العدد 1480 - الأحد 24 سبتمبر 2006م الموافق 01 رمضان 1427هـ

لماذا اعتذر بنديكت ولم يعتذر القرضاوي؟

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

لماذا كان يجب أن يعتذر البابا بنديكت السادس عشر عما جاء في خطابه الذي أدلى به قبل عشرة أيام؟ هل لأنه جرح مشاعرنا نحن معاشر المسلمين؟ أم لأنه أساء إلى معتقداتنا؟ أم لأن الأخلاق تفرض عليه هذا النوع من الاعتذار إلى المسلمين الذين أساء إليهم؟

قبل أن يتصيد أي متصيد في مقالي هذا، ويرميني بالتهم الرخيصة، فأنا في موقفي كنت ومازال من المصرين والمطالبين باعتذاره، لأنه أساء إلى إسلامنا، وإلى نبينا الأكرم محمد (ص)، ولأننا إذا لم نقف صفّاً واحداً أمام هذه الإساءة فسيطمع كل من له قلب مريض ويتجرأ على الإساءة إلينا.

لكني هنا أريد الإشارة إلى أمرين مهمين:

الأول: اننا كثيرا ما نتجرأ على بعضنا في العالم الإسلامي ونسيء إلى بعضنا تهجما واستهتارا واستفزازا، ونحاول إقناع محبينا بالكثير من تخيلاتنا عن الآخرين، ونحن نعلم أن تلك التخيلات خاوية، لا رصيد لها من الواقع والحقيقة، نعلم ذلك علم اليقين، تماماً كما يعلم الشيخ يوسف القرضاوي عقيدة الشيعة من علمائهم ومحققيهم الذين جالسهم وحاورهم وقرأ لهم، ومع ذلك يندفع قبل أسبوعين وبشكل لم يعهد منه من قبل ليسيء إليهم، وليتقول عليهم بما لا يقوله المحققون من علمائهم، ولا يتعبد به أحد منهم، الأمر الذي أوجد شرخاً لا أعرف لصالح من أراده الشيخ القرضاوي، وخصوصا في ظرفنا الراهن والحرج؟

هذا السلوك بعينه الذي مارسه القرضاوي ضد الآخرين قبل أيام، يندفع الآن (جزاه الله خيراً) ليحتج على سلوك مثله صدر عن البابا بنديكت السادس عشر، وأنا هنا أتحدث عن جرح المشاعر، بغض النظر عن حجم الإساءة والجرح، وكونها هناك متعلقة بشخص الرسول الأكرم (ص) وهو الأمين على الرسالة الإسلامية والمبلغ لها.

الأمر محير جدّاً لأن ما لا يصح من البابا تقوله ضد عقيدة المسلمين ومشاعرهم لا يصح من الشيخ القرضاوي ضد عقيدة المسلمين ومشاعرهم، وأقصد هنا (المسلمين الشيعة)، الذين أساء الشيخ اليهم وجرحهم ولم يراع مشاعرهم.

الأمر الثاني: أصر الشيخ القرضاوي على أن يعتذر بابا الفاتيكان عما صدر عنه، وحين قال البابا ما قال في اعتذاره الأول، رفض الشيخ القرضاوي أن يعتبر ذلك اعتذارا، وأصر على أن يكون الاعتذار صريحا ودقيقا وواضحا، ولعمري هذا مطلب حق وثبات يتمسك به كل من أهينت عقيدته، واتهمت ديانته.

كان يمكن للبابا أن يكتفي بالاعتذار الفضفاض الذي صدر عنه أولا، لكنه حين شعر بعدم الراحة من اعتذاره عند جمهور المسلمين، كان شجاعاً وجريئاً، وألزم نفسه بأن يعتذر بصراحة اليهم، وأن يتكلم مليا عن احترامه للديانات ومنها دين الإسلام، وأعتقد أن هذا لم ينقص من مقامه في عيون أتباعه ومحبيه، فالاعتذار سلوك حسن وخصوصا حين يصدر عن أهل القدوة ومقام التوجيه.

كم تمنيت أن يكون الاعتذار خلقاً داخليّاً قابلاً للصرف والتداول بيننا أيضا، إذا زل لسان أحدنا على الآخر ورماه بما ليس في عقيدته، وهذا ما لم نحصل عليه من الشيخ القرضاوي نفسه بعد أن اتهمنا بما اتهمنا به.

كل ما حصلنا عليه من الشيخ هو بيان توضيحي جاء على لسان الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين محمد سليم العوا، وإني أقدر هذه المبادرة الحكيمة والجامعة لقلوب المسلمين من العوا، لكن لو أردنا المصارحة مع بعضنا، فإن بعض ما ورد في التوضيح لا يعنينا من قريب ولا من بعيد، فلا يعنينا مثلا أن يكون الهجوم علينا حصل في محاضرة الشيخ القرضاوي أم في إجاباته على الأسئلة، ولا يعنينا أن يكون البيان كله صادراً عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وأنه جاء طبق الآلية المعمول بها في الاتحاد، أي على لسان أمينه العام، لأن التهجم علينا لم يصدر عن الاتحاد (حاشا لله) بل عن شخص الشيخ القرضاوي، كما لا أفهم المقصود من قول العوا ان الشيخ القرضاوي قد اطلع على البيان ووافق عليه قبل صدوره (جزاه الله خيرا).

ببساطة كنا ننتظر صراحة وشجاعة لا تقل عن شجاعة الهجوم والاتهام، وكنا نقبل منه شخصيا أن يقول أعتذر عما صدر عني. فالشيخ ذو خلق عال وغيرة على الإسلام عظيمة، ومن هاجمهم أهل لأن يعتذر إليهم.

إن الأخلاقيات التي نذكر الآخرين بها ونلزمهم بالعمل بمضمونها، نحن أولى من يجب عليه أن يتقمصها ويمارسها، وذلك لأن دراسة الآخرين لعلاقاتنا الإسلامية البينية هي التي تغريهم ليستضعفونا ويهزأوا بنا غير مبالين ولا مكترثين بردود أفعالنا، فهم كلما رأونا نقتل بعضنا بعضاً في المساجد والحسينيات ودور العبادة، هانت دماؤنا عندهم ورخصت، وكلما سمعوا استهزاءنا ببعضنا بعضاً، لاكتنا ألسنتهم بالسيئ من القول.

وغير خاف على أحد أننا كلما كنا أكثر إصرارا على التسامح والاحترام بيننا، وكلما غرسنا ذلك في أبنائنا وعلمنا عليه أجيالنا، فرضنا على الآخرين هذا الخلق الحسن اتجاهنا، وأشعرناهم بتماسك داخلي لا يقبل دونية التعامل.

ختاماً اننا مع الشيخ القرضاوي (جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء)، في موقفه الصلب من أجل ديننا وعقيدتنا والدفاع عن نبينا ولكننا نحتفظ بحقنا في انتظار اعتذاره المباشر الينا عما رمانا به وأساء إلينا واتهمنا به.

كاتب وعالم دين من السعودية

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1480 - الأحد 24 سبتمبر 2006م الموافق 01 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً