«أحسد المترشحات النساء، لديهن برنامج تمكين سياسي، لديهن دعم وتوجيه مباشران ومنظمان، وحسبما تناهى إلى مسامعي أخيراً، سيكون لديهن دعم مادي مباشر لحملاتهن الانتخابية أيضاً، كل ذلك ونحن المترشحين الرجال نتخبط يمنة ويسرة، لا يوجهنا أحد، لا يدعمنا أحد، إنه بالفعل زمن النساء».
لا تجري هذه العبارة بطبيعة الحال إلا على لسان مترشح رجل في الانتخابات المقبلة، ويؤمن بها كثير من المترشحين، وإن لم تنطق بها ألسنتهم. ينظرون جميعاً بصمت إلى الدعم المقدم للمترشحات النساء، وعيونهم تنطق بما لا تقوله الشفاه. بعضهم يقول على سبيل الثقة «مهما فعلتم، لن تنجح امرأة»، البعض الآخر يدعي عدم الاهتمام بكل ما يجري، متوجساً خيفة من أن تهزمه في الانتخابات المقبلة « امرأة»، والبعض الآخر يعلن دعمه، بحماس خافت. وعلى الجبهة الأخرى تبدو المترشحات والناشطات النسائيات سعيدات بما اعتبرنه إنجازاً للمرأة، متفائلات بما يمكن أن يحققنه بعد كل هذا الدعم، والثقة، والأمل. هل يحق للمترشحات النساء أن يحصلن على دعم مادي مباشر في الانتخابات المقبلة؟ هل يحق للمترشحين الرجال أن يشعروا بالظلم تجاه هذا الدعم المادي الصريح لغريماتهم؟ وماذا يعني التمييز الإيجابي للمرأة في المشاركة السياسية؟ وهل هو ضرورة في البحرين؟ أسئلة نحاول في هذا العدد من «جهينة» البحث عن إجابات لها، آخذين في الاعتبار مصلحة المرأة والرجل معاً.
PDNU تقدم الدعم المادي والفني للمترشحات
أعلن أخيراً عن موافقة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على تقديم دعم مادي مباشر للنساء المترشحات في الانتخابات المقبلة، وهي الموافقة التي جاءت بناء على عدد من بنود اتفاق مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) الذي انضمت إليه مملكة البحرين. وجاء هذا الإعلان، على رغم ندرة التفاصيل المرتبطة به حالياً، ككوب ماء بارد في يوم قائض بالنسبة إلى المترشحات، فقد سبق وأعلنَّ قلقهن من موضوع تمويل حملاتهن الانتخابية، التي يعرفن جيداً كم هي مكلفة.
أما المجلس الأعلى للمرأة فقد تبين أنه يدرس معايير دعم المترشحات بحيادية، إضافة إلى اطلاعه على التفاصيل التي تحدد تمويل كل مترشحة.
وعلمت «جهينة» أن الدعم المادي المقرر تقديمه للمترشحات لن يأتي من دون ضوابط، إذ تأتي فكرته عن طريق إنشاء صندوق لدعم المترشحات، يساهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بإنشائه، وسيكون الدعم في مجمله كمساعدة للمترشحات أثناء حملاتهن الانتخابية عبر إعداد البوسترات والملصقات اللازمة للحملات، باعتبارها الجزء الأكثر كلفة في الحملات الانتخابية عادة.
وفي حديث له مع «جهينة» قال ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي محمد آل شريف ان النقاش استمر طويلاً بشأن بنود اتفاق «سيداو» ومدى مشروعية تقديم الدعم المادي للمترشحات النساء، والذي انتهى بالاعتماد على إحدى فقرات الاتفاق الواقعة تحت بند الإجراءات المؤقتة ونصها: «لا يعتبر اتخاذ الدول الأطراف التدابير الاستثنائية المؤقتة لغرض التعجيل بالمساواة الفعلية بين الرجل والمرأة - إجراء تمييزيا بحكم هذه الاتفاقية بشرط عدم الإبقاء على هذه التدابير غير المتكافئة ووفق العمل بها متى تحققت أهداف التكافؤ في الفرص». فيما ربطت هذه الفقرة أيضاً ببند آخر من الاتفاق يتعلق بالنشاطات التي يمكن اتخاذها للتخلص من التمييز، وبناء على ذلك تبين أن تقديم الدعم المادي للمترشحات عبر هذا الصندوق المقرر تأسيسه مشروع قانوناً.
«سيداو» والتمييز الإيجابي... هل هو ضرورة؟
مهما يكن الشكل الذي يتم عبره تقديم الدعم للمترشحات النساء، سواء كان فنياً أو مادياً، عبر صندوق أو مركز للدعم الانتخابي، أو عبر برنامج للتمكين السياسي، فهو في النهاية دعم لم يتلقه المترشحون الرجال، وهو «تمييز» للنساء عليهم، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، لكنها حقيقة لها أسبابها، التي يتبين عن طريقها لماذا أصبح تمييز النساء الإيجابي ضرورة، وليس كمالياً.
ربما يكون من المناسب، بما أننا اعتمدنا في حديثنا على اتفاق «سيداو»، أن نعود إلى البحث عن أساس «التمييز الإيجابي» في ذلك الاتفاق، الذي تقر ديباجته أنه على رغم الجهود المختلفة التي بذلتها الأمم المتحدة من أجل تقدم حقوق الإنسان ومساواة المرأة، فإنه «لا يزال هناك تمييز واسع النطاق ضد المرأة»، وتعلن مجدداً أن هذا التمييز «يشكل انتهاكاً لمبادئ المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان، وعقبة أمام مشاركة النساء، على قدم المساواة مع الرجال في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في دولهن، ويعوق نمو ورخاء المجتمع والأسرة، ويزيد من صعوبة التطور الكامل لإمكانات الجنسين والتنمية البشرية والوطنية والعالمية».
ويتقدم هذا الاتفاق على سائر الاتفاقات التي ضمنت المساواة للمرأة أمام القانون والحماية المتساوية في ظل القانون، إذ انه يتخذ التدابير الهادفة إلى تحقيق المساواة الفعلية بين الرجال والنساء، بغض النظر عن الحالة الزوجية، في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويختلف عن سائر الاتفاقات الدولية التي سبقتها والمتعلقة بوضع المرأة في كونها تدعو إلى اتخاذ التدابير المؤقتة للتمييز الإيجابي. وتلزم الدول العضوات بالعمل على تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية للسلوك والاتجاهات فيما يتعلق بالجنسين، كما تحاول فرض معايير خاصة للمساواة وعدم التمييز في الحياة الخاصة والعامة على حد سواء.
مكيف وحذاء رياضي... في سباق غير عادل
بعيداً عن التفسيرات والمصطلحات القانونية المعقدة لمفهوم التمييز الإيجابي للمرأة، ربما من الواجب أن نرسم صورة أكثر وضوحاً وقرباً لوضع المرأة عندما تخوض المعترك السياسي مقارنة بالرجل.
إنها صورة لذلك السباق الذي يصفه الباحثون بأنه «لم يكن عادلاً أبداً»، فالمعترك السياسي أشبه بالسباق، تقف المرأة والرجل معاً عند خط بدايته، ويبدأ السباق، غير أن الطريقين مختلفان، طريق الرجل ممهد، سهل، طبيعي ومتوقع. أما طريق المرأة فهو شائك، مليء بالحفر، والمرتفعات، والالتواءات. من الطبيعي أن يفوز الرجل ويتقدم، مهما تكن كفاءته، ومن الطبيعي أن تتخلف المرأة ويصعب عليها الوصول إلى خط النهاية، مهما تكن كفاءتها. فالكفاءة ليست هي المعيار هنا، إنه الطريق الصعب الوعر. التمييز الإيجابي هنا، هو مثلا لو جعلنا طريق المرأة «الوعر مكيفاً مثلاً» !، لو منحناها حذاءً رياضياً قوياً « مثلاً»، لقد أعطيناها بذلك الفرصة لكي تصل، لأننا نريدها أن تصل، ولا يعني هذا أننا لا نريد للرجل أن يصل، نحن فقط نريد أن نخلق فرصة عادلة للفوز، في سباق غير عادل على الإطلاق، وحتى نمهد الطريق أمام الطرفين، ليصبحا متعادلين، يصبح المكيف والحذاء الرياضي ربما ضرورة، وضرورة قصوى.
تقدمت الجمعية البحرينية للشفافية مطلع العام الجاري بمقترح بشأن «تمويل الجمعيات السياسية والحملات الانتخابية في مملكة البحرين»، وهو المقترح الذي عرض على الجمعيات السياسية المعنية به، وتمت مناقشة المقترح ومتابعته إلى أن رفع إلى وزارة العدل لتدارسه وإقراره، وهو الأمر الذي لم يشهد أي تطور منذ ذلك الحين بحسب نائب رئيس الجمعية البحرينية للشفافية فوزية زينل.
وكان المقترح وضع في الاعتبار بنداً خاصاً لتمكين المرأة سياسياً، إذ ذكر في محوره الثالث أنه من أجل تشجيع الجمعيات السياسية لإتاحة الفرصة للمرأة للمساهمة بفاعلية في إدارة الجمعيات السياسية ونشاطاتها وهو ما يعتبر خطوة مهمة من أجل تمكينها سياسيا فتحصل الجمعية السياسية على تمويل إضافي وفق عدد من الضوابط أهمها:
استيفاء الجمعية السياسية الشروط التي تستحق بموجبها دعم موازنتها التشغيلية، وتحصل الجمعية السياسية على 250 ديناراً شهرياً زيادة على الدعم الذي تحصل عليه لموازنتها التشغيلية إذا ما بلغت نسبة العضوات في مجلس الإدارة أكثر من 20 في المئة في العام 2006، و25 في المئة في العام 2010 و30 في المئة في العام 2015. كما تحصل الجمعية السياسة على 250 ديناراً شهرياً زيادة على الدعم الذي تحصل عليه لموازنتها التشغيلية إذا ما بلغت نسبة العضوات العاملات أكثر من 20 في المئة من عدد أعضاء الجمعية العاملين المسددين لاشتراكاتهم، بمعنى عدم انخفاض عدد العضوات في أية سنة عن السنة التي تسبقها. ونص المقترح أيضاً على أن تحصل الجمعية السياسية على ألف دينار لكل عضوة من أعضاء الجمعية تترشح في الانتخابات النيابية أو البلدية على ألا ينافسها مترشح آخر ينتمي للجمعية ذاتها. كما تحصل الجمعية السياسية على خمسة آلاف دينار لكل مترشحة منتمية لها فازت في الانتخابات النيابية أو البلدية.
وتعليقاً على دعم المترشحات المستقلات من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقول زينل في حديثها مع «جهينة» إن الدعم المادي للمترشحين والمترشحات المستقلين والمستقلات هو أمر ضروري بمكان وذلك لوجود أسماء كفؤ تستحق أن تصل إلى مواقع صنع القرار من الجنسين، متمنية أن تقوم الجمعيات السياسية باختيار مرشحين أكفاء لدعمهم في الانتخابات وهو الأمر الذي يعود برأيها إلى مصلحة العملية الديمقراطية والبحرين.
تبنت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام 1979، بعدها بدأ التسارع في التصديق عليه وأصبح نافذ المفعول بتاريخ 3 سبتمبر/ أيلول من العام 1981. ويبلغ عدد الدول المنضمة إليها حاليا نحو 160 دولة (من أصل 185 دولة عضوة من الأمم المتحدة). ويقتضي الاتفاق من الدول العضوات القضاء على التمييز ضد المرأة فيما يتعلق بالتمتع بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية. كما يرسخ برنامجا من الإجراءات التي يتعين على الدول اتباعها من أجل تحقيق المساواة بين الرجال والنساء. ولا يقتصر تعهد الدول على السعي إلى تحقيق المساواة في الحياة العامة (في مجالات الوضع القانوني والمشاركة السياسية)، إنما يتجاوزها إلى الحياة الخاصة، وخصوصا ضمن العائلة. ومن أجل تطبيق أهداف الاتفاق فإن الدول مخولة باتباع سياسات التمييز الإيجابي حتى يتم تحقيق المساواة بين المرأة والرجل. ويلزم اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الدول العضوات المنضمة إليه بالتعهد باتخاذ جميع ما يلزم من تدابير للقضاء على التمييز ضد المرأة الذي يمارس من قبل أي شخص أو منظمة أو مؤسسة. وهو في ذلك يختلف عن غيره من اتفاقات حقوق الإنسان. كما يوفر أداة فعالة لتناول قضايا المساواة بين الجنسين في الحياة السياسية، إذ تنص المادة 7 من الاتفاق على «حق المشاركة في صياغة سياسة الحكومة وتنفيذ هذه السياسة، وفي شغل الوظائف العامة وتأدية جميع المهمات العامة على جميع المستويات الحكومية»
إقرأ أيضا لـ "كاظم عبدالله"العدد 1465 - السبت 09 سبتمبر 2006م الموافق 15 شعبان 1427هـ