العدد 148 - الجمعة 31 يناير 2003م الموافق 28 ذي القعدة 1423هـ

هل نستيقظ من النوم فنعرف حجم الفجيعة المقبلة؟

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

مسكين ذلك الخليجي، لقد أصبح عقله نفطيا ومذاقه يحمل نكهة «البنزين»، والحياة يراها - كما خلقتها مصانع العولمة الاعلامية - استهلاكية بلا حدود، ورؤية فردية لفلسفة الوجود بلا وجود. فالحياة في ظل هيمنة العقلية القبلية عبارة عن عطر باريسي على طريقة (جورج قرداحي) بلا مليون رابح، وبسيارة تتغير هويتها متنقلة ما بين الانجليزية والألمانية، وبحاسوب آلي أجمل من الحورية وبثوب أخاذ يتبدل كلما صرخت آخر صيحات الموضة معلنة ميلاد عرض أزياء جديد!!!

هذه هي الحياة في عين الانسان الاستهلاكي حياة يتلون فيها الجمال لا يمكن أن يصحو الخليجي أو بالأحرى ـ بعض الخليجيين ـ من سباتهم. هم ينامون على العزف الاذاعي، لا يقرأون ما حولهم، وماذا ينتظرهم وقد كانت تأخذ بعض أبنائهم تلك العيون الزرق والشعر الغجري والأشقر والأسود من تلاوين «عواصم النور والثقافة والحرية» من الدول الغربية، فيقرأون العم «بوش» رجل سلام، والولايات المتحدة «ماما انيسة» مازالت تهدي إلى الخليجيين تنويماتها الجميلة.

لذلك كله لا نعجب إذا ما رأينا مثقفين عربا يلمعون الحذاء الأميركي فضلا عن «العقلية النموذجية» للإدارة الأميركية التي يرونها أصبحت أهم من أي مقدس ديني أو ثابت قومي أو مرتكز وطني، فهي «التابو» الذي لا يمكن أن يعبد إلا بوضوء ماء الورد العربي وحتى لو كان بلونٍ أحمر يزرق من دم أطفال العراق الذين قتلت براءتهم على مذبح التناقضات العربية القائمة على التسلط القبلي والعزف القُطري الضيق المتجزئ والمشرح بمبضع اتفاقات سايكس بيكو. تلك هي مشكلة عقليتنا البدوية نرضى بان نقنع بالقليل وننام ونحن نقرأ شهادة الوفاة لوحدتنا العربية، ولالغاء شعبٍ بكامله من الخريطة ونرضى بأن «يحررنا» من كان بالأمس يستعمرنا وها هو اليوم يعسكر فينا ثقافيا وأمنيا وسياسيا، يعسكر في كل شيءٍ غير أنه يرفض دمقرطتنا لأنه ـ وأعني بالضمير الولايات المتحدة ـ يرفض رأي الجماهير في كل ما يحدث.

وهنا يجب أن يفهم الخليجي شيئا مهما أن الأميركان لن يأتوا من أجل عيون سوداء عليها غبرة الجمل ومذاقها ممزوج برائحة حليب النوق، فما كانت هذه العيون في ميزان مصالحهم تساوي جناح بعوضة. الأميركان جاءوا ليبقوا وبعقلية «رامبو» وهو يخلص «ابنته» في «أكشنه» القديم هليوديا والجديد القديم واقعا... فمن أهدافهم:

1- الهيمنة على النفط والتحكم في سعره والحد من بعض الصلاحيات الغربية التي اختلقت في الخليج بعد حرب الخليج الثانية ليضعهم الغرب أيضا ضمن هيمنة أجندته.

2- فرض الكيان الصهيوني باذلال أشد من ذلك الاذلال الذي خلقته عملية الاستسلام في أوسلو لتكون «الهرولة» على تعبير قصيدة نزار أشد من السابق وسيكون لـ «إسرائيل» حضورها في الخليج وسيتركز بطريقة فاقعة قد تضغط على ضمير المواطن الخليجي.

3- تركيع أية دولة تحاول التفكير في امتلاك أسلحة نووية فضلا عن التملك ذاته لتبقى «إسرائيل» سيد القبيلة الأقوى الذي يمتلك كل الأسلحة التقليدية والجرثومية وبذلك يهابه الجميع. ولهذا نجد أن «إسرائيل» لا تخفي رغبتها في أن يضرب العراق الذي لا يخفى أن يكون وراء ضربه أكثر من ضحية قادمة.

4- تخويف العرب وخصوصا سورية وإيران وكل نظام خرج عن بيت الطاعة الأميركي. فإيران ستصبح محاصرة من الشرق «أفغانستان كرزاي» ومن الغرب إذ «اسبكتي السلطة العراقية الجديدة» والتي مهما كانت دعايتها ستبقى ـ أي السلطة الجديدة العراقية ـ ترضع من الحليب الأميركي وسيتحول بذلك الثقل المركزي والاستراتيجي للوجود الأميركي في العراق بدلا من الخليج وسيبقى عراق ما بعد صدام الزوجة الجديدة وذلك سيكون على حساب الاصدقاء والحلفاء القدامى الخليجيين. وبالتالي هل بامكان الكويت أن تطالب (العراق الجديد) بالالتزام بمطالبها وبتلك التعويضات الناجمة من «الغزو القديم»؟ وهل ستلقى أي تفاعل ـ بعد ذلك ـ من الادارة الأميركية؟ وخصوصا إذا اقتنعنا بأن السياسة مصالح وأن ليس في القاموس السياسي تلك المعزوفات العربية الساذجة القائمة على عزف «ما الحب إلا للحبيب الأول». فالولايات المتحدة الأميركية ليس لها حب أولي ولا ثان وها هي امبراطوريتها الاعلامية تكيل المزيد من اللطمات «الاستالونية» لأصدقاء الأمس، تارة بطلب تغيير المنهج التعليمي الذي ترى فيه العامل الأساسي لتفريخ الارهاب «البن لادني» بعد أن كانت تراه موقفا جهاديا بالأمس ومبررا في حربه ضد الاتحاد السوفياتي عندما كان يصب في خدمة حربها الباردة وتارة بالتهديدات المبطنة.

ما بعد الحرب ستتحول الصلاة العربي لأكثر الأنظمة العربية صلاة أميركية 100 في المئة وسيزداد الانعطاف السياسي لدولنا الخليجية تجاه أميركا وسيكون هناك أكثر من (شرم شيخ) على هيئة ما جاء في 1996 لصالح «إسرائيل» وهنا ستمتد روح جديدة في عروق جماعة «كوبن هاجن» من دعاة التطبيع وسيكونون هم القاعدة وكل من يقف ضد التطبيع الصهيوأميركي شاذ، لا وطني، لا يفهم فن الممكن وعدو للسلام وأقل ما يقال فيه إنه «ارهابي».

سورية وإيران مازالتا تهددان بدعمهما للحركات الفلسطينية بأطيافها وهما أول من ستقع عليه العصا الغليظة. فإيران يلوح لها في كل مرة بدعمها للمقاومة الإسلامية ولطاقتها المختزنة في بوشهر ولأن السياسة تقتصر على الخروج بأكبر قدر من الربح ولان اللاعب أميركي فسيعمل بالخروج بأكثر الأرباح وربحه سيتعزز ولو بأقل القليل بإضعاف مثل هذه الدول.

فبذلك سيقع في قبضته الوضع العربي بشكل عام، فبإضعاف سورية وإيران تضعف المقاومة في لبنان مباشرة وفلسطين بل إضعاف العرب بشكل عام ـ مع ضعفهم ـ يزيد فلسطين ولبنان ضعفا بالتالي يجعل «إسرائيل» تعيد لعبتها القديمة في لبنان وتستقوي على الفلسطينيين. هذا طبعا بقراءة التوازنات السياسية لما بعد الحرب وان كان للبيت رب يحميه. ولكن ذلك لا يعني أن نقنع أنفسنا بالتشاؤمية وان نملأ عقولنا بتلك القناعة «الساداتية» نسبة لأنور السادات عندما قال: «ان 99 في المئة من اللعبة في يد أميركا». فهذه نظرية خاطئة فالسياسة تحتاج إلى واقعية علمية وليس إلى قراءات يتوبية حالمة وتحتاج إلى عدة وعمل.

اذن - إذا ما وقعت الحرب فستخرج الولايات المتحدة فائزة بكل «البيض النفطي» بيض الخليج، بيض الجزيرة العربية، بيض قزوين ـ بعد حرب أفغانستان ـ وأخيرا وهذا ما تسعى إليه ـ بيض العراق وبذلك تخرج ـ من الحرب ـ حاملة معها كل النفط متحكمة في كل العالم ابتداء من الوطن العربي مرورا بأوروبا وانتهاء باليابان والصين وكل الأقوياء.

لذلك كله تشعر الدول الأوروبية ـ قبل العرب ـ بخطورة الحرب وخصوصا فرنسا وألمانيا وسيخرج العرب بعقدة هي آخذة في التأصل عقدة «الفوبيا: الخوف» من الأميركان، سيكون هناك رقص عربي وتغنج وعهر لدرجة الانجاب على طريقة ذلك الرقص العربي والانبطاح العربي لـ «إسرائيل» وهنا سيتأمرك كل شيء عربي فلا خصوصية ستبقى ـ في الحد الأدنى ـ رسميا وقد يكون شعبيا أيضا وخصوصا نحن نلحظ الشباب العربي المسلم كيف تحول أميركيا في ثقافته، أكله، لباسه، فكره، وحتى في جزء صلاته فإن لدينا رجال دين ـ كما أن لنا مثقفين ـ أميركيين أشد من أميركا مازالوا يلبسون الوجود الأميركي أغطية مقدسة وسنلحظ «فتاوى» ما أنزل الله بها من سلطان تدعو إلى التبرك من الأميركان والاحرام بالعلم الأميركي ولن يمنعهم ذلك من انتزاع أية حادثة تاريخية مؤدلجة تقوي حججهم تماما كما حدث ذلك في حرب الخليج الثانية اما اقتصاديا فالمتضرر الأول والأخير هو شعوب المنطقة، فبعد تآكل الطبقة الوسطى اقتصاديا ازداد الفقراء سوءا لأن السلاح المستخدم في الحرب ستدفع الدول العربية فاتورته والمستفيد الأول والأخير هو المصانع والشركات الأميركية التي ستبدأ ماكنتها بالتحرك مع أول قطرة دمٍ عراقية تسقط على الأرض من السلاح الأميركي. هنا ستزداد - اقتصاديا - البطالة وهناك في أوروبا وأميركا - ستتقلص البطالة وسيكون لصفقات السلاح دور كبير لاستيعاب مزيد من العاطلين في دول الغرب.

طبعا ـ في حرب الخليج الثانية ـ عملت أميركا على إنجاح عملياتها في عدم استثارة الرأي العام العربي والعالم اعلاميا وذلك بالحرص على عدم عرض مشاهد مأسوية للعراقيين القتلى وعملت على تضليل المجتمع العربي ومحاولة الامساك بكل خيوط الاعلام وتجييره بما يخدم فيلمها الهليودي وما اعتقده انها ستسعى لذلك في هذه الحرب المقبلة وستعمل على وضع المساحيق والألوان الزاهية وبريشات عربية وبأقلام واعلام عربي بتجميل كل القبح الأميركي الذي سيتعزز في هذه الحرب إذا ما وقعت.

ولكن على رغم كل ذلك فالمساحيق لا تستطيع ان تجمل وجوها قبيحة عرفت طيلة هذا القرن في فيتنام واليابان، ولبنان وفلسطين وبقية دول العالم بالاستئصال والاجرام. لهذا فإن الإعلام العربي مطالب بإخراج الأفق الـشعبي إلى آفاق حجم الجريمة المرتقبة ويجب ان نخرجه من أسر ذلك الغش الفكري والتضليل المعلوماتي المعلب والمبرمج وبات لزاما على انظمتنا العربية أن تخاطب الناس بتواضع وعلمية رقمية لا ان تخاطبهم من فوق «البلكونة» فهل سيعي العرب والمسلمون خطورة الحرب؟

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 148 - الجمعة 31 يناير 2003م الموافق 28 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً