العدد 1477 - الخميس 21 سبتمبر 2006م الموافق 27 شعبان 1427هـ

التكاثر الإرادي... وتبعات الضغط السكاني

محسن الشيخ أحمد العصفور comments [at] alwasatnews.com

.

من المستفاد في فهم معنى واصطلاح الضغط السكاني Demographic Pressure كما في قاموس الاصطلاحات انه اندفاع مفرط لعدد السكان مؤداه اشتداد الوطأة التي يمارسونها على الوضع الاقتصادي الخاص بالبلد المعني، وعادة ما تقترن كلمة الضغط باطراد نمو عدد السكان بمعدل أسرع من معدل نمو الإنتاج، ما ينتج عنه قصور واضمحلال في الموارد ومصادر الإمداد، أو ما يسمى في الاصطلاح الاقتصادي بالندرة The scarcity لتنتهي بتعذر فاضح لزيادة الرأس مال المنتج، باعتبار أن غالبية المجهود الإنتاجي على تنوعه مخصص أساسا لتلبية الحاجات الاستهلاكية المباشرة لتزايد السكان، والذي عادة ما يؤدي إلى تزايد حلقات التخلف والفقر في البلدان النامية.

هذه المعادلة الاقتصادية المباشرة أفضت إلى أن تعيد بعض الدول الكبيرة ذات الكثافة السكانية المضطردة خططها الاستراتيجية التي تقوم على موازنة معدل نمو السكان بمعدل زيادة الناتج العام للدولة مثل الصين والهند ومصر وإيران، بلحاظ أن لكل دولة أسبابها الرئيسة والثانوية، مع الأخذ في الاعتبار أن الحكم بوجود الضغط السكاني ليس بالضرورة أن يكون مقترناً بالكثافة السكانية للبلد في مجمل الأحوال، بالنظر إلى درجة نمو الدولة قبالة ذلك، أي زيادة الموارد الطبيعية والاصطناعية والبشرية بالتوازي.

من هذا المفترق الحرج نستطيع أن نضع على رأس قائمة المشروع الإصلاحي هنا في البحرين هاجسا يؤرق مجموع فئات المجتمع البحريني، بل أكاد أجزم انه يمثل هاجسا أكبر غير معلن عند من يتشدقون بقانونية وشرعية التجنيس لمعرفتهم الصارخة بخبايا هذا الملف الساخن وتبعاته الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة على لحمة ونسيج المجتمع البحريني، مع التأكيد هنا أننا لسنا بصدد النكاية بالرأي الآخر فالمصلحة العامة هي الهدف الأسمى الذي ننشده.

إن الضغط السكاني قد يكون نتيجة التكاثر الإرادي إن جاز لنا التعبير، أو من خلال التكاثر الطبيعي لعدد السكان، وهذا الأخير يعود لتجمع عدد من الأسباب كالامتداد الجغرافي للبلد، وطبيعة البيئة، والخلفية الثقافية والعادات والتقاليد.

من هنا تصبح الدولة أمام عدة خيارات للحد من هذه الأزمة أو الظاهرة، قد تكون على شكل تحديد النسل بالتوازي مع العمل في اتجاه تنويع مصادر الدخل، لضمان انخراط جميع فئات المجتمع، خصوصا الطبقة المتوسطة (الكادحة) في حلقة الإنتاجية الديناميكية، ذلك أن أكثر الأمور ضررا على المجتمعات وهيكلية الدولة اليوم هو بلا شك اضمحلال الطبقة المتوسطة، وهذا ما ثبت من خلال ضمور وتشرذم الإمبراطورية البرتغالية في النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي، عندما تآكلت هذه الطبقة بفعل سياسة الدولة الأوتوقراطية التي زاولتها إبان الزهوة السياسية والاقتصادية لها.

مملكة البحرين تقع ضمن هذا النطاق التصاعدي فيما يتعلق بزيادة الكثافة السكانية ولكن في شقه الآخر وهو التكاثر الإرادي، والذي سيكون نتيجة طبيعية لعملية التجنيس المضطرد بعد أقل من عشر سنوات مقبلة، الأمر الذي سيؤدي إلى أزمة حقيقية تزيد من تردي الوضع العام الاجتماعي والاقتصادي للمملكة، والذي سيلقي بظلاله على احتقان المشهد السياسي، لأن هذا النوع من التكاثر عادة ما تتبناه الدول بصورة انتقائية للحصول على خدمات موازية لميزان الصرف المتاح، كتجنيس الخبراء في الطب والهندسة الكيماوية والطب النووي وغيره من التخصصات العلمية، وحتى في المجال الرياضي، طالما كانت الدولة في دائرة مترفة ضمن نطاق متوسط أو مرتفع نسبيا للمستوى المعيشي للفرد كدولة قطر على سبيل المثال.

إن الحكم أو الافتراض جدلاً بقانونية مسار التجنيس بشرائطه بحسب ما أفاد وزير الداخلية من خلال اجتماعه الأخير برؤساء الصحف والمجلات، وأنه ليس بتجنيس سياسي، فهي مسألة فيها نظر وخصوصاً أن السبب الذي يدعونا للاعتقاد بذلك هو التزامن «التاريخي» الموثق بين عملية التجنيس المضطرد ومشروع العمل السياسي بعد التصديق على ميثاق العمل الوطني، فلو رجعنا إلى سنة 1950 الذي ذكرها الوزير لرأينا أن عدد المجنسين منذ ذلك التاريخ حتى تاريخ 2004 لا يتجاوز 2 في المئة إلى 4 في المئة بالتقريب من العدد الإجمالي للمجنسين، هذا إذا عرفنا أن الزيادة السكانية في المملكة تنمو بنسبة 2,4 في المئة وهي بالتناسب عالية جدا، خصوصا إذا ما قورنت بالدول العربية.

ولنفتش خلال هذه الفترة على أسباب أخرى غير سياسية علنا نجد في ذلك ما يثير علامات الاستفهام لدى المتخصصين في الشأن السياسي ناهيك عن العامة من الناس. ثم إن العدد الذي أشار إليه الوزير يمثل فئة جديدة في تاريخ وعمر الزمن الحديث لم يكن لها دور في صوغة المجتمع البحريني ليس على المستوى السياسي ولا الاجتماعي، أما على الصعيد الاقتصادي فهو يمثل النزر اليسير بل اليسير جدا، ونحن في الوقت ذاته نعلم يقينا أن الجاليات من أصول إيرانية هم من العوائل التي عاشت في هذا البلد وترعرعت ومارست العمل التجاري والمهني ردحا فاق قرنين من الزمن، وعانت الأمرين لتحصل على الجنسية في فترة «انتعاش التجنيس»، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل تغيرت المادة رقم 6 من قانون الجنسية 1963 خلال هذه الفترة، أم انه أصبح من المرونة بمكان لتطاله أيدي مفسري ومشرعي القوانين؟ أو كما يقال في اصطلاح الرياضة تنفيذ روح القانون أصوب في الاستثناءات؟ أو أن تنفيذ القانون يرجع إلى تقديرات الحالة؟

في هذا السياق تحضرني مناقشة لإبراهام لينكولن حين قال إن تأييد الجمهور هو كل شيء، فتأثير الجمهور لنظام أو قانون معين هو أساس نجاح هذا النظام وتخليهم عنه بسبب فشله، فالشخص الذي يستطيع أن يفهم الرأي العام أهم جداً من ذلك الذي يضع القوانين ويفسرها، فالقانون إذا لم يحصل على تأييد الرأي العام أصبح وكأنه لم يكن.

المشهد الآخر الأكثر غرابة وتناقضا هو أنه ومنذ العقد الماضي - وبحسب مصادر اقتصادية وحقوقية - فإن الدولة بجميع مرافقها تعاني من شبح البطالة وتعاظم أعداد المواطنين تحت خط الفقر وتزايد الأزمة الإسكانية مقابل محدودية المساحة الجغرافية ومصادر الدخل، ناهيك عن سياسة الانفتاح الخارجي وهي أقرب ما تكون إلى سياسة «الإغراق» التي تتبناها معظم الشركات الكبيرة في سبيل احتكار السلع، دشنتها الحكومة الاقتصادية والتي أدت إلى ارتفاع الأسعار بما فيها العقار وبات على المواطن محدود الدخل، على سبيل المثال لا الحصر، النظر إلى قطع الأراضي من ثقب إبرة. كما فرضت قسراً على المستثمر البحريني الصغير أن يكتفي بالتفرج على تدفق الأموال خارج بيته تحت وصاية الشركات الأجنبية العملاقة.

إذاً كيف لنا أن نستشرف فسحة الأمل بأن هذا المشروع (الذي يهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية للوطن) يمكن أن يتناغم ويتقاطع مع مشروع الإصلاح الذي دشنه وبنى دعائمه جلالة الملك، وإذا كانت استراتيجية التغيير هذه جزءا من السياسة العامة فإن من يمتلك سلطة القرار في هذه الجزئية لا يحتكم على العناصر التي تؤهله إدارة دفة السفينة نحو بر الأمان، وكنتيجة حتمية فإن تجيير كل المقومات لإنجاح هذا المشروع إنما يؤدي بطبيعة الحال إلى تردي صريح في المعايير العامة وخلخلة في صدقية الدولة تجاه الإصلاح وخلق هوة سحيقة بين الدولة والمواطن، وبالتالي تدهور الأمن الاجتماعي والتنمية الوطنية.

إن استشعار خطورة الحدث وتبعاته يستدعي من جميع القوى الوطنية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها تنويع المداخل لتشكيل عوامل ضغط أخرى، وهو أمر مشروع من منظور أن تمرير هذا المشروع بصيغته الحالية هو أمر في غاية الخطورة على مستقبل الأجيال القادمة، ألسنا أيها السادة في زمن دولة المؤسسات؟ ألسنا في زمن الإصلاح السياسي؟ إذاً فليكن شعارنا الشفافية والمكاشفة، الأمر بغاية البساطة: تمكين لجنة البرلمان المعنية أيا كان مسماها الحالي أو المستقبلي، لتقصي الحقائق والإطلاع على حيثيات ومجمل الأمور المتعلقة بالتجنيس كالأسماء والأرقام الحقيقية.

نحن في هذه المرحلة الحرجة بحاجة إلى إعادة تشكيل مصوغات العمل المشترك وهندسة جدول الأولويات للتوجه صوب نقطة اللاعودة، فنحن أمام قضية مفصلية في تأريخ البحرين الحديث تتطلب كثيرا من العمل الجاد والمشترك.

وبمنأى عن ذا وذاك، أرى من الأجدى ضرورة الاحتكام إلى المسار الذي ينسجم مع روح الميثاق الوطني وأهداف وأجندة المشروع الإصلاحي، إلى قرار سياسي حكيم وحاسم من جلالة الملك... وقف التكاثر الإرادي... عفواً التجنيس، وإعادة صوغ قانون الجنسية

العدد 1477 - الخميس 21 سبتمبر 2006م الموافق 27 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً