العدد 1484 - الخميس 28 سبتمبر 2006م الموافق 05 رمضان 1427هـ

اقتصاد المعرفة... رأس المال البشري

محمد حسن السباع comments [at] alwasatnews.com

بزغ في عصرنا الحالي اقتصاد مختلف تماماً عن معالجة رؤوس الأموال. اقتصاد جديد يمتد بسرعات يصعب متابعتها وفي بعض الأحيان يصعب إدراكها. اقتصاد قائم على السرعة والابتكار والتغيير والبحث والتطوير، إنه اقتصاد المعرفة.

إن الشركات والمؤسسات والمنظمات والهيئات الناجحة هي التي تضع أهمية بالغة في خططها الاستراتيجية لتطوير رأس المال البشري، وقد تطورت ثقافة البناء المعرفي فلم تعد الدورات والحلقات وورش العمل التعليمية والتدريبية هي مصدر البناء المعرفي، ولم يعد الانتظام في المدارس والجامعات هو المصدر الوحيد لنيل المعارف والعلوم، فالمعرفة أخذت بالانتشار والاتساع الكمي والنوعي حتى صعب على كثير من الجهات المختلفة متابعة تطور المعارف، فلم يعد يعترف بالحدود المكانية أو الزمانية للتعلم، فمصادر المعرفة تنوعت واتسعت حتى بات إمكان كل فرد في الحصول على المعرفة بطرق مختلفة ومتنوعة.

وعليه أولت الكثير من الحكومات اهتماما بالغا بالتعليم حتى تستطيع أن تنهض بشعوبها واقتصادها، وفي تقرير نشره «البنك الدولي» سنة 2002 بعنوان «التعليم الدائم ضمن اقتصاد المعرفة العالمي: التحديات التي تواجه البلدان النامية»، أبرز التقرير بوضوح الحاجة الملحة إلى الحكومات في العالم كي تتبع طرائق جديدة في التعليم إذا أرادت ان تحقق المنافسة ضمن هذا الاقتصاد الجديد، وما جاء في هذا التقرير:

«إن انبثاق اقتصاد المعرفة الجديد قد أولى التعليم في العالم تركيزا وأهمية كبرى. والأفكار والمعارف بوصفها مصادر للنمو والتطور الاقتصادي، إلى جانب تطبيق الوسائل التكنولوجية الجديدة، لكل ذلك مضامين وانعكاسات مهمة على الطريقة التي يتعلم بها الناس وكيفية تطبيقهم للمعرفة طوال حياتهم.

إن التعليم الدائم يصبح شيئا فشيئا ضرورة في الكثير من الدول، وهو ليس مجرد تعليم وتدريب خارج حدود التعليم الرسمي في المدارس بل إن بنية هذا التعليم تشمل فعلا تعليميا يستمر طوال عمر الإنسان ويرافقه من طفولته المبكرة وحتى بلوغه سن التقاعد وضمن بيئات تعليمية مختلفة، رسمية وغير رسمية. وتزداد أهمية فرص التعليم الدائم بالنسبة إلى البلدان التي تسعى إلى تحقيق المنافسة في عصر اقتصاد المعرفة الجديد.

إن التعليم الدائم هو التعليم الحقيقي بالنسبة إلى اقتصاد المعرفة، وإن لعملية التعلم وتلبية احتياجات المتعلمين أهمية أكبر بكثير من البنية التقليدية للتعليم والتي تقسمه إلى ابتدائي وثانوي وعال ومهني أو غيره من التقسيمات المشابهة. ومن الجوهري أن تكون البرامج التعليمية أكثر تكاملا، وأن تنتظم العناصر المختلفة للنظام التعليمي بشكل متواز ومنهجي مع بعضها بعضاً. ولابد للمتعلم من حرية الولوج والخروج من هذا النظام التعليمي في مراحله المختلفة. كما ينبغي أن يشمل هذا النظام التعليمي نطاقا واسعا من اللاعبين كالمتعلمين والأسر وأرباب العمل وشركات التوريد والحكومات، ولذلك فإن الحكومات ضمن بنية التعليم المستمر تضم أكثر من مجرد وزارات تربية وتعليم ووزارات عمل».

إن التعلم المستمر هو جوهر ما يمارسه الموظفون المعرفيون، إذ يوضع تحت تصرفهم معين لا ينضب من المعارف والمهارات فيصبح بإمكانهم أن يتعلموا في الوقت الذي يريدون وفي المكان الذي يفضلون، وهكذا يغدو التدريب ممكناً أياً كان المكان والزمان. إن خلق هذا النوع من الموظفين المعرفيين يتطلب انتقالا ثقافيا وتغييرا يستغرق زمنا، ولكن لكي نجني الثمار في السنوات المقبلة لابد لنا أولا من أن نزرع البذور.

مبادرات الحكومات الإلكترونية

تبادر الحكومات في العالم سريعا للوصول إلى مرحلة الحكومة الإلكترونية بغية تنظيم وتحسين وتبسيط تقديمها للخدمات إلى مواطنيها. وهذه المبادرات تهدف جميعها إلى تعزيز عملية تقديم الخدمة والتعامل في عمليات التفاعل الجارية بين الحكومة ومواطنيها والشركات والحكومات الأخرى.

إن نجاح هذه المبادرات يعتمد على نقل التركيز من التكنولوجيا إلى الأفراد الذين يستخدمونها، وهذا الأمر مرتبط بمساعدة الأفراد والشركات والمجتمعات على الاستفادة من الخدمات التي تقدمها الحكومة بالطرق التي يجدونها ملائمة.

ويبدو جلياً من الطريقة التي يتم فيها تنفيذ هذه المبادرات عبر العالم أن أهم عامل في نجاح الحكومة الإلكترونية هو الموظف الكفء والمتمرس، إذ إنه من دون قوة عاملة ماهرة لا يمكن تحقيق أيٍّ من هذه المبادرات.

الطرائق التقليدية في التدريب

لطالما اعتمدت المعاهد والمؤسسات على الطريقة التقليدية والأكثر شيوعا في التدريب وهي التدريب ضمن الفصول والذي يعتمد على وجود مدرب أو مدرس وقد ابتدعت طريقة التدريب هذه لتقديم المعارف والمهارات إلى طالبيها لقرون عدة من دون أن يتغير فيها إلا القليل. غير أن هنالك قيودا على هذه الطريقة في التدريب، كما أنها لا تنسجم مع المتطلبات والتحديات التي انبثقت مع انبثاق الثورة المعرفية والتكنولوجية.

إن القيود المفروضة على طرائق التدريب التقليدية لا تعني بالضرورة وجوب إلغاء هذه الطرائق وإنما تلفت انتباهنا إلى أهمية أن تقوم مؤسسات ومعاهد التدريب والتطوير باتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع هذه القيود والتغلب عليها.

وبصرف النظر عن طبيعة الخطوات الواجب اتخاذها، ينبغي ألا تؤثر هذه الخطوات على جوهر الأهداف المقصودة من وراء عملية التدريب والتطوير. يجب أن تكفل هذه الخطوات لنا بأن تتميز طرائق التدريب والتطوير بما يأتي:

المتدرب هو محور العملية التدريبية.

التدريب يقدم بصور فاعلة ومؤثرة.

فرص التدريب في متناول الجميع بشكل دائم وفوري.

قيود التعليم التقليدي

هنالك الكثير من القيود على الشكل التقليدي في التعليم، ومن المهم أن نفهم هذه القيود بشكل جيد كي نستطيع وضع استراتيجية لسد الثغرات الموجودة فيها. وهذه القيود هي:

1- مستوى جودة التعليم: إن مستوى جودة التعليم والمعلومات المقدمة غالباً ما يعتمد على مؤهلات وخبرة المعلم (المدرب) فالمعلم المتمكن في اختصاصه والقادر على شرح المفاهيم والمعلومات للمتدربين لا يترك في عملية التعليم أية ثغرة غير أن الحقيقة أن تأهيل مثل هذا النوع من المعلمين يتطلب الكثير من الوقت والجهد والموارد ومن ناحية أخرى فإن هذا النوع من المعلمين المتمرسين يجد صعوبة كبيرة أحيانا في المحافظة على مستوى وجودة التعليم الذي يقدمه.

2- سرعة العملية التعليمية: إن المتدربين الذين يتلقون دورة تدريبية نموذجية في فصل دراسي ينتمون إلى خلفيات وتجارب متنوعة كما أنهم يختلفون في أساليبهم ومهاراتهم، وهذا يؤثر بدوره على تلقيهم للمعلومات، ولسوء الحظ لا يمكن للمدرب أن يلبي جميع متطلبات العملية التعليمية لجميع المتدربين في الصفوف، فهو لا يستطيع تغيير وتيرة أو سرعة التعليم بحيث تصبح مناسبة للمتعلم البطيء والسريع في الوقت نفسه، بل يجد المدرب نفسه مضطرا لاتباع وتيرة متوسطة السرعة قد لا تسمح بالضرورة لكل شخص في الفصل الدراسي بفهم المعلومات التي يتم تقديمها.

ويخضع التدريب التقليدي المرتبط بالفصل الدراسي إلى جدول زمني ثابت لابد من التقيد به، فالمتدربون لا يستطيعون حضور الدورات إلا في فترات زمنية محددة. وقد يشكل هذا قيدا كبيرا بالنسبة إلى الكثير من الموظفين الذين لديهم أعمال ووظائف يؤدونها إلى جانب التزاماتهم الشخصية الأخرى.

كما يرتبط التدريب التقليدي في الفصول الدراسية بمكان محدد ولابد من توافر خدمات ومرافق ومدربين كي تتم العملية التدريبية بشكل صحيح. وحيثما لا تتوافر هذه الموارد يصبح هذا النوع من التعليم غير ممكن.

وهناك قيود زمنية أخرى، فالدورات التدريبية في الفصول الدراسية لها مدة زمنية ثابتة، إذ يجب على المدربين تقديم الدورة وفقا لجدول محدد مسبقا. وفي معظم الحالات لا تكون المدة الزمنية المخصصة للدورة كافية للإحاطة بالموضوع بشكل كامل، كما لا تتيح للمتدربين متسعا من الوقت كي يشاركوا في الورشات التدريبية والمشروعات ودراسة الحالات العملية.

ونادرا ما يكون لدى المتدربين القدرة والوقت اللازمين لتعزيز المهارات والمعارف التي اكتسبوها، وهذا يؤثر إلى حد بعيد على درجة رسوخ المعلومات في أذهانهم. اما درجة رسوخ المعلومات، فتشير الدراسات المتوافرة إلى أن درجة رسوخ المعلومات في التعليم في الفصول الدراسية متدنية جدا إذا ما قورنت بطرائق التعليم الحديثة الأخرى

العدد 1484 - الخميس 28 سبتمبر 2006م الموافق 05 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً