدد معالجات جدية لنقاط ملتهبة تتصل بجوهر الصراع العربي - الإسرائيلي وتداعياته.

أولويات جديدة

حتى الآن الصورة غامضة ولكن يمكن التقاط بعض تفصيلاتها من الجانب الإسرائيلي وتحديداً بعد تلقي حكومة إيهود أولمرت صفعة استراتيجية ابان عدوانها العسكري على لبنان. فمن تداعيات تلك الصفعة التي استقرت على نوع من «التوازن السلبي» في الميدان أنها طرحت للمرة الأولى على تل أبيب أسئلة تتعلق بموضوع الأولويات وإعادة النظر في ترتيب أوراق التفاوض أو الصراع. ويلاحظ بعد وقف اطلاق النار على الجبهة اللبنانية أنه ظهرت في صفوف حكومة أولمرت تلاوين سياسية عكست خلافات في التوجهات العامة. وزير الدفاع مثلاً أشار مراراً إلى ضرورة الانتباه إلى الجبهة السورية وطالب حكومته في أكثر من تصريح علني بضرورة التعامل إيجابياً مع تلك الإشارات التي أطلقت من دمشق.

عمير بيرتس (حزب العمل) لاحظ أنه لابد من إعادة التفاوض مع سورية وبحث موضوع الجولان المحتل على أساس أنه يشكل رافعة لمختلف تفرعات المشكلة. وجاءت تصريحات بيرتس الداعية للاستفادة من المناخات الإيجابية بمناسبة تلك الإشارات السلمية والتفاوضية التي صدرت من دمشق في ضوء نتائج العدوان على لبنان.

هذا التوجه رفضته وزيرة الخارجية الإسرائيلية. فتلك الوزيرة رفضت كلام وزير الدفاع واعتبرت أن أولويات تل أبيب تقتصر الآن على الملف الفلسطيني ولابد من تركيز الجهد على هذا الموضوع لأنه يحتل موقعه المركزي في السياسة الإسرائيلية.

الخلاف بين وزيرة الخارجية (ليفني) ووزير الدفاع (بيرتس) كشف عن وجود برنامجين في التعامل مع الملفات الساخنة في المنطقة. فالوزيرة تعطي أولوية لموضوع غزة والضفة والوزير يعطي أولوية لموضوع الجولان. وبين الوزيرين جاء تصريح أولمرت ليقفل الطريق أمام بيرتس ويحسم الخلاف لمصلحة ليفني. فرئيس الحكومة أكد في تصريح واضح اتسم بالسلبية والتشنج أن الجولان جزء لا يتجزأ من «أرض إسرائيل» وان هذه المنطقة لن تعود إلى أصحابها مادام هو يحتل موقع رئاسة الحكومة.

موقف أولمرت أغلق جزئياً الملف السوري واتجه إلى تبني سياسة أميركية معلنة وهي تأجيل الموضوعات الأخرى إلى مرحلة لاحقة. والموضوعات الأخرى كما يبدو تتصل بسلسلة حلقات تبدأ بالملف اللبناني وتنتهي بالملف العراقي. وهذا يعني أن الأولويات الإسرائيلية هي أولويات أميركية منها محاولة فصل الموضوع الفلسطيني عن الملفين اللبناني والسوري ثم فصل الموضوع العراقي عن الملف النووي الإيراني. وأخيراً إدخال موضوع دارفور عنوة في جدول الأولويات بصفته يحتل مكانة خاصة في مشروع جديد يمتد إلى ناحية الضغط على الخرطوم لاجبارها على القبول بنسخة التدويل التي قررها 1706 تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

جولة رايس إذاً لن تشمل لبنان وسورية والعراق وستتناول موضوع إيران بصفته مصدراً للقلق الأمني من خلال طرح مسألة «الملف النووي» في إطار جديد يتصل باستقرار المنظومة الأمنية الإقليمية في منطقة استراتيجية وحيوية. ولذلك أشارت المعلومات الصحافية إلى تلك المحاولات الإضافية التي تعتزم واشنطن القيام بها لمعالجة الملف الفلسطيني. فإدارة بوش تحاول إيجاد صيغة تهدئة في الضفة والقطاع تشكل نقطة ارتكاز لتطمين الدول العربية في هذا الشأن مقابل الحصول على مواقف متضامنة مع سياستها تتصل بالملف النووي ومشروع تدويل إقليم دارفور.

لاشك في أن خطوات رايس مهمة وخصوصاً أنها تمهد الطريق لزيارة متوقعة للرئيس الأميركي يجول خلالها على بعض عواصم المنطقة. والمحطات التي تريد رايس النزول فيها تؤشر على وجود خطة أميركية تقضي بعزل الموضوع الفلسطيني عن تفرعاته المتصلة بالصراع العربي - الإسرائيلي وتداعياته اللبنانية والسورية. فواشنطن تدعي الآن أنها اكتشفت سر العلاقة بين «الإرهاب» وعجزها عن حل المشكلة الفلسطينية ولذلك بدأت تتجه إلى فك الارتباط بين الجانبين من خلال طرح مبادرة بخصوص «دويلة قابلة للحياة» تشكل مدخلاً لعزل غزة والقطاع عن المحيط وثم اقناع المحيط بضرورة التعاون معها لمحاصرة «الملف النووي» وضبط مصادر الاضطراب السياسي في السودان والقرن الإفريقي والمنطقة العربية.

هذا التوجه الأميركي لم يعلن عنه رسمياً إلا أن مساره يمكن التقاط إشاراته من خلال ذاك الخلاف الذي نشب في حكومة أولمرت على الأولويات ثم حسم ترتيب الملفات لمصلحة الداخل الفلسطيني وتأجيل الأوراق الأخرى إلى فترة لاحقة قد تكون مدتها معلومة... أو مجهولة كالعادة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1485 - الجمعة 29 سبتمبر 2006م الموافق 06 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً