العدد 148 - الجمعة 31 يناير 2003م الموافق 28 ذي القعدة 1423هـ

مِن خِدع الحرب: «صدام هو هتلر والحرب ليست من أجل النفط»

روبرت فيسك comments [at] alwasatnews.com

وجه الكاتب الاسرائيلي يوري أفنيري ذات مرة خطابا مفتوحا لاذعا إلى رئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيغن الذي أرسل جيشه كي يغزو لبنان، وكان غاضبا من اثارة بيغن المستمرة للحرب العالمية الثانية، إذ يشبه ياسر عرفات في بيروت بهتلر في ملجئه في برلين في العام 1945. وضع افنيري عنوانا لمقاله كالآتي «السيد رئيس الوزراء... إن هتلر مات». إنني اكرر نصيحته هذه مرة أخرى إلى بوش وبلير. ومع انشغالهما بتشويه سمعة صدام حسين، فقد ذكرنا الآن كل من بلير وبوش بثمن الاسترضاء. إذ يعتقد بوش انه تشرشل اميركا الذي يرفض مهادنة صدام. وقارن سفير الولايات المتحدة لدى الاتحاد الاوروبي روكيل سشنابل، بين صدام وهتلر فقال: «كان لديكم هتلر في اوروبا ولا احد فعل شيئا تجاهه». وأضاف سشنابل محاضرا الأوروبين في بروكسل قبل أسبوع مضى: «كنا نعرف أنه سيكون خطيرا ولكن لم يتم فعل شيء. ونوع الانسان نفسه (هتلر) الآن في بغداد وهو الذي يتركز اهتمامنا عليه». وانهى سشنابل مقارنته الصبيانية هذه من دون اقناع بقوله: «هذه الحرب ليست من اجل النفط».

كيف يتفاعل الإنسان العاقل مع هذا القول ويصدقه؟

إن احدى الدول الرئيسية التي لم تفعل شيئا تجاه هتلر هي الولايات المتحدة التي استمتعت آنذاك بفترة رابحة من الحياد في العام 1939 والعام 1940 وغالبية العام 1941 حتى تمت مهاجمتها بواسطة اليابانيين في بيرل هاربور. وعندما قرر حلف تشرشل - روزفيلت بأنه يقبل فقط استسلام المانيا غير المشروط (وهو طلب صدم حتى تشرشل عندما اعلن روزفيلت فجأة الشروط في الدار البيضاء) كان هتلر مات.

ليس صدام هتلر كما يبدو الأمر. لأنه في الاسبوع الماضي منح دونالد رامسفيلد هتلر بغداد مخرجا: النفي، مع حقيبة مليئة بالنقد ومجموعة كبيرة من اعضاء اسرته اذا كان ذلك هو ما يرغب فيه. والغريب، أنني لا اتذكر ان تشرشل ورزفيلت اقترحا ان يسمح للدكتاتور النازي بالهرب. صدام هو هتلر، ولكن فجأة يصبح غير هتلر.

بعد كل هذا قالت صحيفة «نيويورك تايمز» انه يجب ان يمثل امام محكمة جرائم الحرب. ولكن هذا ايضا ليس هو الحل... يستطيع ان يلجأ إلى المملكة العربية السعودية أو اميركا اللاتينية. اي بمعنى آخر انه ليس هتلر.

ولكن حتى لو أننا افترضنا أنه كذلك، هل نحن جاهزون لدفع ثمن حرب مشوشة كهذه؟ العرب الذين يقبلون بصدام - وهناك الكثير منهم في الاردن - يعتقدون أن العراق لا يستطيع الصمود لأكثر من اسبوع في الحرب. وآخرون مقتنعون بأن كتيبة المشاة الثالثة لدى الولايات المتحدة ستكون في بغداد في ظرف ثلاثة ايام ومعها أيضا البريطانيون. انه رهان معقول بأن مئات - اذا لم يكن آلاف من العراقيين - سيموتون. ولكن في العصيان المدني الذي سيعقب ما نقوم به ماذا سنفعل؟ هل ستحمي القوات الاميركية والبريطانية منازل المسئولين في حزب البعث الذين تريد المظاهرات اعدامهم؟ والاكثر خطورة ماذا سيحدث بعد ذلك؟ ماذا سنفعل عندما يطلب العراقيون - ليس البعثيين السابقين ولكن العراقيين المعارضين لصدام - انسحابنا؟

انني متأكد ان هذا سيحدث. في مساجد المسلمين في كل من كربلاء والنجف، لن يرحب المواطنون هناك بالقوات الاميركية - البريطانية وسيطلب الاكراد ثمنا لتعاونهم ربما يكون دولة، أو فيدرالية. وسيطلب بعض العراقيين حمايتنا، وآخرون سيطلبون انسحابنا. العراق دولة عنيفة وقاسية والجنرال تومي فرانكز ليس الجنرال ماك آرثور.

لأننا سنكون في احتلال ارض اجنبية، فسنكون بالتأكيد في احتلال العراق كما هي «اسرائيل» في احتلال الضفة الغربية وغزة. ومع ذهاب صدام سيكون الطريق مفتوحا لأسامة بن لادن طالبا تحرير العراق كأحد اهم اهدافه. كيف نستطيع ببساطة تقسيم العراق على طراز الاحتلال الاميركي عبر الخليج. هل نحن جاهزون لمحاربة «القاعدة» في العراق بالاضافة إلى افغانستان وباكستان ودول اخرى لا حصر لها ؟

يبدو ان الناس في الشرق الاوسط - وفي الغرب - ادركوا هذه المخاطر ولكن زعماءهم لم يدركوها بل لا يريدون ان يدركوها.

بالسفر إلى الولايات المتحدة اكثر من مرة في الشهر، وبزيارة بريطانيا في عطلة الاسبوع، وبالتنقل حول الشرق الاوسط، فإنني واجهت عزما مطلقا لم اواجهه من قبل من جانب كثير من العرب والاوروبيين والاميركيين المعارضين للحرب.

هل احتاج بلير حقيقة إلى ذلك الطالب العنيد في اجتماع حزب العمل يوم الجمعة الماضي ليثبت له ان كثيرا من البريطانيين يشعرون بأن هذه الحرب المقترحة هي كذبة، وان الاسباب الحقيقية للحرب ليست لها علاقة بأسلحة الدمار الشامل، وألا عمل لبلير في اتباع بوش في الحرب الاميركية - الاسرائيلية؟

لم أتلق من قبل خطابات كثيرة من القراء، كهذه الايام، يعبرون فيها بالضبط عن الاحساس نفسه: أنه إلى حد ما - بسبب الغالبية الضخمة لحزب العمل، وبسبب الاختفاء الفعلي لحزب المحافظين باعتبارها معارضة، وبسبب التهكم البرلماني - لم تستطع الديمقراطية البريطانية ان تسمح للشعب البريطاني بوقف حرب لم يفعل الكثيرون حيالها سوى الاستهانة بمحاولة واشنطن الحزينة ربط صدام بتنظيم «القاعدة»، إلى ملف بلير الصبياني عن اسلحة الدمار الشامل، إلى كل المهزلة المأسوية لعمليات تفتيش الامم المتحدة، لن ينطلي هذا التلاعب على الشعوب.

ان الانكار بأن هذه الحرب ليست لها علاقة بالنفط غير مقنعة بينما أعلن كولن باول الاسبوع الماضي ان نفط العراق سيظل تحت الوصاية للشعب العراقي. إن الوصاية هي التي منحتها عصبة الامم بشأن المشرق عندما سمحت لبريطانيا وفرنسا بقبول الانتداب في فلسطين والاردن وسورية ولبنان بعد الحرب العالمية الاولى. من سيدير آبار النفط وينقب عن احتياطات النفط العراقي فترة الوصايا الكريمة هذه؟ ربما الشركات الاميركية؟، كلا، لن يستطيع احد ان يخدع الناس.

فيما يتعلق بالمفتشين، لا يريد كل من بوش وديك شيني ورامسفيلد والآن باول أن يعطوهم وقتا كافيا. لماذا بالله عليكم؟

دعونا نعود إلى 12 سبتمبر/ ايلول من العام الماضي، عندما صرح بوش في كارثة 11 سبتمبر 2001 ضد الانسانية مطالبا بعمل الامم المتحدة. وقال انها يجب ان ترسل المفتشين مرة اخرى إلى بغداد يجب ان يستأنفوا عملهم. يجب ان يكملوا عملهم. كان بوش طبعا يأمل ان يرفض العراق عودتهم. وبشكل شنيع، قبل العراق عودة الامم المتحدة.

وكان بوش منتظرا ان يجد المفتشون اسلحة مخبأة. ولسوء الحظ لم يجدوا شيئا ومازالوا يبحثون، وكان هذا آخر ما يرغب فيه بوش وقال انه متعب ومصاب بالغثيان من خداع صدام، ولكن ما يعنيه هو أنه متعب من انتظار فرق التفتيش لتجد اسلحة تسمح للولايات المتحدة بشن الحرب. فبوش الذي طالب بعودة مفتشي الاسلحة لاستئناف عملهم لا يرغب اليوم في استمرار عملهم. وقال: «لقد انقضى الوقت» انه يشير إلى صدام ولكنه في الواقع يعني مفتشي الاسلحة التابعين إلى الأمم المتحدة التي تم تأسيسها بحرية بعد الحرب العالمية الثانية بواسطة دولته نفسها.

الدولة الوحيدة الأخرى التي تدفع نحو الحرب - باستثناء الكويت الممتنة - هي «اسرائيل»... استمعوا إلى كلمات مستشار الشئون الخارجية لرئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون، زالمان شوفال في الاسبوع الماضي «ستُدفع اسرائيل بشدة نحو ضربة عسكرية على العراق، إذا تم تأجيل الهجوم لأي اسباب سياسية بدلا من أسباب عسكرية فإن لدى اسرائيل اكثر من مبرر للخوف من أن يستخدم صدام حسين هذا التأخير ويطور اسلحة دمار شامل».

وأضاف شوفال: «بقدر ما يظل صدام في السلطة، فإنه من الصعب اقناع القيادة الفلسطينية بأن العنف لا ينتج عنه شيء، وانه يجب استبدالها بإدارة جديدة، إذ يستغل ياسر عرفات هذا التأخير لتكثيف العمليات الارهابية».

لاحظوا كيف يمكن حل الحرب الاسرائيلية - الفلسطينية الوحشية - وفقا لرؤية شوفال - اذا غزت اميركا العراق، وكيف ان الارهاب لا يمكن ان ينتهي في اسرائيل حتى تدمر الولايات المتحدة صدام. لن يكون هناك تغيير للنظام لدى الفلسطينيين حتى يغير النظام في بغداد.

ومع الانقياد وراء رغبة بوش، يدعم بلير بطريق غير مباشر غزو اسرائيل للضفة الغربية وغزة (منذ ان ادعت اسرائيل انها مازالت تخوض الحرب الاميركية ضد الارهاب) وضد عرفات.

هل يعتقد بلير ان البريطانيين لا يدركون ذلك؟

هل يعتقد بلير ان البريطانيين اغبياء؟

ارسل بلير ربع الجيش البريطاني لخوض حرب يعارضها 80 في المئة من البريطانيين. كيف الآن وقبل ان نرى قوة حقيقية للشعب - نحو 500 ألف متظاهر أو اكثر في لندن ومانشستر ومدن أخرى يعارضون هذه المهزلة؟ - نعم هناك جزء ضروري من هذه الحجة. ان صدام وحش، دكتاتور قاس، ليس مثل زعيم كوريا الشمالية العزيز، المكدس للسلاح النووي والذي يرغب الاميركيون في اجراء حوار ودي معه ولكنه لا يمتلك نفطا. كيف ان علي مجيد (الكيماوي)، صورة طبق الاصل لصدام - مجرم الحرب الذي استخدم الغاز ضد الاكراد في حلبجة - جاب العواصم العربية الاسبوع الماضي والتقى الرئيس بشار الأسد في سورية والرئيس اللبناني أميل لحود وكأنه لم يأمر بذبح النساء والاطفال. ولكن بوش وبلير لم يقولا شيئا عن جولة مجيد، إما لأنهما لا يريدان الاساءة للزعماء العرب الذين التقوه أو بسبب ارتباط الغاز وجرائم الحرب بدعم واشنطن الاول لصدام باعتباره قضية حساسة.

لقد غمرتنا التهديدات الكثيرة من واشنطن «الدول التي ترعى الارهاب». يلعب الصحافيون الغربيون دورا بارزا في الترويج لهذه الدعاية. مثلا، أريك سكميت في «نيويورك تايمز» كتب الاسبوع الماضي قصة عن قرار واشنطن «مواجهة الدول التي تدعم الارهاب»، ما مصادره؟ «مسئولو دفاع كبار»، «مسئولو الادارة»، « بعض مسئولي الاستخبارات الاميركية»، «المسئولون»، «مسئولون عسكريون»، «خبراء ارهاب»، «مسئولو دفاع». لماذا لا تسمحون للبنتاغون فقط بكتابة تقاريره الخاصة في «نيويورك تايمز»؟ يبدو أن ذلك هو ما تغير.

يدرك كثير من الاميركيين ان رئيسهم فشل في ان يخدم دولته في فيتنام وأن صحيفتهم تكذب عليهم وتعمل كقنوات لحكومة الولايات المتحدة وحدها. كما تعب كثير من البريطانيين من اخبارهم عن الذهاب إلى الحرب بواسطة صحفهم ومحطات التلفزة والسياسيين. في الواقع أعتقد بأن اكثر البريطانيين منشرحو الصدور اليوم لسياسة الرئيس الفرنسي جاك شيراك اكثر من سياسة رئيس الوزراء البريطاني بلير

العدد 148 - الجمعة 31 يناير 2003م الموافق 28 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:06 م

      انهم كلا.... الحرب

      ذول لو بيهم خير مثل ما هجموا على العراق بمائة دولة يعيدون الكرة على داعش في العراق وسوريا بس ذول يعرفون كلش زين ان العراق بلد العظماء الذي احتل الأرض اربعمائة عام ايام الملك العراقي نمرود وان العراق مرزوق بالنفط فكل الأمم ولاسيما العرب تطمع في نفط هذا البلد المسكين.

اقرأ ايضاً