تحت هذا العنوان هناك الكثير من الكلام، كلام يشرّق وآخر يغرّب والأصح منه بالتأكيد ذلك الذي يقرّب. وحيث لن تسع تفاصيله سطور هذا المقال فقد جئنا بهذا القليل ترشيدا لبعض السلوكيات المخلّة بالوحدة في هذا الوطن العزيز - ولاسيّما الزوبعة الجديدة في المحرّق على خلفية شراء أربعة من المواطنين في حالة بوماهر قطعة أرض حزّت في نفس بعض الجيران - في الوقت الذي ما أحوج المواطنين اليوم على ربوع مملكتنا الحبيبة كلّها إلى الوحدة ورصّ الصفوف والتعاون البنّاء.
فمساهمةً في سدّ فتنة التفرقات بأنواعها أقدّم على الصعيد العام:
1- إنّ الحركة باتجاه الوحدة لن تنجح ما لم نتعرّف على ثقافتها لنؤسس لها منطلقات معرفية واعية. فهي البصيرة التي ينظر من خلالها الهادفون إلى قيم الوحدة وتحقيق التقدم والعدل والرفاه الشامل، وهل الأعمى يسدّد الهدف؟!
من هنا كانت الآية الأولى للقرآن الكربم (اقرأ) وكانت دعوة نبينا الأكرم (ص) إلى «طلب العلم» وكانت كلمة الإمام علي (ع): «ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة» و أشار إلى إحدى أهم أسباب العداوات الوهمية قائلاً: «الناس أعداء ما جهلوا».
فأينما حلّ الجهل إذاً حلّت معه المهاترات والمزايدات و العصبيات والكذبيات والعداوات. وهذه الحقيقة تدعو العلماء والمثقفين بقوّة إلى التحرّك الدؤوب والمشترك قبل أن يقضي الجهل على جهود المصلحين.
2- الوحدة أنشودة الجميع، على رغم أن اختلافهم في تفسيرها قد عسّر ولادتها على الأرض. ولكننا لو فهمناها بمفهوم الاشتراك الإنساني في الحقوق العامة في ضوء كلمة الإمام علي (ع): «الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق» لأصبح الطريق إلى الوحدة التعاونية سالكاً للجميع، ولَسُدّ السبيل على الوحدة الذوبانية في الآخر المسبّبة للتسلّط عليه والتجاذب معه ما يؤدي إلى المزيد من التفرقة باسم الوحدة كما هو الحال في أكثر المجتمعات.
3- الوطنية أنشودة أخرى قد يردّدها الجميع أيضاً، ولكن الخطر يحدق بهم جميعاً حينما يسحب كل جماعة أو عشيرة خيرات الوطن لنفسها ويمنعها عن الغير، وتكون النتيجة الطبيعية لهذا النهج وطناً ممزّقاً يتصارع عليه الجميع أيضاً. ويكون الضعيف هنا مدهوساً بصراعات الطبقية حتماً. ولعمري كم تشبه هذه الحال حينئذ بما نشاهده في الأفلام الوثائقية للغابات حينما تجهز الوحوش على أشلاء الضحية، فتكون الحصّة الكبرى لأسنّها أنياباً وأكثرها فتكاً. فهل يمكن أن تتحوّل الوطنية إلى نهج الغابة كهذا، ويئنّ الوطن تحت الأقدام كالضحية الممزّقة؟!
كلاّ إنّ الوطن جزء من أرض الله الذي جعله مهداً لساكنيه، فعلى الجميع أن يتقي الله في الحق العام لكي يصحّ لهم بعدئذ أن يدوّنوا لأنفسهم تاريخاً إنسانياً، وإلا سيدوّن التاريخ لهم أفلاماً وثائقية على غرار ما في الغابات!
4- الإسلامية، هي الصفة التي أرادها الله للإنسان أن يتصف بها في رؤيته إلى الأشياء والأشخاص من حوله، فمن دونها تأتي الرؤية بلا صبغة إلهية، والله يقول: «وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً» (البقرة: 138)
الإسلام هو دين الله الذي يخسر كلُّ مَن يعطيه ظهره في هذه الحياة. «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (آل عمران: 85)
ولقد كان هذا الدين الحنيف ولايزال هو الركن الوثيق لكل من يستند عليه بصدق وإخلاص في طلب القيم السماوية والإنسانية والوطنية والسعادة الأبدية بعد المماة.
فلا غنى لنا عن قيمنا الإسلامية وفطرتنا النقيّة إذا ما أردنا التأسيس الناجح لأي مشروع في حياتنا، والوحدة الوطنية من أهم المشروعات مادام القدر قد حتم علينا على تراب هذه المملكة الغالية أن نعيش التعدّدية في المصالح المشتركة والهموم المستمرة.
عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
العدد 1469 - الأربعاء 13 سبتمبر 2006م الموافق 19 شعبان 1427هـ